Ads by Google X

القائمة الرئيسية

الصفحات

رواية الهجينة الفصل الجزء الثاني الفصل الثامن و الثلاثون 38 - بقلم ماهي احمد

      رواية الهجينة كاملة حصريا عبر كوكب الروايات بقلم ماهي احمد

رواية الهجينة الفصل الجزء الثاني الفصل الثامن و الثلاثون 38

“متى يستريح القلب فـ والله قد هُلك”

تلك اللحظه، اللحظه التي نزفت بها القلوب دماً

تعالت الصرخات، صرخات ما بين الحياه والموت، صرخات تدل على حياة أحدهم، وصرخه أخرى تدل على فقد حياة أحدهم

_يــــــــاما

ظل يصر خ صر خه كصرخه يعقوب عندما فقد يوسف أبنه ، كلمه من أربع حروف بصر خات متتاليه، حروف بسيطه كونت كلمه ترج أركان القلوب

“ياحسرة قلبگ على أبنگ يابني”

هذه كانت جمله« الخاله» عندما سمعت صرخـ ـته النابعه من قلبه بصدق بضع كلمات صغيره خرجت من بين شفتي «الخاله» عند سماع صر خته، انتظرت سنوات كثيره لسماعه يردد كلمه “يـــاما” من جديد ولكن حينما لفظ بما كانت تتمنى، قالها كصر خه ليعبر عما بداخله عما يشعر بهِ فكان يشعر بفقدان روحه في الحرب وبالفعل فقدها.. ألم وحزن يسيطر علي كل أنش بجسده الأن

تجمع الجميع من حوله تعتلي وجوههم الصدمه مما يشاهدونه .. الجميع بلا استثنا حتى هدير وهي تحمل مولودها بين أحضانها فقد رجت صرخة «ياسين» الأجواء رجاً



نظر «يزن» الى جثمان صديقه تجمد جسده تلك اللحظه جثا على ركبتيه لم تتحملهُ قدماه عند رؤيه جثمان نصفه الأخر ففي هذه اللحظه شعر بأنه فقد قطعه من روحه، شعور لا يوصف لحظات تمر على الجميع وكأن الوقت تجمد

عند رؤيته بتلك المنظر، قلبه بجانب جثمانه حاول «يزن» التقرب من جثمان صاحب عمره ورفيق دربه ولكن «ياسين» منعه وضمه بداخل صدره بقوه، تنهمر الدموع بغزاره من عينيه على وليده، صاح« يزن» وأصبح جسده يرتعد لم يستطع التفكير في أي شىء، وقد اصبح العالم كله باللون الأسود القاتم أمامه فأنها حقاً اصبحت گ “الليله السوداء”

كانت «شمس» تأمل رده تتمنى لو نطق بكلمه واحده فقط، كانت تصرخ بهيستريه، لم يتحملها جسدها فأسندتها «ميرا» قبل أن تفقد وعيها وأخذتها الى غرفه «ياسين» ، أما عن «مارال» فهذه المره الثانيه التي تفقد بها شقيقها ظلت تنادي عليه بأسمه تصرخ بهِ لم يستوعب عقل أحداً منهم بأنه فقد حياته للتو شاب في الرابعه والعشرون من عمره قد فقد روحه، نظرت« الخاله حكيمه» الى «ياسين» وهو يتشبث بأبنه داخل صدره يريد أن يضمه بين ضلوعه أكثر جلست أمامه تحاول أن تهون عليه ولو لقليل ولكن كيف؟ هل من شىء يستطيع أن يهون عليه الأن!!

نظر لها «ياسين» وهو يرى معالم الزمن تعود الى ملامحها الأن والعجز والكبر ينحت ملامحها من جديد



نطق بنبره جامده وكأنها فقدت الحياه بعد أن غادر الجسد روحه، فطاوعه لسانه بعد مجهود منه اخيراّ وهو يحتضن أبنه قائلاً:

_أنتِ كنتي عارفه، كنتي عارفه أن عمار ابني وماقولتليش

حاولت أن تنطق، أن تبرر لهُ ولكن أشاح بنظره عنها واخذ يطالع « الطبيب» ناطقاً:

_أنت كمان يا«علي» كنت عارف أنه ابني اللي بدور عليه سنين وماقولتليش

ابتلع «الطبيب» ريقه والدموع تلمع في عينيه ونظر الى الأرضيه ابتسم «ياسين» ابتسامه مكسوره كاد أن يفقد عقله ونظر الى جثمان أبنه الذي يحتضنه وكأن شخص اخر يحادثه

قال بثبات وعيونه مصطدمه بعينين «الخاله» اللامعتين:

_انا ماشي

هما ما سوى إلا كلمتان، ولكن معناهم كبير كيف يغادر بهذه السرعه، حتى قبل أن يدفن أبنه كيف لهُ بهذا الثبات استغرب الجميع من ردت فعله ترك جثمان «عمار» أرضاً وقف واستقام فذهب «يزن» إليه في الحال يحتضن جثمانه ويضمه الى صدره رفع رأسه ينظر الى «ياسين» والدموع تملىء عينيه بغزاره هز رأسه بأنكار رافض أن يصدق ما قاله «ياسين» منذ قليل استجمع كلماته اخيراً ينطق بصر خه نابعه من قلبه:

_كان هيدور عليك، كان متفق معايا بعد المعركه يدور على أبوه الحقيقي، كان فاكرك تستاهل، لكن أنتَ عمرك ما أستاهلت أن يكون عندك أبن زيه



كررها «ياسين» بأصرار وهو ينظر حوله بأصرار لعله يجد الملجأ ردد كلماته مره ثانيه وهو ينظر الى الفراغ أمامه:

_أنا ماشي

وكأنه لم يسمع شيئاً مما قاله «يزن» للتو ابتسم للفراغ أمامه ببريق يلمع بعينيه أختفى بلحظات من وسط الجميع نظر «بربروس» له بعدما عقد حاجبيه لم يصدق أحداً منهم ما حدث للتو فقد غادر بالفعل ورحل عنهم جميعاً

ظهر من العدم ظابط شرطه جديد بالقريه يرفع سلا حه بوجههم جميعاً يرى د مـ ـاء بكل مكان وأجساد مقـ ـطوعه الرأس د ماؤهم تغطي القريه يسألهم بصوت مرتفع ويشهر السـ ـلاح بوجوههم

اي اللي بيحصل هنا ده؟

نظر الجميع إليهِ في صمت تام لا أحد يستطيع التحدث بوجود «الخاله» وفي ثواني معدوده

أصبحوا محاصرين من كل مكان ، العساكر والضباط رافعين أسلحتهم عليهم يرون نساء وأمرأه عجوز وطفل رضيع ورجل أعمى

مستسلمين تماماً حول جثمان «عمار» أخذت صر خات ساره ومارال تعلو أكثر فأكثر أوقفت تلك الصرخات« الخاله» بعدما أمسكت بعصا خشبيه وجدتها بجانبها لتتكىء عليها من جديد

_بــــــس، رجاله الصاوي مايتبكيش عليها

ليأتي من خلفهم ضابط اخر مسؤول عن أمن المحافظه

_في ايه ياخاله حصل ايه هنا؟

طالعته« الخاله» بحذر:

انت تعرفني ياولدي

فرد عليها بيقين:

_ومين مايعرفش «الخاله حكيمه» القريه كلها تعرفك يا«خاله» ومين الجـثه دي ياخاله والذئاب اللي بره دي كلها بتاعت ايه؟ ودخلوا أمتى القريه

صمت الجميع ولم ينطق أحد، ظل ينظر إليهم باستغراب حتى تحدث من خلفه الضابط” فريد” ينظر للكل بحيره مما يحدث ناطقاً:

_ذئاب ايه يا احمد باشا دي كلها جـ ـثث بني ادمين

استغرب الضابط «احمد» والعساكر مما يقوله الضابط “فريد ”

وعم الصمت الأجواء فلا أحد ينطق بحرف فقط يذرفون الدموع وهم ينظرون الى جثـ ـمان «عمار» أمامهم فنطق الضابط “فريد” قائلاً:



_ اه، هي بقت كده طيب لملي يابني الناس دي كلها على البوكس

أمسكت «الخاله حكيمه» معصمه بقوه ونظرت للضابط «فريد» بتحدي قائله:

_عندنا ميتم، الميتم بتاعنا يخلص الأول وبعد كده تعمل اللي تعمله محدش هيتحرك من هنا وطالما صاحبك عارفني فهيبقى عارف أن كلمتي بتمشي على الكبير قبل الصغير

عقد حاجبيه باستغراب وأخذ يطالعها باحتـ ـقار فأمسك بهِ الضابط «أحمد» حتى يهدىء من روعه:

_اهدى يافريد باشا دول عيله الصاوي ورجعت قريتها من جديد ومافيش جـ ـثث غير جـ ـثه الشاب ده مش أكتر وباين ان الذئاب دي هي اللى مو تته واللي من الواضح برضوا عليهم أنهم هيـمـ ـوتوا عليه فأرجوك اهدى شويه واحنا هنعرف من «الخاله» كل حاجه أرجوك اتفضل معايا بره

نظر الجميع بكـ ـره الى ذاك الضابط المتعجرف فنظر «احمد» الى «الخاله حكيمه» قائلاً:

مستنيين حد من طرفك يا«خاله حكيمه» نعرف منه اي اللي حصل بالظبط

انتزع الضابط «فريد» معصم يده من «الخاله» بقوه يحاول الضابط «احمد»اخراجه فنطق وهو يقف أمام المنزل:



انت عايز تجـ ـنني مكانش فيه ذئاب بقولك انا اول واحد حضر هنا قبلكم بحكم انى كنت قريب من المكان لما الاخبريه جاتلي انا لاقيتهم كلهم كانوا بني أدمين مش ذئاب

نظر الضابط «احمد» من حوله فلم يجد سوى ذئاب فقط صك الضابط «فريد» على أسنانه وقد تملكت الحيره منهُ فقد تحولت كل الجـ ـثث الى ذئاب بالفعل كاد أن يفقد صوابه حتى وجد من تنطلق كالسهم هاربه من المنزل وهي تردد اسمه «عمــَار» من بين شفتيها بكل مكان فاقده لصوابها والدموع تنزل على وجنتيها بهيستريا لقد لفظ أخر انفاسه أمامها كادت أن تتعركل بهِ لحق بها الضابط “فريد” وأمسك بها وهي تكرر بعيون دامعه:

عمــَــار، أهو بخير ، أرجوك، أخبرني، عمـــار بخير؟

نظر لها وهي بين يديه يراها تفقد وعيها من جديد تأتي «ميرا»من خلفها

_شمس، شمس تعالي هنا رايحه فين؟

نظرت «ميرا» الى« فريد» وهو يطالع «شمس» كانت حاله «شمس» يرثى لها رمقته «ميرا» بعيون زائغه ولجأت بقول:

_أصل عمار يبقى خطيبها والذئاب اتلمت عليه وموتته

أخذتها «ميرا» من بين يديه وهي تسندها فلحقها هو بلهفه يقطع الطريق أمامها وقد حسم بقوله:

_أنتي متأكده أنهم ذئاب؟

أشارت «ميرا» رأسها بالأيجاب فأشار هو بعينيه على «شمس» بتساؤل:

_ومتأكده أن دي بشر زينا مش ملاك

استغرب الضابط «احمد» من سؤاله فتنهدت «ميرا» بغيظ وتركته ورحلت ينظر لها هو وهي تبتعد عنه ابتسم ابتسامه رضا على شفتيه فأشار الضابط «أحمد» بكف يده أمام وجهُ:

_أيه، روحت فين؟

افاق من شروده والبسمه تملؤ وجهُ:

_أنتَ شوفت اللي انا شوفته

اه، شوفت بس دي من عيله الصاوى، يعني هعمل نفسي أني ماشوفتش، ما أنتَ معذور لسه جديد هنا وماتعرفش يعني ايه عيله الصاوي

رد عليه والفضول يقتـ ـله:

_مش فاهم برضوا يعني ايه عيله الصاوي اللي ماسكلي فيها دي يااحمد كل شويه

استدار وصعد الى سيارته وهو يسترسل حديثه:

_تعالى، اركب ولما نرجع المركز هحكيلك واعرفك يعني أيه عيله الصاوي

______________(بقلمي ماهي احمد)________________

نطقت «الخاله» بوجع ينهش قلبها:

خد مرتك وادخل ياداغر خليها ترتاح، مرتك لسه نفسه محتاجه ترتاح

حاولت «هدير» ان تطبطب على رضيعها والدموع في عينيها وهي تقول:

ماتقلقيش عليا يا «خاله» انا

قاطعتها الخاله:

خد مرتك ياداغر

أمسك داغر بهدير دون ان ينطق بحرف فالتعب تمكن منه هو أيضاً فكل أنش بجسده بهِ أثار أظافر «حسام» فالحرب كانت منهكه للجميع، استكملت الخاله حديثها وهي تنظر لـ«علي» :

كل اللي اتبقى من عيله الصاوي يرجع القريه يا «علي» عندنا ميتم وهيدفن الليله عرف بقيت عيله الصاوي ان قريتنا رجعلتنا من جديد والكل بعد كده هيعيش فيها بأمان



كانت تلفظ كلماتها بثبات أمام الجميع ولكن من داخلها وكأن سكين حاد ينهش في داخلها، اطبق الصمت على المكان فلم يستوعب أحد بأن ما يحدث حقيقه فأتى رعد بقماشه عريضه بيضاء يغطي بها جسد «عمـَـــار» ولكن هناك من اعترض وارتفع صوته بحاله هيستريه واعصابه تالفه منه :

_لاء، لاء ماتقولوش انه هو كده مـ ـات اكيد نقدر نعمل حاجه ونرجعه للحياه، أكيد مش هنستسلم

اقتربت «ساره» من «يزن» والدموع تنهمر على وجنتيها تحاول تهدئته:

_يزن، كفايه يايزن سيبه

فنطقت الخاله تشير لـ«عز وشريف» بعينيها:

_طلعوا «يزن» بره أكرام المـ ـيت دفنه، عمــار هيبات في تربته الليله

أمسك عز وشريف بيزن فحاول التملص منهم بعـ ـنف ولكنهم احكموا قبضته وأخذوه من أمام جثمانه وذهبت «ساره» خلفهم، نظر بربروس الى مارال تلك الهادئه كانت تكور جسدها في ركن صغير بجسد مرتعش جالسه تنظر لهُ فأخذها هو وحملها على الخروج من ذلك المكان بعد ساعات قليله استطاع «الطبيب» اعاده عائله «الصاوي» من جديد

____________(بقلمي ماهي احمد)_________________

أتى الليل، وجاء معهُ الظلام القاتم ، الظلام بكل مكان في القريه يمسك الأهالي عصيان مشتعله بالنار حتى يستطيعوا الرؤيه في المقـ ـابر، لم يكن اليوم يوماً عادي فكان اليوم هو رحيل فقيدهم لم يكن اليوم بيسير أبداً قلوب محترقه على وليدهم، ظهر الأنهاك على كبيرهم قبل صغيرهم معهم الجثمان الان يتجهون به الى مقابر عائله «الصاوي» تترأسهم حكيمه و يحمله من الأمام علي ويزن ومن الخلف داغر وبربروس ومن المنتصف رعد وعز وشريف الأزدحام بكل مكان اصوات النساء بالخلف يتقدمهم الرجال يودعونه على أي حال، مازالوا يتوجهون الى المقابر واصوات النحيب والصراخ تعلو اكثر وكلما اقتربوا من المقابر يعلو صوت صراخ النساء أكثر، تردد في ذهن “يزن” وهو يحمل نعشه اخر محادثه حدثت بينه وبين عمار قبل المعركه بساعات التي حملت صوته الضاحك الذي يجبرك على الابتسام:

بعد ما المعركه ما تخلص هتجوز انا وشمس وانت وساره في ليله واحده دي هتبقى ليله عسل

انتقل عقله الى لحظه اخرى سمعه يقول فيها:

انت خنزير يلا… انا عمرى ما هسيبك يايزن الا على قبري

نزلت الدموع من عيني «يزن» رغماً عنه فاليوم نصفه الأخر رحل وكأن عقله جمع له كل شىء الان فتذكر:



“يابني انت حاجه وحب شمس حاجه تانيه، حب الاخوه لين، العشق دايماً بيبقي شديد، حب الأخوه بيبقى سهل بيبقي أجمل، حب العشق ساعات بيدخل جواه شكوك، حب الأخوه بيخليك مطمن ان مهما يحصل هتلاقي حد في ضهرك وسندك

فاق من ذكرياته على صوت« الخاله» قائله:

نزلوا النعش يارجاله

وصلوا الى القبر وأنزلوا النعش في لحظه مهيبه أتت زُهره من الخلف وهي تهرول وكأن المو ت يأتي خلفها أتت ولم تصدق ماحدث عندما سمعت بالخبر تشبثت بيد أبنتها وطالعتها بحب لتجدها لا تستطيع التحمل أكثر من ذلك قدماها خانتها فأثنت ركبتها وجلست على الأرضيه أصبح التراب يملىء ملابسها، الرجال يتقدمون عنهم والنساء في الخلف، لا يوجد مكان خالي لقدم واحده الأزدحام رهيب تقدم عز الى الأمام وكان هو اول من فتح بوابه القبر وأمسك بجثمانه هبط من بعدهِ الطبيب يمسك بهِ هو الأخر ووضعوه داخل قبره وسط صراخ العديد والبكاء عليه الكل يبكي بلا استثنا الكل تنهش القهره من قلوبهم أغلق رعد البوابه أخيراً ونزف قلب شمس مع أغلاق البوابه دماً، مارال وقد اختلط وجهها بالدموع من يراها يقسم بأنها فقدت شىء لا يعوض أما عن بربروس فالدموع لمعت في عيناه وتأبى النزول هول اللحظه كان مهيب، مهيب بالفعل نظر بربروس الى تلك اللوحه الرخاميه المحفور عليها أسمه «عمار ياسين بن يزيد الصاوي»

من ٢٠_٢_١٩٩٩ الى ٢_١٠_٢٠٢٣ عمره قصير أليس كذلك ولكن أفعاله كبيره لا تتسم مع صغر سنه وجد «بربروس» لسانه ينطق من بين شفتيه والدموع تملىء عينينه:

“خلتِ الديارُ من الذين أحبُهم من بعدِ عمارٍ فلستُ أُبالي”

بدأ «بربروس» بتلاوة سور من القرأن الكريم بصوته العذب حاول أن يتمالك نفسه ولكن حزن قلبه أطغى على صوته رفع يده الى السماء يدعي بالأدعيه المعتاده في مثل هذه الأمور وقراءه الفاتحه على روح فقيدهم «عمار» شكرتهم «الخاله» على سعيهم طلبت منهم الأنصراف حتى تقل الزحمه قليلاً فتبقى بالأخير أهله وناسه و «يزن» شقيقه فهو ليس فقط بصاحبه

جلس الجميع أمام القبر فنطق «يزن» قائلاً بخشونه:

_انتوا زي ماتكونوا عايزين تخلصوا منه أبوه وسابوه ومشي وانتي ياخاله دفنتيه في لحظه كان ممكن نعمل حاجه عشان يرجع يعيش

نظر للجميع ومن ضمنهم شمس التي مازالت تبكي حتى جفت دموعها من على وجنتيها فوجه حديثه إليها بخشونه:

_بطلي عيــــــــاط

اشار بعينيه الى الخاله التي تكاد تقف بثبات بالرغم ما بها:

_ما انقذتهوش ليه ياخاله، ردي عليا

قامت مارال واستقامت وهي تقبض حاجبيها باستغراب سائله:

_هو انتي ياخاله كان ممكن تنقذيه وما أنقذتهوش؟

نظرت الخاله اليهم جميعاً قائله:

هــــا، حد عنده اسئله تاني

ضغطت ساره على اسنانها تتكلم بحرص:

أيوه، علي بيشوف المستقبل وطالما بيشوف المستقبل يبقى اكيد شاف مو ت عمار

نطق «الطبيب» سريعاً يبرر موقفه:

_ماحصلش

تكلم بنبره متقطعه

_اقصد ، اقصد أيوه انا جاتلي رؤيه وشوفتها وكنت عارف ان في حد فينا هيمـ ـوت بس مكنتش اعرف مين؟ انا شوفت اللي بيحصل بينا دلوقت وان احنا واقفين في القبور وكان في تلاته مننا مش موجودين عمار وياسين وهدير بس مكنتش عارف مين فيهم اللي المـ ـوت هياخدوا من وسطنا ومكانش ينفع نوقف المعركه مهما حصل حتى لو انا او الخاله نفسها المعركه كانت لازم تتم مهما حصل

انقبض حاجبي داغر وهو يقول:

يعني كان في احتمال ان هدير تمـ ـوت!!

ضغط على شفتيه بعدما حاول أن يلاخذ نفس عميق بعدما جاهد في سحبه:

احنا داخلين المعركه وعارفين كلنا ان احتمال ماحدش فينا يرجع ياداغر مش هدير بس كلنا، وكلنا وافقنا على كده

قطعت كلامه الخاله:

اللي مـ ـات يبقي ابن ابني اللي ربيته ومافيش حد هيعزه هنا قدى ولو في حاجه تتعمل ولو واحد في الميه عشان عمار يرجع يعيش كنت عملتها يا «يزن» شمس عارفه ومتأكده ان بعد ما اللعنه اتجددت حتى بمو تها مش هتتفك تاني كل حاجه انتهت عمار وقلبه انخلع من جسمه ومافيش حاجه هترجعه ومافيش حد هنا يملك انه يرجعه

نظر عز الى الخاله سائلاً:

والأله اللي كانوا هيجيبوا بيها العبقري بدل ما نروح للمستقبل نروح للماضي

اشارت الخاله برأسها بالموافقه:

موافقه، موافقه ياعز بس لو عرفنا نشغلها وعرفنا مكانها كده هنفقد اتنين اولا ميرا اللي لابسه السلسله لو اتقلعت من رقبتها في لحظه هتموت والتاني اللي هيدخل جوه الأله لازم يضحي بنفسه ويكون بني ادام مش مستذئب وهنرجع العربي يعيش وهترجع كل حاجه من جديد وطالما غيرنا الماضي المستقبل كمان هيتغير بس المره دي العربي اللي هيكسب ومافيش قوه هتخليه يخسر تاني اوعى تفتكر يايزن ولو للحظه مهما حبيت عمار هتحبه قدي ده اعز الولد ولد الولد ياولدي

_____________(بقلمي ماهي احمد)________________

في مركز الشرطه ينظر الضابط “فريد” من النافذه الحديديه يرى القريه تبث بها الحياه من جديد اشخاص غريبه تعود الى قريتها بعد زمن بعيد تسكن البيوت وتعمر الأرض البور ابتلع ريقه بعدما انتزع الكاب الخاص به من على رأسه يضعه على المكتب ثم أشار بعينيه الى الضابط “احمد” :

هو في ايه؟ ايه اللي بيحصل في القريه هنا ومين دول كلهم؟ انا جاي القريه مافيهاش صريخ ابن يومين اقضي سنه الخدمه بتاعتي في هدوء واتنقل ارجع بلدي كده مش هينفع

ابتسم الضابط “احمد” والفرحه تملىء عينيه:

دول عيله الصاوي رجعوا لديارهم من جديد انا اوعى امي كانت بتحكيلي على العيله دي وقد ايه هما عيله كبيره من زمان اوي عيله كان كبيرها اسمه ” الصاوي” وكان بيحكم القريه هنا من قبل امي وجدتي كمان والولد البكري كانوا بيسموه ياسين يكبر ياسين ويخلف ولد يسميه برضوا ياسين عشان اسم ياسين يفضل في العيله دايما ومايمحهوش الزمن وهكذا وكانوا بيحكموا الارض هنا بسلام والكل عايش فى هنا ونعيم جد جدتي كانت بتحكي لجدتي وجدتي تحكي لجدتي وهكذا وفي واحد اسمه المهدي كان من بره عيله الصاوي، الصاوي الكبير رضي يدخلوه وسطهم وبقى منهم وبيحكم معاهم دايما لحد ما جه الضبع وقـ ـتل المهدي وقدر يطلع عيله الصاوي بره البلد ودخل ناس جديده بس الوحيده اللي مطلعتش بره بعد مو ت المهدي والصاوي الكبير هي الخاله حكيمه كانت متمسكه بالبلد أوي دخلت عائلات تانيه غير الصاوي البلد بأمر من الضبع وولده اللي برضوا كان اسمه ياسين محدش كان يقدر يفتح عينه ويشوفوه كانوا بيقولوا عليهم شياطين مش بني ادمين الضبع عاش مهما عاش في البلد هو وابنه بس محدش قدر يفتح عينه ويشوفهم في يوم

ابتسم الضابط “فريد” وهي يضع لفه السيجاره في فمه:

بالذمه مش مكسوف على نفسك وانت ظابط ملو هدومك وتؤمن بالتخاريف دي

ابتسم الظابط احمد قائلاً:

مش مصدق انت حر وبعدين انت واحد هتقضي السنه بتاعتك هنا وترجع لحضن ابوك سياده اللواء من جديد اللي جايبك هنا عشان يقول للكل انه مش بيفرق ما بين ابنه وظباط الشرطه التانيين وان كلنا واحد مع ان كلنا عارفين انه بيعمل كده عشان بيطمح انه يبقى وزير الداخليه في يوم

ضرب بيده على المكتب بقوه:

_وهيبقى وزير الداخليه قريب او بعيد هيبقى وماتنساش نفسك وانت بتتكلم على سياده اللواء حسين الدمنهوري والدي بعد كده، والتخاريف اللي بتقولها دي ماتدخلش دماغي بجنيه

نظر الظابط احمد الى الارضيه قائلاً:

انا اسف يافريد باشا الظاهر اني نسيت نفسي

تحدث “فريد” وعينه لا تفارق النافذه من جديد:

_ماقولتليش يعني البت اللي معاهم اللي اسمها شمس دي وكانت بتجري ماتعرفش تقربلهم ايه

وقف خلفه يطالعه وهو يقول:

_لا والله معرفش بس طالما دخلت دار عيله الصاوي تبقى منهم عيله الصاوي مابدخلش حد دارها بسهوله

القى بالولاعه وعلبه السجائر على مكتبه بزهق يحادث نفسه:

انا متأكد اني اللي كانوا في الأرض دول ناس مش ذئاب ومش هسكت الا لما اجيب اخر الموضوع ده ايه والايام بينا ياعيله الصاوي

_____________(بقلمي ماهي احمد)_________________

هما الأن بغرفه نوم ياسين التى استحوذت عليها شمس بغيابه

جالسه على فراشه تحتضن الوساده بين ذراعيها تنهمر الدموع منها فجائت والدتها تجلس بجوارها لتسألها عما حدث:

_حصل ايه ياشمس ، عمار ما ت ازاي أحكيلي انا امك فضفضى يابنتي ماتسكتيش كده ماتكتميش جواكي

سألتها بنبره باكيه فطالعتها هي بنظرات تعتلي وجهها علامه على الأستغراب، هل تسألها حقاً!!

سؤال قاتم مخيف ماذا حدث هي نفسها لا تدري ماذا حدث كيف أنقلبت الموازين هكذا، كيف انقلبت الأيه بلحظه كل ما تتذكره أنها تكاد تجزم أن “عمار” هو الذي انتصر كان يقف أمامها يفعل ما بجهده كالعاده حتى ينتصر أمسك بـ “العربي” من رقبته يحاول أن يسيطر عليه ولكن بلحظه بسيطه تغير كل شىء عندما فقد “ياسين” تركيزه عندما شرد ذهنه قليلاً وانخرط بداخل ذاكرته ومن هنا تبدل كل شىء فأصبح “عمار” بقبضه “العربي” فقوته لا يستهان بها

ظلت تنظر لوالدتها دون حديث فلغه العيون أعظم واكبر من أي حديث فعيناها كانت تبوح بما داخلها بكل شىء ضمتها “زُهره”، الى حضنها الدافي حتى تشعر بالأمان حتى لو قليل شردت بـ«ياسين» وأخذت تسأل نفسها الف سؤال كيف له ان يتركهم ويرحل هكذا وبمنتهى البساطه، كيف طاوعه قلبه ترك ابنه دون أن يدفنه

____________( بقلمي ماهي احمد)__________________

مرت الأيام اليوم تلو الأخر الأيام تشبه بعضها البعض كان الجميع يحاول الترابط ولكن دون جدوى ذهب يزن لزياره قبر عمار هو وساره ليودعه للمره الأخيره فنظر الى اللوح الرخامي وكأنه يحادثه:

مش هنساك ياصحبي، بس مش قادر اقعد هنا اكتر من كده، مش عارف اقعد في المنطقه اللي ادبحـ ـت فيها انا راجع لشقتنا انا وانت عشان ريحتك فيها

استدار واعطاهُ ظهره فنظرت ساره للوح قائله:

_مش هننساك ياعمار

حاولت ان تمسك بيد يزن ولكنه انتزع يدهُ من يدها وتركها ورحل أخذ اغراضه من المنزل فأوقفته الخاله:

_هتمشي وتسيبنا يايزن

استدار واعطاها ظهره يحاول ان يتمالك نفسه امامها:

_ اللي تسيب حفيدها يمو ت ماتستحقش ان يبقي حد حواليها

تنهدت الخاله وأشارت بعينيها الى ساره حتى تتبعه:

_ماتسيبهوش ياساره يزن مش في وعيه بكره لما يهدى هيعرف ان مكانش بأيدي حيله

___________( بقلمي ماهي احمد)_________________

كانت تحتضن رضيعها الصغير تحاول ان تأخذ اغراضها بالحقيبه الخاصه بها وقفت امامه قائله:

_داغر احنا هنسمي ابننا امتى عدى شهرين على مو ت عمار ولسه مانعرفش اسم ابننا ايه؟

ابتسم داغر وهو يحمل ابنه منها يقبله على جبينه بحب:

هنسميه عمار ، من اول ما عمار مات وانا قولت اني لازم اسميه عمار

ابتسمت هدير وهي تحمل حقيبتها بيدها:

الله يرحمه وعندك حق عشان دايماً اسم عمار يفضل وسطنا

فتح داغر باب غرفته ليجد الخاله بأنتظاره في الردهه:

خلاص ماشي يا ابو عمار:

ابتسم داغر للخاله قائلاً:

مابقاش لينا مكان هنا ياخاله خلاص مهمتنا خلصت وأنتِ بنفسك قولتي اني محتاج اعيش في سلام عشان خاطر ابني اللي جاي

احتضنت الخاله الطفل الرضيع بين ذراعيها تنظر له بحب وبابتسامه رضا:

_خللي بالك على عمار ياداغر وحطه في عنيك

رفع كتفيه وهو يقول:

مش محتاجه توصيني ياخاله انا راجع المانيا اتمنى اشوفكم على خير

اشار لعز برأسه:

يلا ياعز

جاء عز ومعه غرام وشريف:

يلا ياداغر، هوصلك انا على المطار وارجع على القاهره

هزت الخاله رأسها وتجمع الجميع حولها ما عادا شمس فقالت الخاله:

هتمشي ياعز

لازم ياخاله قعدتنا مابقاش ليها لزوم خلاص

احتضن الطبيب علي كلا من داغر وعز وشريف هو وبربروس فجذبت الخاله غرام من ذراعها في ركن بعيد عنهم قائله:

_سامحي ياغرام وعيشي يابتي شريف مظلوم زي ما انتي مظلومه بالظبط مكانش في وعيه شريف عايز يسلم نفسه للبوليس ويعترف على نفسه انه اغتـ ـصبك، عارفه لو كان بوعيه وبكيفه كنت انا بنفسي اللي سلمته للشرطه يابتي ماتخربيش على نفسك وعلى اللي هييجي في بطنك قريب

انقبض حاجب غرام وهي تسأل الخاله فأشارت بأصبعها على بطنها واشارت بعينها على الطبيب علي:

هو دكتور علي شاف

قاطعت كلامها الخاله وأشارت برأسها بالموافقه:

ايوه شاف قبل يوم المعركه انه هيعمل كده وانه أخد قراره ولولا مو ت عمار كان زمانه مسلم نفسه عيشي يابتي دي نصيحه الخاله ليكي

ابتسمت غرام فضمتها الخاله داخل صدرها، فأتت غدير لكى تأخذ نصيبها من حضن الخاله فابتسمت الخاله لها وهي تحتضنها بقوه قائله:

هشوفك عن قريب ياغدير هتبقي بنيه كيف القمر

ابتسمت غدير قائله:

وهبقى احلى من شمس وهدير

قرصت على وجنتها بلين:

هتبقي أحلى من البنات كلهم يابتي

أخذت مارال تتبع عز وعائلته فانتبه بربروس لما تفعله فانقبض قلبه واتبع خطواتها وجذبها من ذراعها فاستدارت تطالعه بصمت فبدأ هو بسؤالها:

_الى أين يامارال؟ استتركينني؟

تنهدت تتجنب النظر الى عينيه تحاول أن تجمع كلماتها:

_مابقاش ليا حد هنا يابيدقوس عماي ومات هقعد اعمل ايه؟

وماذا عنا، او ماذا عني؟

ابتلعت ريقها وهي تنظر للأرضيه:

_ممكن السمكه تحب الطي بس هيعيشوا فين، أنا مش هتخلى عن ديني عشان ابقى معاك يابيدقوس مهما حصل، انا ياجعه لأخويا ماليش غييه دلوقت، سيبني امشي يابيدقوس مش هبقى ميتاحه هنا طول ما انا معاك بحس اني عامله حاجه غلط وانا مش عايزه اغلط في حق ديني في يوم

تركته ورحلت اخذ هو يطالعها تبتعد عنه يقف مكانه لا يستطيع الحراك شعر وكأنه يفقد روحه شيئاً فشيئاً ببطىء شديد

جائت ميرا تقترب من الخاله فطلبت منها الخاله وعد بألا تنزع القلاده عنها مهما حدث فوافقت ميرا بحب وذهبت هي ورعد الى القاهره عادت الى بلدها ولم تعد مع داغر مره أخرى الى المانيا

____________( بقلمي ماهي احمد)_________________

الكل رحل ، الكل غادر المنزل اصبح المنزل فارغ ما بقى منه سوا الخاله وشمس وبربروس وزهره وعلي لم تكن شمس تحيا معهم على الاطلاق فكانت تجلس معظم نهارها مع “عمار” على قبره فكانت كالحاضر كالغائب بهذا المنزل

جلست الخاله بغرفه الجلوس تتكأ على عكازها بحذر تنظر الى زهره تسألها عن شمس:

_شمس فين يازُهره

فردت قائله:

_ما أنتِ عارفه ياخاله طول النهار بتبقى قاعده على قبر عمار مابتجيش الا والليل بيليل عليها

اشارت الخاله برأسها ثم قالت:

عارفه مين اللي بعت اجيبه من اسيوط وكنتي بتسأليني عليه ليل نهار واقولك مش وقته:

ابتسمت زهره بتساؤل:

مين ياخاله، اتمني يكون حسان ابن اخوي

ابتسمت الخاله برضا وهي تشير برأسها دليل على الموافقه:

_ايوه هو، زمانه على وصول هييجي وهيتربى وسطينا أنا كنت سيباه عند جماعه اعرفهم في اسيوط طيبين كنت مستنيه كل حاجه تبقى كويسه عشان ارجعه من جديد

ابتسمت زهره والبسمه كانت تملؤ وجهها فابتسم لها الطبيب على سعادتها

____________________

مرت ايام اخرى وشهور أخرى اهتم علي وبربروس كثيراً بالقريه أصبح الجميع يعلم مكانه وأرضه، اصبحت الخاله تحكمهم من جديد ، واصبح لديها حرس على أول القريه انفصلت شمس عنهم تماما تجلس بجوار عمار ويكبر حسان بينهم اصبح كأخ صغير لها فهي تكبره بسته أعوام فقط

___________________

كانت شمس تجلس كالعاده بجانب عمار فظهر أمامها الظابط فريد من العدم يضع يده بجيبه ينظر لها بأعجاب شديد:

_بقالك اربع شهور بتقعدي نفس القاعده ايه مابتزهقيش

رجعت للخلف حتى اصطدم ظهرها باللوحه الرخاميه الخاصه بـ «عمار» سائله ذاك الغريب الواقف أمامها بتهكم:

_من أنت؟

جلس القرفصاء ليكون بمستوى جلستها ونظر الى عيناها قائلاً:

_سبحان من خلق عيونك الحلوه

ابتلعت ريقها وهي تردد:

ماذا تريد؟

ابتسم هو يستغرب الطريقه التي يتحدث بها:

_أنتِ بتتكلمي كده ليه؟ انتِ مش مصريه

فوقف امامه الطبيب علي بلحظه قائلاً:

_في حاجه ياحضره الظابط

انفزع فريد مما حدث للتو فقد اتى الطبيب بلحظه لم يشعر بهِ وهو يأتي من خلفه فقال كلماته بتردد:

_انا.. انا بس كنت حابب اعرف محدش جه ليه المركز عشان تدلوا بالأفاده بتاعتكم

نظر له الطبيب باشمئزاز:

واللي عايز يعرف حاجه يسأل بنات العيله ولا يسأل رجالتها عيله الصاوي ماليا القريه يافريد بيه وريح روحك احنا روحنا أدلينا بأفادتنا وانت عارف مع الظابط احمد

ابتلع ريقه فكانت نظرات الطبيب لا تبشر بالخير أبداً فرجع للخلف بظهره وهو يقول:

طيب يادكتور علي اسيبك انا دلوقت

فنطق الطبيب مسرعاً:

ياريت تسيبنا على طول وماشوفكش تاني بتقرب من حريمنا في يوم ده لمصلحتك

______________

عاد الضابط فريد الى المركز يتمكن الغيظ من قلبه قائلاً بانزعاج:

وحياه ديني ما انا سايبه

نظر له الظابط أحمد بزهق بعدما أعطى الأمر للعسكري بالخروج:

انا قولتلك مالكش دعوه بعيله الصاوي وشمس من عيله الصاوي يافريد باشا ماتحاولش تقرب منها مره تانيه عيله الصاوي كل يوم شجرتهم بتكبر

_مش عليا

كانت هذه كلمته بعدما قالها بنبره بها تهديد فنظر له الظابط احمد بلا مبالاه:

_خلاص أنت حر

______________________

ادخلي ياشمس

كانت هذه كلماته بعدما اعادها الى المنزل من جديد فنظر لها وهو يتنهد بعمق:

بلاش ياشمس تروحي لوحدك المقابر الأيام دي ، خدي على الأقل معاكي حسان على الأقل يونسك

اشارت شمس برأسها بالموافقه وعادت الى المقابر من جديد

_____________________

مر عام على مـ وت عمار، ما أسرع الأيام حقاً وهو يجلس بالشقه الخاصه بهما لا يريد ان يختلط بالبشر يجلس بالمنزل الذي جمعهما سوياً أتت«ساره» تدق بابه من جديد كما تفعل دائماً

افتح يايزن، افتح الباب حرام عليك، مش عايز تعرف أنا عملت ايه في الامتحان حتى، يزن انا نجحت، ومش عايزه افرح بنجاحي غير معاك

وقف أمام الباب بذقن طويله، يبدو عليه عدم الاستحمام لشهور طويله، شعر مبعثر هدوم متسخه يقف امام الباب ولا يريد ان يفتح الباب كالعاده فاسترسلت ساره حديثها وهي تسند بيدها على الباب والبكاء يعتلى نبرة صوتها:

عدت سنه يايزن، سنه ماطلعتش من باب الشقه، سنه بشوفك كل كام شهر مره بالعافيه انا لو ماجيبتلكش اكلك قدام الباب كل شهر مش هتفكر حتى انك تجيب تاكل، الحي ابقى من الميت يايزن انت كده بتموتنا بالبطىء ارجوك افتح كفايه كده يايزن انا بمو ت من غيرك

جلس وهو يضع يده على اذنه يحاول الا يستمع لها أسند ظهره على الباب تنهمر دموعه على وجنتيه فكان القتـ ـيل هو «عمار» رفيق دربه طوال عمره

_______________________

رايحه فين يابتي؟

كان هذا سؤال زُهره فأجابتها شمس بنبره منكسره

_ وهل لي بمكان أخر اذهب اليه ياأمي؟

تركتها ورحلت كالعاده ترحل من لحظه طلوع الشمس، ترجع خصلات شعرها وراء أذنها تمشي بين الخضره والأغصان فأتى “فريد” بجانبها على الطريق بالسياره الخاصه بهِ بعدما ابطأ سيره سائلاً:

_تحبي أوصلك

نظرت اليه بأشمئزاز بعدما طالعته:

_لا شكرا فأنا بخير هكذا

أنا بس كنت عايز أقولك

اوقف السياره بجانب الطريق فاسرعت هي بالدخول بداخل الغيطان واسرعت بخطوتها ترجل هو من سيارتهُ ليلحق بها فركضت هي سريعاً لا تعلم الى أين تذهب فقد هو أثرها ضغط على أسنانه بزهق:

_هاتروحي مني فين ياشمس انا وانتِ والزمن طويل

ظلت تركض حتى وجدت كوخ صغير أمامه مقعد مستطيل وبجواره زير فتحت الغطاء مدت كف يدها وأتت بكوب من الماء فشربت حتى ارتوت و جلست لتلتقط أنفاسها قليلاً نظرت الى البحيره امامها وضعت يدها على صدرها لتشعر بنبضات قلبها فوجدتها سريعه حتى وجدت صوت يأتي خلفها:

_ واضح ان انتِ شمس اللي القريه كلها بتتكلم عنها

جلس بجوارها فأخذت هي تطالعه باستغراب

كل القريه بتقول انك من عيله الصاوي زي ما علي والشيخ بربروس والخاله بيقولوا بس انا عارف انتِ مين انتِ شمس بت المهدي اللي ياسين بيكتب عنها دايما في مذكراته صُح يابتي

ابتلعت ريقها وأخذت تحدق بهِ فهو رجل يتضح انه يتعدى السبعون من عمره وهذا واضح على ملامح وجهُ الذي نحتها الزمن استغربت اكثر مما يقول صامته تماماً فاسترسل هو حديثه:

أنتِ ماتعرفنيش بس انا اعرفك اوي من لحظه ما اتولدتي كل شىء مكتوب هنا في المذكره دي ياسين كتبها بخط يده كان بيكتب كل شىء عشان ماينساش وبلحظه يرجع ينسى من جديد أنها معايا فضلت محافظ عليها لحد ما اسلمهاله من جديد ولما شوفتك عرفتك من وصفه ليكي في المذكره دي ما اتأخذنيش بقى يابنتي اني قريتها قاعد فاضي زي ما انتِ شايفه بالمناسبه انا عمك نصير صاحب الكوخ ده مد كف يده لها فاطمئنت لهُ قليلاً

ابتسمت له شمس ومدت كف يدها هي الأخرى:

_وانا ادعى شمس

انا عارف يابنتي، بس انتِ عرفتي مكاني منين انتِ مش جايه عشان تاخدي مذكرات ياسين

كانت تنوي ان تخبره بما حدث وأشارت بأصبعها للخلف لكي تخبره بأنها جائت هنا بمحض الصدفه ولكن تراجعت بأخر لحظه وانزلت اصبعها وأشارت برأسها وأخذت منهُ المذكره وهي تقول:

_نعم، جئت لكي أأخذها منك ياعم نصير

أخذت النوته منه بعدما أعطاها أياها استدارت لكي ترحل فقال العجوز لها:

_أوبقي تعالي طلي عليا ياشمس، طلتك بتفكرني بطلت ياسين

هزت رأسها بالموافقه مع ابتسامه حزينه أخذت المذكره وجلست بجوار قبر عمار من جديد فتحت المذكره تنظر للأوراق والكلمات المكتوبه لم تستطع قراءه ما بها فهي لا تعلم كيفيه القراءه والكتابه وضعت المذكره بجوارها بيأس ودفنتها بجانب قبر عمار

_____________________

مرت سنتان على هذا الحال تجلس بجواره كل ليله ويجلس يزن ببيته وحيد لم تيأس ساره ابداً بمحاوله خروجه من هذه الحاله حتى أتت له مكالمه على الهاتف لم يكن ينوي أن يجيب ولكن بعد اصرار من المتحدث وتكرار الاتصال جاوب اخيرا

_االو

ده رقم يزن الرشيد

ايوه مين؟

معاك مستشفى الجلاء ساره العربي عملت حادثه في الطريق

اتصلنا بحضرتك كتير ماردتش

انقبض قلبه شعر بأن هناك من يغرز السكين بداخله شعر بفقدانها كما فقد رفيق دربه هرول على السلالم بعدما اخذ المفاتيح من الطاوله لم يغير حتى ملابسه البشعه نزل يقود سيارته بجنون يتجه الى المستشفى بأسرع ما عنده وجد ميرا ورعد ينتظرونه هناك سائلاً اياهم وهو في حاله يرثى لها:

_ساره، ساره كويسه ساره بخير قولي انها بخير

حاول رعد طمئنته قليلاً:

_اهدي يايزن، هي جوه مع الدكتور لسه مانعرفش حاجه

ارتفع صوته قائلاً بخشونه:

_ماتقوليش اهدى قولي انها بخير

جاء الطبيب بعدما خرج من غرفتها لكي يطمئنهم على حالتها :

_اهدوا ياجماعه مافيهاش حاجه هي بخير مجرد خدوش بسيطه وكسر في رجليها هتقعد متجبسه مش أقل من شهر

نطقت ميرا بعدما تنفست بعمق:

_الحمدلله ، ممكن اطمن عليها

اه اكيد طبعاً

كلمات الطبيب انتزعت جزء من خوفه فذهب خلف ميرا ودخل الى الغرفه ينظر لها والدموع تلمع في عينيه جلس أمامها وأمسك كف يدها يقبله بحب:

_حقك عليا ياساره مكانش لازم اسيبك لوحدك ابداً

غمزت لها ميرا بطرف عينيها من خلفه مبتسمه فأشاحت ساره بنظرها بعيداً فحاول رعد ان يكتم ضحكته خرج رعد من الغرفه فوجد الطبيب بأنتظاره:

ياريت تاخدوها وتمشوا من هنا بسرعه عشان لو الدكتور الحقيقي جه هنتسوح كلنا

اخرج رعد النقود من جيبه الأمامي واعطاها اياه قائلاً:

لا انت كده تمام اخلع انت بقى

دخل رعد مره اخرى الى الغرفه فسألته ميرا:

عملت ايه يارعد كتبولك على خروج

اه المفروض نمشي بقى علشان هي كده تمام مجرد خدوش بس المشكله في رجليها بس ياترى هاتروحي فين ياساره الشهر ده انتِ عايزه حد يعتني بيكي

نظرت له ميرا بلوم:

اخص عليك يارعد واحنا بيتنا راح فين طبعا هتيجي عندنا البيت تنور وتشرف

استدار يزن وهو ينظر لهما يؤكد على كلمه بيتهم:

_بيتكم

اه بيتنا يايزن ما انت في عالم تاني انا وميرا اتجوزنا من سنه حاولنا نقولك او نتواصل معاك بس انت كنت قافل كل حاجه

ابتسم يزن ببسمه مكسوره:

مبروك

ردت ميرا:

عقبالك انت وساره

اشار برأسه وهو ينظر لها سائلاً اياها:

انتِ بخير مش كده ياساره

ايوه بخير يايزن

نطقت ميرا وهي تردد:

يلا ياساره انا هاروح اجيبلك كرسي عشان نروح

فأردف يزن مسرعاً:

لاء، محدش هيخدم ساره غيري

ايوه بس انا مش عايزه اتقل عليك يايزن

جلس بجانبها يتأمل بملامحها الصغيره:

_ماتقوليش كده ياساره

ابتسم كلاً من رعد وميرا وهما ينظران لبعضهمت البعض

__________________(بقلمي ماهي)_____________

ياسين محاولش يتصل بيك يا«علي»

جلس بجوارها بعدما تنهد باستسلام:

_أنتِ مابتزهقيش من السؤال ده ياخاله

ياعلي ده عدى سنتين ومانعرفش عنه حاجه ، قلبي بيتقطع عليه، كل حاجه في قريته بقت موجوده ومستنياه إلا هو

طالعها بحب يحاول أن يخفف عنها قليلاً:

ياخاله ياسين مشي ومش راجع وان رجع مش هيرجع دلوقتي ياسين عمل اللي عليه ولا يمكن يرجع من تاني

أنت بتقول ايه ياعلي واحنا هنسيبه

قالت كلماتها بحزم فقام هو واستقام يعطيها ظهره

انا ماقولتش نسيبه ياخاله، وانا مش سايبه انا بعمل اتصالاتي في كل مكان ممكن يكون فيه بدور عليه ليل نهار زي المجنون مع اني عارف اني مش هلاقيه غير لو هو حب يظهر بس مش عايز افقد الأمل

اوعى يابني، اوعى تفقد املك في اخوك أنت مالكش غيره في الدنيا وبعده بربروس، بربروس طلع جدع اوي ياعلي

ابتسم الطبيب بامتنان:

بربروس عمل اللي ياسين معملهوش ياخاله

ياسين لي عذره يابني ، انت عارف ياسين كويس وعارف هو حاسس بأيه دلوقت

كانت هذه كلماتها فاستدار لها الطبيب وامسك بيدها يريد ان يطلب منهل شىء اجله من سنين:

خاله انا كنت عايز اطلب منك طلب

عرفاه ياولدي، عايز تتجوز زهره مش كده

ابتسم الطبيب لها وكسا الخجل عينيه فردت الخاله بالموافقه

مبروك ياولدي ، انت عارف ان الفرح هيبقى على الضيق

هز رأسه بالموافقه:

اكيد ياخاله

____________

ايوه.. ايوه كده.. خللي بالك عشان رجلك

اسندت بذراعها على كتفه وجلست على الأريكه فمنزله رائحته قذره لا يتحملها بشر فابتلع ريقه وهو يحاول ان يفتح النافذه

معلش اصل مش بفتح الشبابيك كتير بس هخللي الهوا يتجدد عشانك

اشارت له برأسها بالموافقه يوم تلو الأخر ينظف الشقه من جديد وتعود اليه الحياه بعدما فقدها بمو ت عمار عدى الشهر بلمح البصر ، وفكت الجبس بعدما اكتشف يزن بأن هذه ما سوى الا مجرد لعبه فأخبرته هي:

ممكانش قدامي حل تاني غير اني اعمل كده عشان اقدر اطلعك من اللي انت فيه ودلوقتي انا جيبتلك مكنه حلاقه ولو عايز تطردني اطردني عادي بس بعد ما احلقلك دقنك الأول

جذبته من يده وجلس على المقعد تحلق له ذقنه للمره الأولى منذ سنتان

_________________

نظرت شمس الى المذكره المدفونه بجوار قبر عمار من جديد فضولها كان له الثأثير الأكبر عليها فذهبت الى الطبيب علي قائله:

_انا اريد أن اتعلم ، حتى استطيع القراءه والكتابه

ابتسمت زهره وعلي فالتعليم سيجعلها تعود لحياتها وتحيا حياه طبيعيه من جديد وافق الطبيب على مطلبها بل وشجعها أيضاً على تلك الخطوه وبعد شهور قليله

تزوج الطبيب بزهره اخيراً كانت الفرحه تملؤه والسعاده تحتضنه ولكن لم تكتمل فرحته بعدما أخبره بربروس بقراره:

_مبارك ايها الطبيب فقد اطمئن قلبي عليك واريد الأن الاطمئنان على قلبي

انكمش حاجب الطبيب باستغراب سائلاً:

تقصد ايه يابربروس؟

_دعني أذهب من هنا فأنا سأحاول ولو للمره الألف مع مارال فهي تستحق المحاوله

معقول يابربروس لسه فاكرها

_ والله وبعقد الهاء لم ينساها القلب بيوم

هتبقى مرتاح

_الراحه بقربها وليس ببعدها أيها الطبيب

ترك بربروس الطبيب وذهب يتبع حدسه، يأمل أن تغير رأيها من جديد

____________________

مرت الأيام اكثر وأكثر ربيع تلو الأخر نهار يغيب وقمر يزين السماء صيف يذهب ويأتي مكانه الشتاء سنين تمر ويكبر الصغير وتصبح تلك الفتاه الصغيره في السادسه والعشرون من عمرها تأتي فرحه ومعها شهادتها تذهب الى قبره مبتسمه قائله:

_بص ياعمار شايف انا معايا ايه دي شهادتي النهارده بقيت متخرجه رسمي، طبعا انت فرحان بيا انا عارفه ، حد كان يصدق اني انا شمس اطلع الأولى على الكليه لااااا ده انا اعجبك اوي ياريتك كنت معايا دلوقتي انت

ابتلعت ريقها وقالت كلماتها بتردد:

أنت وياسين، ياترى لو شافني دلوقتي هايعرفني، ياترى هو فاكرنا اصلاً ياعمار

فتحت المذكره وجلست بجانب قبره تقرأها للمره المليون فمن كثره قرائتها حفظت كل كلمه بها وسرحت بكلماته من جديد وهي تقرأ ما بداخلها:

__________________________

جسد بلا روح، وما الأصعب من أن تجد روحك تغادر جسدك وما باليد حيله، تحاول الصمود، تحاول الأستيعاب، تشعر بتمزق قلبك وتسمع صوت تحطيمه الى أجزاء صغيره

ألم.. هجر.. فراق عشر سنوات.. عشر سنوات من التعب والحيره.. غريب تائه في الطرقات.. وحيد.. شريد حتى تجدهُ هي لتعيد له ُ الحياه من جديد:

_ أنت مين؟ وبتعمل اي في بيتي هنا؟ ودخلت بيتي ازاي؟

دب الرعب بقلبها غريب بداخل منزلها، اسئله عديده أتت ببالها وهي تنظر لهُ يقف أمام الثلاجه الخاصه بها يتناول الطعام بشراهه يظهر عليه الفقر والجوع، ملابسه متسخه يغطى رأسه بالبيزونت الخاص بسترته، تضغط هي على زر الأضاءه الخاص بمطبخها، تحاول التقرب منه بحذر، يأكل كالحيوانات فالجوع أصبح ينهش بمعدته، تنظر بجانبها للسكين الموجود على الطاوله تقترب منه أكثر بحذر، حتى ترفع عليه السكين حتى تطعنه يمسك هو بمعصم يدها بقوه يكشر عن أنيابه ليجد من يقف امامه يحذرهُ:

_لا يابويا بلاش، لو قتـ ـلتها مش هتشوفني تاني

نطق ياسين ينظر له بابتسامه واسعه:

_اللي تشوفه ياعمار



•تابع الفصل التالي "رواية الهجينة" اضغط على اسم الرواية
reaction:

تعليقات