رواية وجلا الليل الفصل الخامس عشر 15
اقتحمت الشرطة المكان، وقامت بتفتيش المنزل، وبعد أن انتهت واطلقت خبرها كالقذيفة في وجوه الحاضرين، صار كل منهم كالتمثال الجامد يحاول جاهدًا استيعاب حجم الفادحة التي ألحقت بهم .
بينما كانا الاثنان يرتجفان بداخلهما، ولكنهما أدعوا الثبات قدر المستطاع، ليخرج صوته والذي صارع في أن يظهر طبيعيًا :- خير يا حضرة الظابط، بأي وچه حق رايد تقبض علي أنا وولدي ؟
تحدث الضابط بعملية :- سيادتك متهم بتهريب شحنة مخدرات أنت وابنك، وفي القسم هتعرف كل حاجة .
تحدث راضي بانفعال زائف :- مخدرات إيه دي كمان ؟ البلاغ دة كيدي يا باشا .
لوى ثغره بتبرم وردد بضجر :- والله دة اللي هتثبته التحقيقات اتفضلوا معانا بالذوق بدل ما نستخدم القوة .
امتثلا لطلبه وسارا معه، اتبعه شقيقه والذي هتف بهدوء :- متخافش يا سالم أنا هچيب محامي وأطلع وراك طوالي على المركز .
أومأ له برفق حتى غابا عن أعينهم، لتجلس زبيدة ترثي حالها على زوجها وولدها، بينما ظلت أمينة تنقل بصرها بينها وبين ابنتها بشفقة .
أتت تلهث هي ما إن اخبروها بالمزرعة بما حدث، دلفت والدمع يسبقها إلى حيث يتواجدون، هتفت بلوعة وهي تقف تلتقط أنفاسها بصعوبة أمام والدتها :- أما وينه أبوي ؟
هتفت بصراخ :- أبوكِ خدوه المركز يا شمس هو وأخوكِ .
ارتعشت شفتيها بهلع قائلة :- ليه خدوه ؟
تدخل عامر الذي أردف بحنو :- متقلقيش يا بتي أديني رايحله أهة ويا واد عمك وهنشوف الحكاية .
قال ذلك ثم انصرف برفقة مؤمن، بينما جلست هي على الكرسي لا حول لها ولا قوة، فما كان أمام أمينة سوى أن تبقى إلى جوارها، حتى تمضي هذه المحنة بسلام . بقلم زكية محمد
بقسم الشرطة توالت التحقيقات، ودلف عامر بصحبة المحامي لرؤية الأوضاع، وما إن وجهوا له اصابع الاتهام انتفض محله وهتف باعتراض :- كيف تتهموني بالتهمة الشينة دي ؟ أنا وولدي كُنا في حلقة ذكر عشية، وتقدر تتأكد بنفسك، چبل إيه اللي روحناه دة كمان أما عچايب .
ردد المحقق بصرامة :- والله إحنا بنشوف شغلنا ولو فعلًا ثبت وجودك في المكان اللي بتقول عليه ساعتها يحلها الف حلال .
ظلوا إلى منتصف النهار، يتابعون التحقيقات والشهود الذين أتوا للإدلاء بشهادتهم، والتي أثبتت وجوده في وقت وقوع الحادث في المكان المنشود، أُقفل المحضر وتم الإفراج عنهم لعدم وجود أدلة لإدانتهم، ليعودوا للمنزل، وتتعالى الزغاريد والصيحات لهذا الخبر السعيد، لينظر هو لابنه بخبث وهو يرسل له رسالة خفية، بأن والده ليس سهلًا ليتم الإيقاع به، ليردها الآخر بنفس المكر وهما يتذكران ما حدث مسبقًا .
عودة لوقت سابق حيث قبل الذهاب لذلك الجبل، خطط الاثنان في الظهور في إحدى حلقات الذكر كغيرهما من محبين السماع للأناشيد الدينية، وقاموا بإظهار نفسيهما كي يتم المخطط كما يريدون، وأثناء الاصغاء والانسجام التام مع المنشد، انسحبا تاركين المكان بخبث ومن ثم ذهبا سريعًا مع شريكهما رجب، وأثناء عملية التبادل حدث ما لم يكن في الحسبان، حيث اقتحمت قوات الشرطة الموقع وحدث ما حدث، ليفروا هاربين بعد إصابة الثالث، والذي تم معالجته على إحدى الرجال المتخصصين في تلك الأشياء، فالإتيان بالطبيب سيعرضهم لمشاكل في غنى عنها، عادا مسرعين وجلسوا مجددًا بالمجلس، يتعرقان بوجل ظاهر لولا انشغال البقية للاحظوا ذلك بيسر، لتنتهي الأمسية ويعودا للمنزل، والطمأنينة قد شقت طريقها نحو قلوبهم، لتحل عليهم الصدمة عندما وجدوا الشرطة تستدعيهم، مرت الأمور بسلام الآن ولكن يتبقى ذاك الجاسوس المتخفي وسط صفوفه، يجب أن يعلم بهويته والايقاع به قبل أن يسقط هو تحت رحمته، وحينها سيقول يا ليت .
رسما القناع جيدًا وها هم يظهرون بثوب المظلومين، وينالون تعاطف الآخرين، فتعسًا لقلوب ملئتها المعصية حتى فاضت .
★★★★★★★★★★★★★★★★★★★
بعد وقت لاحظت تجهم وجه ابنها، فهزت رأسها بقلة حيلة وحزن عليه، ولكن ما ذنب تلك المسكينة أن يلحقها بطشه ؟
استغلت انشغال الجميع فاقتربت منه، لم يشعر بها إذ كان يجول في واديه الخاص، حيث هبت ريح الماضي السحيق، والذي تمنى لو محاه من ذاكرته للأبد، ولكنه باقي وكأنه يصر على تعذيبه كل هذا الوقت، انتبه ليد توضع على كتفه، فرفع بصره نحوها لتقرأ الأخرى شعور القهر بعينيه، فما يزيدها إلا سقمًا ربتت على كتفه بحنو وخرج صوتها الدافئ قائلة :- يحيى يا ولدي ريداك في كلمتين، تعال نطلع برة عشان نعرف نتحدت زين .
نهض من موضعه وسار خلفها وهو عليم بما ستقوله، خرجا لحديقة المنزل الخلفية وجلسا على إحدى الأرائك الموضوعة، تنهد هو بصوت مسموع لتصل تلك التنهيدة لقلب والدته، التي تشعر به وبألمه وكأنه أرسل إليها ذلك الوجع لتشاطره إياه بدلًا من أن يحمله على عاتقه بمفرده .
تحدثت بنبرة يشوبها الأسى :- لحد ميتا يا يحيى ؟
تطلع لها بغرابة لتكمل هي بابتسامة باهتة :- يكون مفكر مخبراش باللي چواك، ولا مفكر إني محساش بيك، أنت ولدي يا يحيى يعني الوچع قبل ما يصيبك يصيبني .
مرر كف يده على وجهه بإرهاق قائلًا بصوت أجش :- مفيش يا أما شوية مشاكل في الشغل إكدة .
ضيقت عينيها بتهكم قائلة :- الشغل بردو ! روح كدب على الناس كلاتها بس على امك لاه يا ولدي .
سحب شهيقًا عميقًا وزفره بضيق وردد بجمود :- رايدة إيه يا أما، بلاها اللف والدوران دة .
أجابته بجدية وتعقل :- رايداك تطلع على حالك، وتشوف البنية اللي أنت مزعلها دي .
طالعها باستنكار وأشار إلى نفسه مرددًا بدهشة :- دة أنا اللي مزعلها ؟ ولا هي اللي غاوية نكد .
رددت بروية :- من حقها يا يحيى تعرف عشان تطمن، كيف تنام چارك وهي خابرة إنك مشغول بواحدة تانية ؟ بقلم زكية محمد
جعد أنفه بنفاذ صبر قائلًا :- تانية إيه وأولى إيه ؟ متخربطيش بالحديت يا أما .
أردفت مسرعة توضح له :- خابرة زين بس هي مخبراش، وكل اللي في بالها إنك بتحب مرتك الأولانية، قولها وريحها يا ولدي .
صاح بانفعال دون شعور منه :- أقولها إيه يا أما ؟
أجابته بنفس الانفعال :- تقولها أنها لساتها عايشة ومماتتش ..
جز على أسنانه بعنف حتى كاد أن يهشم فكه، ليردف بكره لتلك الأيام :- بزيداكِ يا أما .
هزت رأسها بنفي قائلة بإصرار :- لاه أنت اللي لازمًا تفوق يا ولد عامر، شمس ضفرها برقبتها مش كلاتهم واحد، صوابعك مش زي بعضها .
أخذ صدره يعلو ويهبط بقوة، وهو يشعر باندلاع ثورة رجت كافة مدينته، فباتت خرابًا لا أمل فيه، بينما تابعت هي بحزم :- وايه يعني هملتك وسابتك، ربنا عوضك باللي أحسن منيها نعملها إيه في طمعها عاد، مرضيتش بعشيتنا في الأول لكن دلوك ربنا كرمنا من وسع خليها تشرب .
ضغط بكلتا يديه على حافة الأريكة، فهي لا تعلم بمحاولاتها المستميتة في العودة إليه، بعد أن أصبح ذو مكان ومنصب غير ذاك الذي كان يشق طريقه بكد في البداية، أغرتها النقود لتعود تتودد إليه، بعد ماذا ؟ أتأتين الآن تبكين على الأطلال وقد كان كل شيء ملك يديها !
أردفت بسخط ونقمة عليها :- بت المقشفة اللي عملنا ويا أبوها چميل، قامت عضت اليد اللي أتمدتلها .
ابتسم بخفوت على حديث والدته، فهي في أعز الكرب تتفوه بكلمات في غير محلها، أردف بهدوء :- خلاص يا أما إكدة أنتِ بتديلها حسنات .
أومأت بتفهم وتابعت بأمل :- هاه هتقولها، طيب هملني أنا أقولها لو مرايدش أنت والله البت قطعت قلبي يا نضري الصبحية .
على ذكرها غط الغيظ قسماته منها، تلك التي لن يكف عقلها عن الترهات التي تحدثها، فبدلًا من أن يستيقظ على الهدوء، تفاجئه بردة فعل لم يتصورها من قبل، ولكنه لا يعرف عما يدور بخاطرها، فلو علم ما تختزنه من بحور العشق له، لقفز فيه يغرق طواعية وأبدًا .
انتشلته من أفكاره قائلة بتكرار :- ها يا ولدي مقولتش أقولها أنا ولا تقولها أنت ؟
أردف بهدوء :- سيبيها ليا يا أما أنا هتصرف .
ربتت على ذراعه بفخر قائلة :- ربنا يكملك بعقلك يا ولدي هو دة الحديت الصُح، يلا بينا نعاود قبل ما حد ياخد باله .
وافقها الرأي فدلفا سويًا، لتذهب الصغيرة لوالدها الذي حملها ووضعها على قدميه بحب، وراح يمزح معها ولم يخفى عنه تلك النظرات التي كالسهام تخترقه، من تلك التي تجلس بركن بعيد والغيظ يأكل جدرانها من الداخل، تتابعه يلعب مع الصغيرة وكأنه لم يقترف أي جرم بحقها، يا له من مغرور ذو قلب صلد، هزت رأسها بعزيمة على ما نوت عليه .
وبعد خلود الجميع إلى مضاجعهم، أخذت طريقًا آخر الأمر الذي جعله يستشيط غضبًا إذ هتف بغضب مكبوت :- رايحة وين ؟
حدجته بشرارات كالجمر، والتحدي يتربع على عرش مقلتيها قائلة بمبالاة :- رايحة بيت أبوي، فيها حاچة دي ؟
جذبها من ذراعها بخشونة مزمجرًا باعتراض :- اه يا هانم خدتي أذني أنتِ ولا بتمشي بشورتك .
ربعت يديها وأردفت بحنق :- ما من هنا وغادي كل واحد يروح لحاله يا واد عمي .
أومأ برأسه بهدوء خطير، قبل أن يميل على أذنها يهمس بخطورة وتهديد :- طيب قدامي من سكات ونبقى نشوف حكاية كل واحد يروح لحاله دي .
تشبثت بالكرسي وكأنه سينهض يحميها، ورددت برفض قاطع :- لاه أنا مش هروح وياك مُطرح، هملني يا يحيى .
ردد ببرود :- يبقى أنتِ اللي چبتيه لنفسك .
قال ذلك ثم حملها عنوة، لتطلق صرخة سرعان ما وضعت يدها على ثغرها، خشية أن يسمعها قاطني المنزل، وأردفت بهمس تترجاه بأن يتركها، وعيناها تجوب أركان المنزل بخوف :- هملني يا يحيى الله يرضى عنك، حد يوعالنا نزلني .
أردف بابتسامة شيطانية :- نمشي من سكات ولا أنادي على أبوكِ يشوفنا إكدة ؟
هزت رأسها بعنف قائلة بلهفة :- لاه نمشي، نمشي بس بلاش أبوي يوعالي إكدة يا يحيى .
أردف بانتصار :- يبقى ما اسمعش حِسك لحد ما نطلع .
حنت رأسها للأسفل، وهي تذم شفتيها في ضيق وخجل، بينما تابعها هو بمكر وتسلية، وصلا لداخل الشقة فأنزلها برفق، لتعود هي لطبيعتها قائلة بزمجرة :- عملت اللي أنت رايده ؟ مبسوط دلوك يعني ؟
جلس على الكرسي واضعًا قدم فوق أختها وردد بجمود :- أيوة مبسوط، ومبسوط قوي كمان .
طالعته باحتدام عارم، فهي تغلي كالبركان وهو جامد كالجليد، ودت لو تلكمه بوجهه أو تصفعه عله يفوق، تركته وذهبت لإحدى الغرف وأوصدت الباب بالمفتاح، ليلحقها هو فقد قرأ أفكارها قبل أن تقدم على ذلك، لتصرخ هي بقهر وتضربه بكلتا قبضتيها على صدره وهي تردد ببكاء :- هملني يا يحيى، هملني بقولك ..
لم يرضخ لطلبها وإنما تركها تفرغ شحنة غضبها، حاوطها بذراعيه لتستسلم له وتدلف في نوبة بكاء حارق، ظلت هكذا لبعض الوقت حتى شعرت بجفاف حلقها، وأن دموعها قد نفدت فما عاد لها مجرى لتشق منه الماء، ابتعدت عنه بإحراج من منظرها المزري، بينما سحبها هو إلى المرحاض، وغسل وجهها برفق فلاحظ لعقها للمياه على شفتيها، فجفف وجهها وأخذ بيدها إلى الخارج ليحضر لها كوب مياه، فأخذته هي تشربه بنهم حتى أرتوت، جلس قبالتها وهتف بهدوء :- أحسن دلوك ؟
هزت رأسها بنفي وهي لازالت على نفس العبوس، فابتسم بخفة قائلًا بعبث :- وه بعد المناحة دي ! طيب إيه اللي يرضيكِ دلوك ؟
أردفت بحزن وحذر :- چاوبني على سؤالي الأول .
أردف بخبث فهو يعلم جيدًا ما ترمي إليه :- سؤال إيه دة ؟
نظرت له بعينيها الحمراوين كالدماء بكمد، لتتعالى ضحكاته قائلًا بمزاح :- بصي الناحية التانية خوفت من عنيكي اللي كيف العفريت دي .
أردفت بحنق وهي تهم بالرحيل :- طيب أنا ههملهالك واصل عشان ترتاح .
سحبها لتجلس مكانها مردفًا بغيظ :- أباي على مخك المسلبط دة، أقعدي خلينا نقول الكلمتين ونخلص .
تابعته بترقب شديد، بينما ظل هو صامتًا للحظات، يستجمع كلماته التي سيفجرها بوجهها، أردف بصوت مختنق :- كل اللي أقدر أقولهولك إن هي متعنليش ليا أيوتها حاچة .
سألته بوجل ورفرفة عصافير على سور قلبها، تعلن قاطني المدينة برفع بيارق الحب بكافة أرجائها :- يعني أنت مبتحبهاش ؟ خابرة إنها مرحومة بس …، بس أنا ……
صمتت وعجزت عن الحديث، أتخبره أنها تشعر بغيرة شديدة تكوي جوانب فؤادها، ما إن تتذكر أنه أقترب من أخرى غيرها، تشعر بإعصار تسونامي يدمر أعصابها ويحولها لشخصية أخرى تود الفتك بكل أنثى إن رفعت انظارها نحوه .
رفع وجهها صوبه فوجدها كتاب مفتوح، قرأ سطور العشق الذي تكنه له بعمق، فطن لما أرادت أن تخبره إياه فكتمته في طيات قلبها الملتاع، أردف بنبرة هادئة مهلكة لها، جعلها تتخبط في طرقات عشقه :- السنين اللي فاتت دي كنت حاسس بحاچة نقصاني، كبرت وچواتي الإحساس بيكبر يوم بعد يوم، مكنتش خابر أنه أنتِ .
تطلعت له بصدمة ليجفف دموعها بأنامله بحنان، ليؤكد على حديثه :- خابرة لما مشينا من اهنة زمان وأبوكِ ضربك، وقتها كنت ماشي مغصوب مكنتش رايد أهملك وفي نفس الوقت مقادرش أقعد چار واحد طردنا وضحك على أبوي وخد حقه .
جعدت أنفها بضيق قائلة :- متقولش على أبوي إكدة .
أردف باستمالة :- بقولك إيه هملك من أبوي وأبوكِ دلوك، متنكديش علينا النهاردة وخلينا في المهم .
تساءلت في فضول :- وايه هو المهم دة ؟
ردد بعبث وهو يقترب منها حد الهلاك، ليجرفها معه نحو تيار العشق الذي تلاقى أخيرًا عند نقطة واحدة :- تعالي وأنا أقولك إيه المهم .
أردفت باعتراض :- لاه استنى أنت لسة مريحتنيش لحد دلوك .
زفر بحنق مرددًا :- في إيه تاني يا بت الناس ؟
تابعت بفضول :- طالما مبتحبهاش أتچوزتها ليه ؟
ضغط على رأسه بيديه، فتلك العنيدة لا ترضى بالقليل، تريد معرفة كل شيء وباستفاضة، رفع وجهه ناحيتها ثم راح يخبرها بمكنونات صدره علها ترتاح، ويحيا معها في راحة .
*********************************
تسير بغنجها المعتاد ولحسن حظها وسوء حظ الأخرى، سمعت همهمات خافتة فاقتربت تسترق السمع، وما هي إلا لحظات حتى نتأت مقلتاها بذهول، وكاد أن يصل فيها للأرض من هول ما سمعت، لم تبرح محلها إلا عندما شعرت بحركتهن، لتغادر وعلى وجهها إمارات الصدمة، سرعان ما لمعت عيناها ببريق شيطان خبيث، يرتب لوضع الأمور نصب عينيه ليوجهها في صالحه الخاص، ابتسمت بانتشاء فها هي وجدت الثغرة التي ستنتقم منها، وستقضي على كل أمل بينهما، وستقطع جميع حبال الوصال التي نسجوها في طريقهم، نعم لن تتركها تظفر به وخاصة بعد الذي علمته بشأنها .
على الجانب الآخر جلست تبكي بحرقة، فما عانته طيلة تلك السنوات ليس بهين، ذاقت المرار أنواع ناضلت في حرب لم يخسر فيها أحد سواها هي وفلذة كبدها، حاولت جاهدة أن لا يمسها هي وابنتها أي مكروه، قبلت بتنازلات مهينة كي لا يمسهم السوء، هددها بالصمت فما كان أمامها سواه، خطأ اقترفته وهي بريئة منه، دفعت ثمنه غاليًا من عمرها، لا تعلم إلى أين سترسو سفينة آلامها، التي تبحر بها ولم تتوقف بعد . بقلم زكية محمد
تساقطت دموعها قهرًا على تلك الفراشة، التي نالت حريتها وترفرف بسعادة على أبواب الفرح، ابتسم لها القدر أخيرًا بعد رحلة عذاب طويلة، شعرت بوخذة عميقة في جانبها الأيمن، تشعر بأن هناك ثمة أمر سيحدث وله أضرار، استعاذت بالله من الشيطان الرجيم، وأملت بأن يكون القادم أفضل .
في عشية اليوم التالي، كان الجميع يجلس بصحن الدار، بمشاعر متناقضة تغلف الأجواء .
تجلس الصغيرة على قدمي “شمس”، والأخرى منسجمة معها بينما يراقبهم هو بابتسامة عريضة.
كانت على وشك الانصهار، وعيناها تفترش الأرض بحرج شديد لكلماته العابثة، راقبتهم هي بأعين تشع حقدًا، فراحت هي تهتف بحقد :- مقولتيش يا وچد من عيلة مين أنتِ في البلد ؟
سقط قلبها بين قدميها هلعًا، ولكنها ارتدت ثوب الثبات وهتفت بحسن نية :- من عيلة بسيطة على قد حالهم في نچع رفاعة، واسمهم غلاب .
تعالت ضحكاتها بصخب وأردفت بحاجب مرفوع :- ويا ترى الحدوتة البايخة دي قولتوها لكام واحد وصدقها ؟
تدخل خالد قائلًا بسخط :- نورا إلزمي حدك وبطلي حديتك اللي ملهوش عازة دة .
صوبت أنظارها تجاهه قائلة بسخرية :- مش تستنى نعرف نسب حرمك المصون اللي يعر !
نهض من مكانه وكان على وشك ضربها وهو يصرخ فيها :- إخرسي يا بت ال….
جذبه يحيى مسرعًا قبل افتعال أية مشكلة، بينما هتف راضي باحتدام :- بتشتم خيتي عشان دي ؟ وكمان معاملش اعتبار لعمك ؟
تدخلت في الحوار قائلة بسخرية :- همله يا راضي معذور برضو، أصله أتقرطس يا عيني وهو ما يخبرش .
زمجر بغضب عاصف :- يمين بالله لو ما حطيتي في خشمك بلغة لأقوم أعيد ربايتك من چديد .
هتف سالم هذه المرة باحتدام :- والله عال عمال تقل من بتي وما عملش حساب للكبار، ما تقول حاچة يا عامر .
هتف بجمود وهو ينظر لابنه بصرامة :- أعتذر لعمك ياولد .
أمام إصرار والده أذعن لطلبه، ليردد بعدها عامر :- ودلوك يا سالم چه دورك تعلم بتك كيف تتحدت زين وتبطل خربيط بالكلام .
تحدثت هي بتأكيد هذه المرة :- لاه يا عمي أنا مبخرطش بالحديت، اللي أنتوا واخدينها لولدكم ……
صمتت تراقب شحوب وجه وجد التي لا تفقه شيء مما تتحدث عنه، لتردد بدوى صوت إنفجار أحدثته في المكان :- تبقى بت حرام .
★★★★★★★★★★★★★★★★★★★ا
- يتبع الفصل التالي اضغط على ( رواية وجلا الليل ) اسم الرواية
تعليقات
إرسال تعليق