رواية أنا وزوجاتي كاملة بقلم دعاء عبدالحميد عبر مدونة كوكب الروايات
رواية أنا وزوجاتي الفصل الخامس 5
أنا وزوجاتي
الحلقة الخامسة (نقاب)
______________
“وَلَا تَحْسَبَنَّ اللّٰهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِرهُم لِيَومٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَــٰـــر”
______________
-يا لهــــــوي الحقــــوني عفريت يامّا.
جرى خلفه علاء بخوف هو الآخر، أما مؤنس وقف مشدوهًا مما يحدث، بعد ثواني وجدها تضع يدها على كتفه فرُسمت ابتسامة على شفتيه والتفت لها ببطء، نظر لها فانمحت ابتسامته تدريجيًا وتبدلت بالذعر وهو يسألها وقد اقشعرّ جميع بدنه:
-أنتِ مين؟
تحدثت آسية بدلال مصطنع:
-مش هنروح الفرح يا مؤنس بيه؟
ابتلع ريقه بخوف وتساءل بنبرة شبه باكية:
– وهو أنتِ كمان هتيجي معايا الفرح؟ دا أنا نهار أبويا أبيض.
كتمت ضحكتها بصعوبة وهي تسأله بدهشة مصطنعة:
-مؤنس بيه أنت مش عارفني؟
نظر لها بارتباك ويده ترتعش ثم سألها بريبة:
-هو صوتك مش غريب عليا، بس أنا متعاملتش مع اللي تحت الأرض قبل كدا، أنتِ مين؟
ردت عليه بدلال وكأنها ستقول شيئا عاديا:
-أنا آسية، اللي هبقى مراتك كمان شوية.
جحظت عيناه من الصدمة وهو يقول:
-لأ ما هو المواضيع دي مفيهاش هزار، أنا عايز أدخل دنيا.
حاولت أن تؤكد له أنها هي فقالت:
-أنا آسية اللي جبتني من على الطريق وطلبت إيدي ونزلنا امبارح اشترينا الحاجات، وجيتلي النهاردة اديتني الفستان، هو مش دا الفستان اللي أنت جايبه بردو؟
نظر للفستان ثم أدرك ما قالته فانكمشت ملامحه وازداد خوفه أكثر وهو يقول:
-يا نهار أبويا أبيض! دا الموضوع طلع بجد، أقولك على حاجة؟ مش أنا العريس دا الفرح اللي تحت دا بتاع مشاري صاحبي وأنا واقف معاه، رجولة يعني، وبصراحة عروسته طفشت لو عايزة تتجوزي إنزليله، سلام عليكم.
كاد أن يركض من أمامها ولكنها أوقفته بحزم:
-مؤنس.
أغمض عينيه وكاد يبكي وهو يحدّث نفسه:
-هار إســـوح.
التفت لها بخوف وهو يجيب:
-نعم.
-هات البوكيه.
-خدي البوكيه ولو عايزة الساعة كمان والمحفظة خديهم، أقولك حاجة؟ تاخدي جاكيت البدلة؟
تحدثت بغضب:
-احنا هنهزر؟
رد عليها بخوف:
-أقسم بالله ما بهزر.
-طب يلا أنكجني.
اعتدل في وقفته وتحدث بنبرة حاول أن يجعلها صارمة وهو يشير لها بإصبع مرتعش:
-لأ بقولك إيه، متفكريش أن أنا خايف منك، قسما بالله ما أنتِ ماسكة في إيدي طول ما الهـباب دا على وشك، وخلصي إنزلي وإلا أكعبلك أوقعك عالسلم وبدل ما كان فرح يقلب عـزا، ونزلي البتاعة دي على وشك وإياكِ ترفعيها متفضـحيناش.
سبقها ونزل درجات السلم وهي خلفه، أسدلت الحجاب مرة أخرى على وجهها وهي تبتسم بسعادة، فقد حققت مرادها في أن لا يراها أحد من الناس، فقد كانت تلك خطتها من البداية حتى لا يتعرّف عليها أي شخص، خاصة أنه بالتأكيد دعى أصدقاءه الضباط مثله، نزلت إلى الأسفل وتم عقد القران وكان وكيلها خال صديقه، وابنه شاهد من طرفها، أما هو كان وكيل نفسه ومشاري شاهد من طرفه، كانت الفرحة بادية على أوجه الجميع، رقص مؤنس مع أصدقاءه وكلما ذهب لها يطلب منها أن ترقص معه؛ تهدده بأن ترفع الحجاب فيتركها وشأنها، وأخيرا تكلم مؤنس بصوت عالٍ:
-هــــــوس، اسمعــــوني، أنا بقدم شكري لصحابي اللي نوروني، وبقدم شكري لصاحبي اللي دايما واقف معايا، ولخاله وابن خاله ومرات خاله، وجاري علاء وأمه وأبوه، وكل جيراني في الحتة واللي اتعرفت عليهم بطبيعة شغلي، وعم سالم بتاع البقالة، كلكم حضوركم فوق راسي، وبشكر بتوع الطبل البلدي على الفرحة اللي دخلوها قلوبنا، ووروني أحلى زفة عشان أنا والعروسة طالعين.
ارتفع صوت الطبول من جديد، ومدّ مؤنس يده لزوجته حتى تتعلق في ذراعه، بعدما علِم أن ما فعلته مجرد خدعة حتى تجعله ينفر منها، ولكن كيف وقد راقه ملامحها منذ أول يوم؟ صعدا إلى عُشِّهم فكانت هي أول من بدأ الحديث وقالت بخجل مصطنع:
-أرفع الفُل يا مؤنس بيه؟
مدَّ إصبعه أمام وجهها بتحذير وهو يقول:
-إياك، مش عايز أشوف وشك غير لما تدخلي تغسليه وتشيلي كل اللي عاملاه دا، وأنا هفضل هنا لحد ما تخلصي.
أومأت بهدوء وتركته ودخلت الغرفة التي أشار لها عليها، جلست أمام المرآة ثم كشفت حجابها ببطء ولكنها صرخت عندما رأت وجهها، وسرعان ما هدأت وابتسمت ثم تبدلت بسمتها للضحكات، وضعت يدها على فمها حتى لا يصل صوتها إليه في الخارج، ظلت تمحي ما رسمته بخبث، فقد كان وجهها باللون الأسود، وحاجباها باللون الأبيض، أما وجنتاها كانتا حمراوتين بشدة، وعدستان في عينيها بلون وجنتيها، وكانت تضع طلاء الشفاه باللون الأزرق، ورسمت رقم ثمانية فوق كل حاجب باللون الأحمر، تلك كانت عروس اليوم، ظلت تمحي وتمحي حتى عاد وجهها كما كان، بدّلت ملابسها وحجابها ثم خرجت له، فور أن رآها اعتدل قائما واقترب منها بابتسامة عذبة زيّنت محياه ثم هتف بهدوء:
-شوفتي كدا قمر إزاي؟
نظرت إلى الأسفل بخجل وهي تقول بصوت هادئ يظهر عليه المرح:
-أنا لسة مغسلتش وشي حتى، أنا مسحته بس.
عقب على كلامها قائلا:
– أنتِ بأي شكل زي القمر، ما عدا طبعا الخِلقة اللي كانت من شوية، وعمالة تقولي بعرف أذوّق نفسي، أومال لو مش بتعرفي؟
قال آخر كلماته بحنق واضح، أما هي فَـ عَلت ضحكاتها في المكان، نظر لها نظرات المحب وكأنه يعرفها منذ سنوات، تنحنح بهدوء ثم أردف:
-هدخل أنا كمان أغير هدومي.
___________
في بيت واسع على أناسٍ قليلين كانت شوق قد تحسنت صحتها بعض الشيء، خرجت من غرفتها لأول مرة وهي تستند على الجدار، رأت إيزيس وهي ترتب المنزل وقد قلبت كل شيء رأسا على عقب، سألتها باستغراب:
-في إيه هو العيد بكرة ولا إيه؟
ردت إيزيس بعدما اعتدلت في وقفتها:
-أكتر من العيد يا بنتي والله.
نظرت لها شوق بعدم فهم فوضّحت لها:
-أصل أخوات الست هانم جايين بكرة إن شاء الله.
-أخواتها؟ هي ليها أخوات؟
-اه جلال بيه ورحيم بيه، جلال دا أتجوز من سنة كدا وخد مراته قضوا شهر العسل وبعدين رحيم بيه راحلهم عشان شغله مشترك بينه وبين جلال.
سألتها شوق بفضول:
-وسافروا فين بقا؟
-الإمارات.
انبهرت شوق بشدة وظهر ذلك في عينيها وهي تقول:
-الإمارات؟ الله بحب الدول دي أوي.
ثم أكملت بحالمية وهي تقول:
-طول عمري نفسي أروح دُبيّ.
جاوبتها السيدة إيزيس ببساطة:
-خلاص اتجوزي واحد يودّيكي دُبيّ
لوت شوق فمها بسخرية وهي تقول:
-أتجوز؟ خلاص بقا نصيبي في الجواز نحـس، المهم سيبك أنتِ قوليلي أناديكِ بإيه أنا مش بعرف أقولك يا طنط ولا خالتي ولا إيه بالظبط وبعدين اسمك غريب أوي.
-أبويا كان بيحب يقرأ أوي في التاريخ وعن الفراعنة وكدا، ولما ماما كانت حامل فيا هو عجبه الاسم دا، اسم قبطي بس أنا مش بحبه بصراحة وحاساه حـرام، قوليلي يا أم سليم أحسن.
ابتسمت شوق بهدوء:
-ماشي يا أم سليم، قوليلي راوية هانم فين؟
-راوية هانم أهي يا ست شوق.
التفت شوق على صوت راوية وهي تخبرها أنها هنا فابتسمت لها وقالت:
– صباح الخير كنت لسة بسأل عليكِ.
-صباح النور، كنت بظبّط المكتبة بتاعتي تعالي معايا نأكل الحيوانات.
قامت شوق وذهبت خلفها حتى خرجتا من المنزل، تحدثت شوق بتساؤل:
– هو احنا رايحين فين؟
-صالة الحيوانات عملاها في الجنينة عشان ميعملوش ريحة وحشة في البيت، إنما العصافير بس هما اللي عندي في البلكونة، وحوض السمك في أوضتي.
دخلت راوية المكان المخصص للحيوانات وشوق خلفها تنظر لكل شيء بانبهار وهي تقول:
-دي حيوانات كتير بجد! إيه الفكرة أن يكون عندك كل دا؟
جاوبتها رواية بهدوء وابتسامة:
-الوحدة تعمل أكتر من كدا، بسبب سفر أخواتي ودايما أنا في البيت هنا، حتى شغلي بديره من هنا، عشان كدا هتلاقي الحيوانات والطيور هي أحلى ونيس، كائنات عايشة عشان تاكل وتشرب وتتكاثر، مش شايلين هم حاجة، لما بقعد معاهم بفضل أفكر وأقول الإنسان دا مختلف تماما ودايما عايز كل حاجة، وشايل هم بكرة ومش بيحمد ربنا على اللي عنده، القعدة معاهم أحسن بكتير من أني أقعد مع جارتي أو صاحبتي ونفضل نجيب سيرة الناس، القعدة مع الحيوانات مفيهاش ذنوب، وبصراحة مسلية أكتر من السوشيال ميديا والمسلسلات أو تضييع الوقت في أي حاجة تافهة، فقررت أني أجيب من كل نوع اتنين عشان يونسوا بعض.
سألتها شوق بانبهار وفضول:
– طب وبتتكلمي معاهم وتفتحي حوارات وكدا.
-كل حاجة، بتكلم معاهم في كل حاجة.
-وبيفهموكي؟
-مش لازم يفهموني، ساعات بنحس أننا عايزين نتكلم ونطلع اللي جوانا حتى لو اللي قدامنا مش فاهم بنقول إيه، بل بالعكس كدا أفضل، لو بتتكلمي مع حد عاقل هيفضل يسأل ومرة يقولك صح ومرة غلط ومرة يلومك، واحنا في غنى عن أي مناهدة وإرهاق للروح، تتكلمي وتحسي أن في حد سامعك وبس، لكن ساعات لما بتكلم وأعيط بحس أن سوسو فاهماني عشان بتبقى مركزة معايا أوي.
ضيقت شوق بين حاجبيها وسألت باستغراب:
-سوسو مين؟
ضحكت راوية بصوت عالٍ وهي تقول:
-القردة.
اندهشت شوق ثم ضحكت مثلها وقالت:
-أنتِ مسمياهم كمان؟
-كلهم، تعالي أعرفك عليهم، سوسو دي القردة ودي أكتر واحدة فاهماني، إنما جوزها اسمه شهاب، القطة دي كيتي ودي سايباها تخرج وتلف في البيت عادي وأرجعها تبات هنا، والقط مسمياه شقي عشان هو شقي فعلا ودا مش بخرّجه كتير، البغبغانة دي چومانة ودايما تناغش جوزها حسن، أما الشبل دا بقا قلبي، مسمياه رحيم على اسم أخويا عشان بيوحشني.
ابتسمت شوق بسعادة ونست ألمها قليلا:
-الله حاجة تفرح فعلا، بس اشمعنا سميتي على اسم رحيم وجلال لأ؟
-عشان جلال اتجوز خلاص وجاتله اللي أهم مني واللي هتاخد بالها منه، إنما رحيم دا بحسه ابني مش أخويا، المهم احكيلي أنتِ إيه اللي حصل معاكِ؟ مرضتش أسألك اليومين اللي فاتوا عشان كنتِ تعبانة.
توترت شوق وتلعثمت في الكلام:
-قـ قصدك إيه؟
-أقصد إيه اللي خلاكِ تخرجي بالليل وتحتاجي مساعدة؟ وإيه اللي خلى البيبي يسقط؟ وفين أبوه؟ أو أهلك كدا يعني.
حاولت شوق أن تتحدث ولكنها لا تعرف ماذا تقول:
-بصراحة البيت بتاعنا كانت السباكة فيه علطول تبوظ والمواسير في السقف تسرب مياه من غير ما نعرف، لحد ما جينا في مرة السقف وقع في شقتي طلعت أجري، ومن ستر ربنا بعد ما طلعت راح البيت كله نزل تراب.
تأثرت راوية بحديثها وهي تقول بشفقة:
-يا حبيبتي يا بنتي، طب وجوزك فين؟
-الله يرحمه.
وضعت الأخرى يدها على صدرها بصدمة:
-البيت وقع عليه؟
نفت شوق قائلة:
-لأ، هو توفى قبل البيت ما يقع بأسبوع وكنت ساكنة لوحدي، فطلعت أشوف مساعدة بما أني مليش قرايب.
ربتت راوية على ظهر شوق وهي تتحدث بحنان:
-معلش يا حبيبتي أنا قرايبك واعتبري البيت بيتك، أي حاجة تحتاجيها متتكسفيش مني.
-تسلمي يا ست هانم.
-طب يلا تعالي معايا جوا نساعد إيزيس قبل ما أخواتي يجوا وأبقى أعرفك على باقي الحيوانات بعدين.
_____________
كانت تجلس مع صديقاتها على طاولة دائرية في مكان مخصص للمشروبات والتسالي (نادي)، أتى النادل وسألهنَّ عمَّا يُردن فالتفتت خلفها بسرعة إثر سماعها هذا الصوت، وعندما رأته سألته بدهشة:
-صالح؟ أنتَ بتعمل إيه هنا؟
ضيّق بين حاجبيه باستغراب هو الآخر وبادل سؤالها بسؤال:
-هاجر؟ أنتِ اللي هنا بتعملي إيه؟
-أنا مشتركة في النادي دا وباجي علطول مع أصحابي.
قبل أن يتحدث بأىّ حرف سبقته إحدى صديقاتها وهي تقول بشماتة وتشير إليه بسبابتها:
– هو دا بقا اللي عمالة ترفضي العرسان عشانه؟ هه جرسون؟
ردت عليها هاجر بحنق وهي غاضبة بشدة:
-أنتِ مالك أنتِ يا سندس؟ بتدّخلي في اللي ملكيش فيه ليه؟
هاجمتها صديقتها بحقد هي الأخرى:
-أنا مالي إزاي؟ هو مش دا اللي أنتِ رفضتي أخويا الدكتور عشانه، وفي الآخر طلع جرسون.
ردت هاجر باستفزاز قائلة:
-اه، عارفة ليه؟ عشان ضفر الجرسون دا بأخوكِ وبالرجالة بحالها، في نظري أنا.
حاولت الصديقة الثالثة أن تخفف من حدة الموقف ولكنها فشلت، أما هاجر فالتفت تعتذر لصالح فوجدته قد ذهب، جرت خلفه بسرعة وهي تنادي عليه:
-صالح، صالح استنى.
وقف لها بهدوء وخزي فاعتذرت له بأعين دامعة:
-أنا آسفة على اللي صحبتي عملته، حقك عليا صدقني هقطع علاقتي بيها ومش هعرفها تاني.
رد عليها بوجع وأعين منكسرة:
لحد امتا هتفضلي تقطعي علاقتك بصحابك وقرايبك؟ هاجر طول ما أنا معاكِ هتقاطعي كل الناس.
ردت عليه بنبرة صادقة:
-طول ما أنا معاك في داهـية كل الناس.
وضع يده على وجهه بقلة حيلة وهو يقول:
-يا هاجر أرجوكِ أنتِ بتصعبيها عليا أكتر، صدقيني وجودي معاكِ هيكسفك وسط صحابك وأهلك وكل اللي تعرفيهم وهكون سبب إحراج ليكِ دايما، أنا مش عايزك تحطي عنيكِ في الأرض من الناس أبدا بسببي، وصاحبتك معاها حق بترفضي دكاترة ومهندسين وعرسان عندهم بيوت وشركات وبدل العربية اتنين وتلاتة، أنتِ في البداية بس متمسكة بيا ومش فارق معاكِ حد، بس لما تلاقي الناس كلها بعدت عنك وأنا مش عارف أعيشك زي ما أنتِ عايزة ساعتها هتقولي يا ريتني ما اتجوزته، هتعرفي وقتها فعلا أنك اتسرعتي.
بكت هاجر بشدة وهي تتوسل له:
-بس أنا مستحيل أعمل اللي بتقوله دا، أنا مقدرش أعيش من غيرك أو أكون من نصيب حد تاني، صالح أنا بحبك.
بلع غصة مريرة في حلقه قبل أن يقول:
-الحب مش كل حاجة يا هاجر، وأنا مش عايز أبهدلك معايا على حس الحب، أرجوكِ متخلنيش أحلم بحاجات مش هتحصل، متخلنيش أحلم بحاجات بعيدة عني وتطلعيني سابع سما والآخر أصحى على الواقع، أنا مش مقامك يا هاجر.
تركها ورحل من أمامها أما هي بكت أكثر وظلت تنادي عليه، وأخيراً جلست على الأرض تضربها بقبضتيها.
_______________
كانت تنام بعمق وتحلم أحلامًا وردية، ولكنها شعرت بشيء يتحرك على وجنتها، حاولت أن تبعده وكلما نجحت في ذلك وجدته يعود مرة أخرى ليضايقها، فتحت عينيها بحنق وهي تقول:
-يـــوه بقا يا شوق عايزة أنام.
ردّ عليها بابتسامة ماكرة:
-ما يمشيش معاكِ مؤنس؟
نظرت في الغرفة حولها وأدركت ما هي فيه فاعتدلت وهي تقول بسخرية بعد أن فركت عينيها:
– قرن شطة، بتصحيني بقرن شطة؟ أنا أعرف الواحد بيصحّي مراته بوردة حلوة ولا بفَرْو وريش.
-بقا أنا عاملك فطار ملوكي وجايبُه لحد عندك وأنتِ مش عاجبك؟ أنتو الحريم مش عاجبكم العجب.
ابتسمت بعدما لاحظت وجود الطعام وقالت:
-الله أكل! أنا بحب الأكل أوي هقوم أغسل إيدي بسرعة وأجي.
وقبل أن تتحرك من مكانها أمسكها من يدها بسرعة وقال بابتسامة عذبة:
-مش مضطرة تغسلي إيدك عشان مش هتحتاجيها أصلا.
ضيقت بين حاجبيها بتساؤل:
-لما أنا مش محتاجة إيدي هاكل إزاي؟ برجلي مثلا؟
ضربها على جبتها بخفة وهو يقول بحنق:
-يعني مش بس لسانك طويل، لأ دا أنتِ غبـية كمان، مجاش في بالك إني ممكن أأكلك يعني.
نظرت له وهو يتحدث وعندما فهمت ما يقصده أخفضت بصرها بخجل، أما هو فبدأ بإطعامها وبعد مرور الوقت شاركته الحديث والضحكات وأحيانا الابتسامات، استطاع بمشاكسته وطريقته المضحكة أن يجعلها تندمج معه بسهولة، وأخيرًا تحدث بطريقة جدية وهو يخبرها:
-أنا خدت امبارح والنهاردة أجازة بس مش هينفع آخد أجازة تاني عشان أنا أصلا في مأمورية شغل، فأنا إن شاء الله هنزل الشغل من بكرة تاني.
أومأت له بهدوء ولم يشغلها الأمر كثيرا، فأكمل هو حديثه:
-أنا مظبط أموري مع مشاري يعني وجوده هو اللي مساعدني وإلا مكنتش هعرف آخد أجازة خالص، لكن إن شاء الله كل يوم هحاول أجي بدري وأخدك ونخرج ونقضي أحلى أسبوعين عسل هنا في إسكندرية عشان بعدها هرجع القاهرة.
ظهرت علامات القلق على وجهها وهي تسأله:
-يعني احنا مش هنعيش هنا علطول؟
ضحك بخفة وهو يجيبها:
-لأ علطول إيه؟ مش أنتِ سألتيني عن عيلتي وأخواتي وكدا؟ أنا بقا هاخدك هناك وأعرفك عليهم، وكمان كل حياتي هناك، إنما الشقة دي شاريها لظروف الشغل وكدا عشان باجي هنا كتير.
فركت يديها بتوتر وهي تريد أن تقول شيئا ولكنها خائفة فسألها بنبرة هادئة:
-مالك يا آسية عايزة تقولي حاجة؟
-بصراحة عايزة أطلب منك طلب.
شجعها على ذلك بإيماءة من رأسه دون يتحدث، فقالت:
-بصراحة نفسي أوي ألبس نقاب، ينفع تجيبلي واحد عشان أول ما أخرج معاك يكون بيه يعني؟
ابتسم ابتسامة عذبة وهو ينظر لها بهدوء ثم أشار على عينيه بطاعة وهو يقول:
-دا أنا هنايا وسعدي لما مراتي تبقى منتقبة وساترة نفسها
-بس اشمعنا يعني؟ ليه عايزة تلبسي نقاب؟
كانت تحرك عينيها في كل الاتجاهات وهي تجيب:
-يعني زي ما أنت فاهم كل الأمهات، كانت دايما مامتي لما أطلب منها ألبسه تقولي لما تتجوزي ابقي البسيه، مش فاهمة يعني لو الواحدة لبسته قبل الزواج هيمنع نصيبها يعني؟
أومأ بهدوء وهو يتفهم ما تقول ثم سألها سؤالا آخر:
-أومال مامتك فين؟
-مسافرة هي وبابا ومش عارفة هيرجعوا امتا، ومن بعدهم وأنا متشردة زي ما أنت شايف.
نظر لها وابتسم قائلا:
-متشردة؟ احنا لو شبهنا الحالة اللي أنتِ فيها دي مش هتكوني غير غزالة شاردة حلوة وبت جامدة.
توسعت أعينها وارتسمت ابتسامة بلهاء على وجهها وهي تسأله بعدم تصديق:
-إيه اللي أنت بتقوله دا؟
ضحك بسعادة وهو يجيب:
-ومن هنا ورايح مفيش غير دا.
- يتبع الفصل التالي اضغط على (رواية أنا وزوجاتي) اسم الرواية
تعليقات
إرسال تعليق