Ads by Google X

القائمة الرئيسية

الصفحات

رواية الحب أولا الفصل السابع عشر 17 - بقلم دهب عطية

   رواية الحب أولا كاملة   بقلم دهب عطية    عبر مدونة كوكب الروايات 

 رواية الحب أولا الفصل السابع عشر 17


 
تشعر ان الأرض تميد بها وحوائط المصعد تطبق على انفاسها…..ونفس السؤال يتردد محتدم في نفسها
يخسف عزمها ويشتت أفكارٍ عدة خططت لها سابقاً….
مالخطوة القادمة؟!….
هل ستبدأ في إجراء قانوني لاستعادت حقها… ستقف امام خالها… والد حمزة…..
حانت منها نظرة خاطفة على حمزة الذي يقف شامخًا هادئا جوارها ينظر لأرقام المصعد المنيرة بوجهٍ حجري وعينين مشتعلتين من كثرة المشاعر
السوداوية داخلها أهمها
النقم على والده !….
شعرت بنبضة مؤلمه بين اضلعها جراء رؤيته بهذا الشكل….
تشعر بانه طفلًا صغير بائسًا كل ما يحتاجه القليل
من الرعاية والعطف…ليس طفلًا بل تراه طفلها هي….
شعور مرهق تجد صداه في نفسها كلما نظرت لعيناه وللأسى الكامن بهما……
نظر لها حمزة عندما طال تاملها له فسالها بصوتٍ
أجوف قاسٍ…..
“مالك بتبصي كدا ليه….لو عايزة ترجعي تاخدي الفلوس وتمضي على التنازل…..ارجعي انا مش مانعك…..”
همست بغصة خانقة….
“ليه عملت كده…..كان المفروض تكون في صف
أبوك مش في صفي……”
“ابويا…..”التوى فكه بصعوبة وضاقت عيناه بنظرة
ساخرة……ثم استرسل ببرود.
“انتي بتكلمي على اساس انك مكنتيش عايشة معانا الفترة اللي فاتت دي…….”
اطرقت قمر براسها تقول بخفوت…..
“اي بيت بيبقا فيه مشاكل……مسيركم ترجعوا احسن
من الأول……والامور تتصلح… فمش مستاهله تخسره
بسببي…… ”
لوى شفتيه متحدثا بنبرة باهتة…..
“بقالي تلاتين سنة عايش بسمع نفس الكلام من الجيران ومن القرايب…..ومن الصحاب….بكرة الأمور تتصلح… ومسير المشاكل تنتهي…. وابوك يعرف قميتكم وانتوا تعرفوا قيمته……بس مفيش حاجة بتنتهي هنا إلا عمرنا واحلامنا….”
صمت حمزة قليلًا وطال النظر لها حتى
قال بنبرة واهيه….
“اطمني ياقمر…..انا خسرت ابويا من زمان…ولو النصب عليكي هيخليني اكسبه…فالخسارة اشرفلي…”
صمتا قليلًا وتبادلا النظرات سويًا حتى فتح باب المصعد فخرجا معاً سارا جوار بعضهما في اتجاه سيارة حمزة الذي صفها جانبًا……قالت قمر قبل وصولهم إليها……
“حمزة انا لازم إرجع مكان ما جيت……”
توقف مكانه يسالها بتعجب…. “ليه بقا ؟…”
بلعت ريقها وهي تقف امامه تنظر لعسليتاه
المنتظرة…..فقالت بهدوء….
“مش هينفع امشي في اي اجراء قانوني…وانا عايشة معاكم……لازم إرجع القاهرة ووكل المحامي اللي معاه
الأوراق عشان يبدأ الاجراءات…….”
انعقد حاجباه سائلاً…. “وليه متعمليش دا هنا…..”
بللت قمر شفتيها شاعره بالوهن يدب في اوصالها
جراء نظرة الإهتمام منه …..
“مش هينفع وانا عايشة معاكم هنا…وبعدين على مالمحكمة تحكم ليا هيكون فات سنين !!….القضايا اللي زي دي بتاخد وقت كبير…على مابيصدر فيها حكم…. ”
اخرج حمزة مفاتيح السيارة من
جيب بنطاله…
“اجلي اي حاجة دلوقتي مش وقته…..”
رفضت بصلابة… “لا وقته…انا همشي بكرة…..”
نظر لها مبهوتًا فعقب عابسًا…. “قمر……اعقلي…. ”
هزت راسها وهي تهرب من
عيناه….
“انا همشي بكرة ياحمزة كفاية كده….”
زفر مستاءًا.. وهو يسير معاها لخارج العمارة….
“لما يجي بكرة يحلها ربنا….” ثم قال بمرح
طفيف…..
“خلينا في النهاردة انا جعان اوي اي رأيك ناكل سوا……”
رفضت بملامح واجمه….. “مليش نفس……”
ابتسم حمزة قائلاً بمداعبة….
“بتحبي الشاورما ولا البيتزا……”
نظرة اليه بدهشة
وهتفت….
“قولتلك مليش نفس…..”
تجاهلها عمدًا قائلا بنشوة….
“انا كمان بحب الشاورما….تعالي ناكل سوا…..”
احتدّ رفضها….
“حمزة قولتلك مش عايزة…..”
فتح باب السيارة قائلاً
بملاطفة…..
“جربي بس… على ضمنتي…”
زفرة عدة مرات مصممة…. “ياحمزة مش عايزة…..”
عبس حمزة قائلاً بقلة صبر….
“قمراية كفاية نكد واركبي…..”
استقلت جواره قائلة.. “حمزة……”
بتر جملتها قائلا…
“مش بتقولي انك ماشيه بكرة……”
اومات براسها بنعم فتابع بمناغشة….
“خلينا نقضي اليوم سوا…..عشان لما اجيلك القاهرة
تعزميني عزومة احسن من دي……”
اشاحت وجهها بعيدًا عنه وغامت عينيها
بالحزن…..فادار حمزة محرك السيارة
سائلا…..
“مش هتجيبي عنوانك بقا…..”
رفضت باقتضاب…. “لا….”
نظر للطريق قائلا بسطوة…
“براحتك…..منين ما انوي اشوفك هشوفك…..”
سالته دون النظر لعيناه وقلبها يجن بين اضلعها نبضا…. “وليه عايز تشوفني تاني…..”
رد مبتسمًا وهو ينظر لجانب وجهها….
“يمكن يوحشني فنجان القهوة من إيدك..والبسكوت
اللي بتعمليه معاه……”
زمت قمر شفتيها تمنع إبتسامة سعيدة بتصريح بسيط جعلها تحلق في سماء العشق…فاجابته مقتضبة…
“هبقا ادي لشهد الوصفة..وواثقه انها
هتعمله احسن مني……”
اوما حمزة براسه دون إنكار…..
“أكيد دي شُغلتها…بس من إيدك انتي يختلف….”
تسللت البسمة الخائنة من بين شفتيها فنظرة
له مستنكرة…..”بتعاكسني……..”
ضحك حمزة ضحكة رجولية خافته وجدت صداها
في قلبها المتيم به……فقال بغلاظة….
“مش لدرجادي….بقول شهادة حق….هو لا كده نافع ولا كده نافع……..”
صمتت قمر ولم تعقب…فوجدت نفسها بعد لحظات تساله بتردد…….
“تفتكر خالي هيعمل إيه…..”
لوى حمزة شفتيه هازئاـ……
“ميقدرش يعمل حاجة…انتي معاكي أوراق تودي ورا عين الشمس…..”
اسبلت قمر عيناها تفرك في اصابعها
بوجل…….
“عشان كده خايفه اكلم المحامي…..يبدا في الإجراءات..”
القى حمزة نظرة عليها ثم عاد للطريق
امامه ورماها بتعليق ساخر….
“انتي طيبه اوي….خايفه عليه بعد اللي حصل فوق…..دا كان ناوي ينصب عليكي……”
قالت قمر بملامح يعلوها الاستياء….
“مكنش قالي على وصولات الأمانة لو ناوي بالغدر…”
حانت منه نظرة عليها ثم قال بجفاء…
“تحبي نرجعلهم…..وتطلعي تكملي الاتفاق……”
نظرة اليه بحيرة وقالت بوهن……
“ياحمزة افهمني…..لو حصل لابوك حاجة بسببي
انت عمرك ما هتسامحني…….”
مط حمزة شفتيه ونظر للطريق قائلا
بجمود….
“وانتي شاغله بالك بمسامحتي ليه…دا حقك…خديه لو من عين التخين…..متخفيش…….طالما الحق معاكي….”
لم ترد بل ظلت صامته تموج نفسها بمشاعر عديدة…
اكثرهم المًا هو حبها الميؤوس من شخصٍ لا يراها
اكثر من ابنة عمة اتت باحثة عن ميراث أمها…..
“ساكته ليه؟!……”
سالها حمزة متعجباً فنظرت اليه بهدوء واجابت
بنبرة قاسية على قلبها…..
“ولا حاجة….. عندك حق……”
………………………………………………………..
في المدينة الساحلية وفي أحد الشوارع القديمة
والتي بها مباني تحمل الطراز (الفلورنسي) الإيطالي
بعضٍ من هذه المباني مزالت شامخة، نابضة بالحياة والبعض الآخر يعاني من اثار الدهر…..
كان المكان رغم الازدحام البسيط يحمل روحٍ عريقة
وكانك بداخل أحد المتاحف العتيقة والمفتوح ابوابها
لكل مطلع يحبها ويقدر قيمتها الجمالية…..
مباني ومتاجر راقية نسيم البحر ممزوج بالمكان
وكانهما كيانا واحد…..صوت التراموي الكهربائي
هنا وهناك يعطي جوٍ اخر للمكان……سيارات
الاجرة ، سيارات فارهة….متاجر مختلفة
لها واجهات رائعة تجذب المتفرج…..
كلها أشياء تجعلك تحدق هنا وهناك كالتائه من شدة
جمال وتميز كل زاوية بهذا الشارع المتفرع….
وطأت قدميها هذا الشارع الرائع وبنيتاها ترصد
كل زاوية منه…..قد صف حمزة سيارته في أحد المرأب المعروفة….واصطحبها في جولة في أحد
أجمل شوراع المدينة القديمة…….
بدأ يسيرا جوار بعضهما يأكلا الشطائر وهم يتحدثا
فكان حمزة الان يلعب دور المرشد السياحي…يحكي
عن هذا المبنى وتلك العمارة وذاك المسرح العريق
وهذه المحلات المستجدة هنا والتي في السابق
كانت اسامي لمتاجر عالمية معروفة قد اعلنت عن افلاسها منذ زمن بعيد……
ابن البحر ؟!….هكذا رأته وهو يحكي عن كل جزءا هنا وكانه يعيش هنا منذ الأزل…وكانه نام في شوراعها
اكثر من فراش بيته ؟!….
مؤلم ان يكون ما تشعر به حقيقي……
هل قضى طفولته في هذه الشوارع…وان كان اين
كان المأوى لطفلا مثله وقتها؟!…. السؤال الأهم كيف
كانت حياته…….
رأت بعيناها طفلاً ينام جوار أحد المحلات المغلقة
ملابسة خفيفة باليةٍ ومتسخة ووجهه ملطخ بالغبار وشعره مشعث……..
اغمضت عينيها بالم فقد اتتها الإجابة سريعًا كقذيفة مدمرة انفجرت في احشاؤها فمزقتها…..
لم تكن طفولته هينة ، لم تكن هينة ابدًا وقد تركت
اثر مريع يتوارى عن الجميع…..
هذا متوقع من شخصية متناقضة مثله…تضيع مع
شخصيته أحيانا تراه مرح وأحيانا حنون وسند
داعم للجميع…وفي اغلب الاوقات عابسًا باردًا وساخرًا….واخيرًا كارهًا للجميع !!…..
هذا يفسر انه عاش حياةٍ اصعب من شقيقتيه…
لانه ولد كان ينال الاصعب والاقصى المًا !…
رفع حمزة عسليتاه عليها يسالها وهو يقضم
قطعة من الشطيرة في يده…..
“اي رأيك في المكان…….عجبتك اسكندريه….”
أحببتها لانك منها…..فانت تشبها…..مالح المذاق
كبحرها مزدحم المشاعر ومتناقضًا كشوراعها
وناسها…..بك جانبًا غنيًا مزدهر بالحب والحياة
وجانب آخر يعاني من الأوجاع والفقر !…..
أراكم عملة واحدة وحبي لها يكمن في حبي
لك ؟!…
اسبلت اهدابها تقول بابتسامة فاترة….
“طبعا جميلة مين مش بيحبها…..دي مدينة الادباء
والفنانين ومقصد الشعراء……كفاية انك فيها….كلكم يعني…اقصد شهد وكيان وانت وكده…. ”
سالها بنبرة غريبة الإيقاع….
“يعني لو مشيتي….هترجعي تاني تزورينا…..”
نظرة اليه لبرهة وقالت بتوتر امام بريق عيناه الخطر…… “ليه لا….ممكن انا و……أشرف… ”
زم حمزة شفتيه ممتعضًا من اخر كلمة…..
“اشيف؟!….على سيرة اشيف بتاعك…اي وضعه في حوار الورث ده…….”
قالت بتردد….. “بنسبة لي إيه……”
اجفلها حمزة بصوته المحتد….
“بنسبة انه هيمشي معاكي في مسالة المحاكم دي ولا هيسيبك لوحدك…..”
قالت قمر بثبات….
“لا هيسبني……انا قولتله متدخلش…..”
قال حمزة مستهجنًا…
“وهو مصدق ولا إيه….المفروض يقف معاكي ولا
خايف من أمه……”
قالت ببرود…..”حاجة زي كده…..”
هتف حمزة بنظرة نافرة….
“انا مش فاهم بتحبي في إيه…..”
قالت بحماقة…..
“طيب وبيحبني…..انت شاغل بالك بيه ليه…”
أنقلب وجهه مستنكرًا…..
“وهشغل بالي ليه…. اولعوا فبعض……”
اتسعت عينيها غاضبة….. “تاني…تاني هتلبخ…….”
كان سيرد عليها لولا شيءٍ خبط في قدمه…
فنظر حمزة للاطفال الذين يلعبوا الكرة في
أحد الشوراع الصغيرة……
فانحنى يمسك الكرة بين يده قائلا للصبي الذي
تقدم منه بمشاكسة….
“اي يابو الكباتن مش تحاسب…”
قال الفتى بحرج….
“مخدناش بالنا معلش هات الكورة……”
ابتسم حمزة قائلا بمرح على مرأى عينا قمر
التي كانت تتأمله بحب….
“بشرط إلعب معاكم مين هنا زملكاوي…..”
قالوا الصغار بصوتٍ واحد محتد….
“كلنا أهلاويه…..”
لوى حمزة شفتيه مستهينا……
“ومالوا العبوا قصادي يا أهلاوية بقا…..”
بدأ إلعب معهم… وبدأ يمرر الكرة بين قدميه
بمنتهى السلاسة والحِذق ، يتخطى سيقان
الصغار ويحرث هدفا تلو الاخر حتى بدأوا الصغار
يشعرون بالحنق والاستياء منه…فبدأ بذكاء يقلل الفروهة أمامهم حتى بدأوا يسجلوا الأهداف وفي الأخير نالوا منه…..
فصرخوا جميعاً بانتصار ضاحكين بسعادة وهو
معهم…..كان سعيد بانه جعل للعبة صخب أكثر
من ذي قبل….
لوح لهم بيده مودعهم ثم سار جوار قمر بصمت…
يرفع خصلات شعره القصيرة للخلف و التي التصقت في جبينه من العرق اثار المجهود والركض فالصغار كانوا بارعون كذلك في اللعب أمامه….
اخرجت قمر منديلا ورقياً واعطاته له بصمت..فأخذه
منها وبدا يمسح وجهه وعنقه…..قائلاً بانتشاء…
“ولاد لذينه….فرهدوني…….”
قالت قمر مبتسمة بحب….
“شكلك كنت غاوي كورة….مش فرجه بس…”
اخبرها حمزة بفتور…..
“كنت بلعب في نادي وانا صغير…..بس بطلت…”
قالت قمر بتأثر…… “ليه….بطلت خسارة…..”
اوما حمزة براسه قائلا بوجوم….
“هي خسارة فعلا بس مش بمزاجي….النادي كان
محتاج فلوس….. وخالك كان بيأكلنا بالعافية..
اصله كان بيشتكي من الفقر طول الوقت….مع
انه كان معاه اللي يعيشنا في مستوى احسن من
كده…. دا ورث أمي لوحده يعيشنا بشوات… ”
“كان كتير…..”دفعها الفضول لهذا السؤال فأجاب
هو بخشونة تقطر قهراً……
“ابوا أمي كان طباخ وكان عنده مطعم في احسن مكان في اسكندرية…..لم تعب وقعد المطعم وقف
واضطر يبيعه وفلوس المطعم حطها باسم امي في البنك لانها كانت بنته الوحيدة…..”
علت ملامح قمر الدهشة فقالت مشدوهة…
“طباخ غريبة أول مرة أعرف…عشان كده شهد
بتحب الطبخ……”
رد حمزة بهدوء….
“شهد موعتش على جدي أصلا…..مات واحنا صغيرين امي حاكت لنا عنه……”
سالته قمر ببراءة….
“ولي باباك خد الورث ؟!…….”
ضحك حمزة دون مرح وقال
هازئا….
“فراغة عين…… سؤالك غريب….”
مطت شفتيها بوجها ممتقع وقالت وهي تنظر أمامها….
“خالي هو اللي غريب..وتصرفاته أغرب… هو ليه بيعمل كده…..”
رد حمزة بصوتٍ اشبه بجليد مسنن….
“مش أول واحد هيعمل كده في عياله ولا الاخير
الدنيا مليانه….”
نظر حمزة للتراموي وقال
بهدوء….
“تيجي نركب الترام……”
نظرت للقطار الكهربائي ثم إليه وابتسمت بالموافقة على استحياء….فمسك يدها وسحبها اليه برفق
حتى صعدا التراموي وجلسا جوار بعضهما فسحبت قمر يدها من بين قبضته بحياء…وقالت بوجها
متورد خجول…..
“هنروح فين ياحمزة….”
اضطربت خفقات قلبه متجاوبًا مع نبرة صوتها
الانثوية الخجولة….فطرد هذا الشعور سريعًا
ونظر اليها قائلا بمشاكسة…..
“في حلواني هنا في اخر الشارع ده…بيعمل لقمة القاضي بس إيه حكاية….. ”
إبتسمت قمر وقالت بجذل….
“ومين قال اني عايزة اكل لقمة القاضي…..”
تجاهل حمزة السؤال قائلا بهدوء وهو يحك
في لحيته…
“فكريني اجيب لكيان المرادي عشان متزعلش….”
بعد لحظات دخلا معًا احد المحلات التي تقدم
افخم والذ اصناف الحلويات الشرقية…..
فترك لها حرية اختيار ما تريد واتجه هو الى احد الاركان من الناحية الاخر يوصي احد العاملين
بتحضير علبة من (البقلاوة) لياخذها الى كيان…
كانت بجواره تقف فتاة جميلة جسدها مكتنز ومفاتنها طاغيه على ملابسها الضيقة والتي
كانت عبارة عن بنطال جينز وكنزة صفراء
تشف ما تحتها ببساطه…..
رفع حمزة عيناه عليها بنظرة خاطفة تحجب وساوس الشياطين داخله….فوجد الفتاة عيناها عليه وبسمة مغوية موجهة له وحده…..
فلم يقاوم كثيرًا وابتسم لها غامزًا بمداعبة صريحة
فضحكت الفتاة مرحبة بميوعة…..
“هاي……انا نارين……”
أبتسم حمزة بجاذبية تخطف قلوب العذارى وقال
بهمساً أجش… “وانا ناري من جماله….حمزة 0…”
اوقفته الفتاة بتكبر……
“اي الثقه دي….هتديني رقمك…مش لدرجادي…”
ابتسم حمزة بانتشاء قائلا بمراوغة….
“اوعي تفهميني صح دا احنا هنتكلم واتس بس
وفي سريه تامه……. موبينيل ولا اورنچ… ”
انطلقت ضحكة رقيعه من بين ثغر الفتاة المطلي بالحمرة النارية….وقالت باغواء….
“على فكرة دول نفس الشركة…..”
رفع حاجباه مدعيا عدم الفهم وعيناه
الوقحة تسير على جسدها بنهم تكاد
تاكلها……
“يا راجل…مش متابع اصل انا إتصالات…..”
قالت الفتاة بتغنج……. “وانا فودافون……”
زم شفتيه عابسًا لوهلة..
“أحمر !!….ومالوا….هاتي الرقم…..”
رفعت الفتاة حاجبٍ بغرور وعيناها منتشية
بالقرب من هذا الوسيم العابث….
“دا انت مصمم بقا…..”
رد بعبث وعيناه الجريئة تعرف مسارها
جيداً…
“مانا مش هسيب البطل يعدي من غير ما اهدي…
رقمك كام يا بطل……”
زادت ابتسمت الفتاة رضا.. فمدت يدها قائلة
بتغنج…….. “هات انا اكتبهولك……”
“ومكتبهوش انا ليه يا حبيبتي…..”
هتفت بها قمر التي وقفت بينهما بوجها مكفهر غاضب وعينين حمراوان كالدم من شدة الغضب
والغيرة فهي تراقب ما يحدث منذ البداية…
وكلما حاولت مقاومة مشاعرها واخماد النيران بصدرها يأتي هذا الوقح بكلماته ونظراته الجريئة
ويشعلها كالجحيم……
قالت بعينا متقدة من شدة الغيرة والنقم
على قلبها وحالتها الميؤوسه مع هذا
الجلف…….
“قول الرقم يا حمزة…..0كام…..”
لم يتجاوب حمزة معها بل قال
عابسًا…..
“خلصتي الحاجة اللي عيزاها…..”
صاحت قمر بعنفًا والغيرة تحرق قلبها…..
“انا مش عايزة حاجة انا عايزة أروح…روحني…”
ثم نظرت الى الفتاة التي ترمقهما بدهشة….
فقالت قمر بنزق……
“ولا أقولك….انا هروح لوحدي شكلك مش فاضي…”
عندما ابتعدت لحق حمزة بها متجاهلا الفتاة
خلفه……
“استني يابت….قمر…. قمر……”
عندما اصبحت خارج المحل وجدته يطبق
على رسغها مديرها اليه بتجهم هادرًا….
“هو انا مش بنادي عليكي انتي اتهبلتي…اي اللي حصل لده كله……”
نظرت اليه قمر بغضب يتضاعف
بجنون…..
“انت بجد مش واخد بالك اي اللي حصل؟!..”
عيل صبره منها فقال بتعجب….
“لا مش واخد بالي في إيه…..بتكلم مع البت عادي
اي فيها……”
هتفت بوجها ممتقع…
“وانك تاخد رقمها عادي….”
لوى حمزة شفتيه قائلا ببراءة علت الضغط
الدموي لديها….
“هي اللي عايزة…..يرضيكي اكسر بخاطرها….”
جزت قمر على اسنانها تقاوم شعور واحد تود فعله
الآن وهو صفعة عدة مرات حتى ترتاح اعصابها
النافرة…….
“لا طبعا….مينفعش….ممكن تروحني….او تسبني اتنيل أروح…..”
أشار للمحل متعجبًا… “طب ولقمة القاضي……..”
هتفت قمر من بين اسنانها…..
“مش عايزة…مبقتش بحبها…..خلاص كرهتها….”
“استغفر الله العظيم.. حد يكره النعمة…..”عقب بها حمزة بهدوء استفزها…مما جعلها تسخر منه
قائلة…
“كفاية انت بتحبها……”
انقلبت ملامح حمزة فقال بضجر…..
“لا حول ولا قوة إلا بالله…دا انتي نكد…تعالي اروحك أحسن……قفلتيني…….”
عقدت ساعديها امام صدرها وقد تركت نفسها فريسة للغضب والغيرة….
“معلش ما احنا ما نشبهشي الاشكال اللي بتعجبك……”
هز راسه مؤكدًا….
“دي أحلى حاجة انك مش شبهم….”
لم ترد بل ظلت عابسة غاضبة… فناداها حمزة بعد لحظة تأمل……. “قمراية…..”
صاحت مستهجنة….. “اسمي زفت الطين قمر……”
ضحك حمزة قائلا بغلاظة……
“زفت الطين قمر….الله اسم مُركب لايق عليكي.. ”
جزت على اسنانه بعنف…
“ممكن كفاية هزار….. روحني……”
سالها حمزة مستفسرًا بعدم
فهم….
“مالك بس انتي ملبوسه……”
اكدت بنظرة شرسة…..
“آه ملبوسه… تحب اطلعهم عليك…..”
هز راسه ببرود قائلا باستهجان….
“لا وعلى إيه خليهم مستريحين مكانهم….يلا عشان اروحك قفلتيني من اليوم كله……دا انتي نكد…. ”
…………………………………………………………….
يقولون ان العطور تصنف شخصياتنا.. فهناك عطر شديد الخطورة عندما يصادفنا يتعلق بنا رغم نفورًا
منه ، وأيضًا هناك عطر رغم خفة عبيرة يلازم ذاكرتنا لأمد الحياةِ……وهناك عطرٍ آخر نحبه ونبحث عنه بين الارجاء بشوق العالم فلا نجده فهو ممحى كصاحبه؟!..
وأخيراً عطرٍ اردنا نسيانه بشدة وتطرقنا لأساليب
عدة حتى ننجح في الهجر…وعندما ظننا اننا منتصرون ، غلبنا ظهور شذايا العطر فانكمشت مشاعرًا في أحد الزوايا تئن متعبه وبين الشوق والوجع تحتضر آلروح….
فعطرك الآن كان يشكل كلاهما ؟!….
اخبرني لماذا عودت….ولماذا تظهر الان بعدما ظننت انني نسيت وتعايشت مع حقيقة الواقع……
دلفت الى داخل مكتب استاذها (خليل)بخطوات واثقه ثابته بطاقم كلاسيكي انيق وشعرٍ ملفوف للخلف في ربطة مهذبة…داعب انفها شذايا عطره المميز اخبرها بما لا يقبل الشك انه هنا قد اتى…
عطره دل عليه دون ان يستدير لها حتى…
بلعت ريقها بتوتر وشعرت ان ساقيها تلتف حول
بعضهما اثناء السير خصوصًا بعد قول الأستاذ
خليل بنبرة فخورة وهو ينظر نحوها…..
“ادي المحاميه كيان وصلت….مش عايز أقولك يا أستاذ سليم كيان من اكفاء المواظفين عندي حقيقي..شاطره ومهذبة وبتراعي ضميرها في شغلها…..”
“أكيد انا واثق في اختيارك يا أستاذنا…. ”
دون الالتفات لها أجاب بها سليم بصوتٍ رخيم
مخمر بالثقة وزهو…. هكذآ هي نبرة صوته فطرتها الجذابة مغلفة بالثقة والغرور…….
اشتاقت لنبرة صوته… اشتاقت له كله دون استثناء
شيئاً معين….حتى العنجهية والتجبر الكارهة لهما اشتاقتهم……
مشاعر تكره وجودها… وتسأم من قلبها عندذاك……
وقفت عند المكتب تجلي صوتها باحثة عنه في بؤرة مظلمة كمن يبحث عن صيدة في بحرٍ ميت……
“اوامرني يا أستاذ……”
أشار لها خليل بإبتسامة هادئة…
“الامر لله وحده يا كيان… اقعدي…..”
رمشت بعينيها عدة مرات وقد تمرد عليها جسدها
وأبى التحرك من مكانه…. فظلت متسمرة مكانها متردده.. وفيروزيتاها البراقة معلقة على سليم الجالس على المقعد بهدوء يحتسي من فنجان
قهوته…
فنظر لها خليل بتعجب وكرر طلبه….
“اقعدي يا كيان… واقفه كده ليه…..”
قالت كيان بنبرة ثابته قوية….
“عندي شغل كتير….. وفي وكيل حضرتك كلفتني
أقبله و……”
أشار لها خليل بنفاذ صبر….
“أجلي كل حاجة واقعدي…. دا برضو شغل مش بنلعب……”
اسبلت اهدابها وأخيرًا استجاب لها جسدها وجعلها
تقوده الى المقعد جالسة بهدوء وتهذيب راقي…
قائلة بثبات…..
“خير يا أستاذ……”
“الأستاذ سليم عايز محاميه شاطرة تساعده في القضايا اللي ماسكها…..وانا رشحتك ليه….”
رفعت حاجبها ونظرة الى سليم بدهشة…
فواجهها بعيناه القاتمة… وهيهات النظرة اليها الان كانت مختلفة صافية هادئة وكانها…كانها تجردت
من اي شعورٍ بذنب نحوها……
نظرت الى يده اليمنى وعند الاصابع تحديداً بحاجب
معقود فلم تجد الحلقة الفضية حول بنصرة….
هل تركها…. وما السبب ياترى…. ماذا عن الحب..
وسنوات الارتباط والوعود بينهما…. والقبلات الحارة المتبادلة….
لم تشعر بالفرحة او لذة الانتصار بعودته إليها… فهي
لم تنتظرة وهذا ما يوجع قلبها….كيف لها ان تنكر الهوى وقلبها متشرب منه حد النخاع !…
انه التناقض المؤلم….الغير مرحب به مطلقًا
رغم حفاوة الإحساس……
“آسفه يا أستاذ بس انا مش موافقة…حضرتك عندك
يارا….او نائل…..الاتنين اشطر من بعض و…..”
القت رفضاً وقع عليه كقذيفة من لهبٍ….فنظر
اليها بصمتٍ غريب بينما ازداد ثقل صدرها…..
فصاح خليل متعجبًا من رفضها القاطع….
“مش انتي اللي تحددي انا اللي أحدد مين يشتغل
ومين يفضل في المكتب…….وبعدين في حد يرفض
شغل مع سليم الجندي……”
قالت كيان برجاء اليه…..
“انا….. لو سمحت يا أستاذ خليل اعفيني انا من الشغل ده……”
زأر كبرياء سليم فقال بخشونة….
“خلاص ياخليل بيه….سيب الانسه براحتها…ممكن
أشوف الانسة يارا…..ونتفق على مواعيد تجيلي
فيها المكتب…….”
داهم قلبها شعور الغيرة فقالت بحنق بالغ….
“يارا أجازة اليومين دول……مش شرط يعني يكون
المساعد ست…ليه ميكنش راجل مثلا….مالهم الرجالة……”
نظر لها سليم نظرة رجلا اضناه الشوق ومع ذلك
حدثها بأسلوب لاذع متناقضًا مع نظراته…
“انا اللي احدد يا آنسه مش انتي…وبعدين انتي لسه
رافضه الشغل معايا…يبقا ملكيش انك تدخلي في
مين يشتغل ومين لا……”
نهضت كيان وهي تصك على اسنانها
بغضب هائل…..
“خد اللي يعجبك انا مالي أصلا…..انت حُر….عن اذنكم….”
بعد ابتعادها عنهم خطوتين اقترح خليل باسلوب
متملق حتى يكسب ود رجلا مهمًا في مجالة
كسليم الجندي…….
“تحب اكلم يارا تقطع اجازتها وتكمل معاك شغلك..”
التفتت لهم كيان قائلة بدهشة…
“يارا مامتها تعبانه يا استاذ وهي حكيالك ظروفها الفترة دي……”
عند ذكر تلك النقطة تافف خليل بضجر
قائلا….
“ماهو انا برضو مقدرش استغنى عن نائل دا معايا من اول ما تخرج وفاهم الشغل اكتر منكم انتوا الإتنين…….”
تدخل سليم يلقي قراره بلؤم….
“يبقا الحل ان الانسة كيان تشتغل معايا اليومين
دول لحد ما صاحبتها يارا تطمن على مامتها وترجع من الاجازه……”
هتفت كيان بصرامة….
“مستحيل…….مش ممكن…….”
تدخل خليل مزمجرًا بها…..
“ليه مش ممكن انتي بتقفليها ليه ياكيان….قولنالك لحد ما يارا ترجع من الإجازة……يعني أسبوعين
بالكتير وهترجعي لشغلك تاني…..”
رد سليم بخشونة……
“انا مش عايزك غير يومين بس في الأسبوع معايا
لاني كدا كده جبت سكرتيره….”
القت عليه نظرة نارية والغيرة تقتلها….
“وبما انك جبت سكرتيرة محتاجني في إيه….”
التقط نظرة العتاب والغيرة في صوتها
الحانق….فقال مبرراً الوضع دون ان يلاحظ
احدا سواهما……
“سكرتيرة تدير المكتب في حضوري وغيابي ترد
على التلفونات تظبط المواعيد وهكذا…لكن انا محتاج محاميه مؤقتا تساعدني في كذا قضية
مستعجلة عندي……اي إستفسارات تانيه… ”
“لا أبدًا…….عن إذنك…. “القت عليه نظرة باردة ثم استدارت متابعة خروجها من المكتب….. فقال
سليم من خلفها بصوتٍ يتحداها في البعد عنه
أكثر….
“هبقا اتصل بيكي نحدد المواعيد…….”
غمغمت من بين اسنانها بحرقة
قلب…….
(بكرهك……بكرهك ياسليم……)
اما قلبها فظل يئن بعذاب…
(أعشقك…….اعشقك رغم علتي وعلتك…
أعشقك……فأرحمني !…..)
ظل سليم يتابع خروجها بصمت ونظرة مختلفه
عن سابقها…..
اشقاني الفقد ، فمزقني الحرمان واضناني العشق
فاتيت إليكِ…
آه من ويلات الحب ، اه من كل خطأ وجرح ينتج عنها….آه ياصغيرة لو تعلمين !……
…………………………………………………………
غيم الجو واشتدت العواصف وأصبح الطقس سيئا
فجأه….وقفت أسفل احد المباني بانتظار وصول سيارة اخيها ككل يوم…..
ورغم ان نائل عرض عليها ان يقلها الى المنزل
بأحد سيارات الاجرة…الا انها رفضت بتهذيب
واخبرته ان اخيها على وصول……فرحل بهدوء
حتى لا يسبب لكلاهما احراج عندما يصل اخيها
ويجدهما معًا….
تاففت بضجر وغيظ وهي ترجع الهاتف في حقيبتها
قد اخبرها حمزة ان سيارته قد تعطلت في الطريق
وهو بحاجة لأصلاحها… وامرها بان تستقل اي سيارة
أجرة بدلًا من وقوفها في الشارع في هذا الطقس
السيئ…….
مطت شفتيها وهو تحاول رؤية الطريق امامها ورغم
ان الوقت مزال مبكرًا الا ان الجو يشير لمنتصف الليل …….
تقدمت للأمام بخطوات متعثرة والامطار الغزيرة تهطل فوق راسها تبللها….جزت على اسنانها وهي
تغمغم بكلمات مقتضبة وهي تسير في هذا الشارع
لعلها تقابل اي وسيلة موصلات تقلها لمنزلها في هذا
الجو المريع…….
أثناء سيرها شعرت بصوت سيارة تتبعها فخفق قلبها
خوفًا وزدادت سرعة قدميها سيرًا فلحقت بها
السيارة كذلك لكن ببطء……
فرمشت عدة مرات وهي تزيد سرعة سيرها حتى اصبح اشبه بالركض…..
“هيجيلك نزلت برد كده…اركبي…….”
توقفت ساقيها كما توقف قلبها وهي تلتفت لصاحب
الصوت… الصوت التي تحفظه على ظهر قلبها مهما
انكرت هذا…….
عندما ابصرته بعيناها المبللة رمشت مجددًا بعدم
تصديق….. “سليم……”
عصفورةٍ انتِ جميلة المظهر لكنك سارقة فأنتِ تأخذي مالم يقدم لكِ ؟!……
بلع ريقه وهو يطل عليها من نافذة سيارته يشير
لها بصوت خشن…..
“اركبي……هتبردي كده…….”
قالت كيان بتوتر……
“شكراً…انا هاخد اي مشروع من على اول الشارع…”
أمرها بصوتٍ صارم…..
“اسمعي الكلام يا كيان…….انتي مش شايفه هدومك……”
احمرت وجنتيها سريعاً بعدما رأت ملابسها المبللة
تشف جسدها….رغم سمكها تشف…وهذا ما جعلها
تضم السترة المبللة اكثر عليها…..
ثم فتحت باب السيارة ممتعضه مجبرة وجلست بجواره زافرة بحنق شديد بينما يدها اغلقت الباب
بقوة جبارة جعلت سليم يرفع حاجبه متوجسًا
قائلا ……
“العربية عليها قساط……”
نظرت كيان اليه بدهشة فأبتسم
مرحباً….
“اخبار عصفور الكناري إيه….بعد ما سابنا……”
نظرت كيان امامها وقالت ببرود…..
“الحمدلله يااستاذ كله تمام….. انت اي أخبارك….”
أدار محرك السيارة منطلقا
بها….
“مش كويس خالص……”
سألته على مضض…
“ليه يعني…..في مشاكل بعد الجواز…..”
ردد الكلمة بعينان مظلمتان …. “جواز ؟!……”
سحبت من علبة المناديل امامه وبدأت تمسح وجهها المبلل اثار المطر…..
“اه جوازك من الانسة ايتن…مستغربة انك معزمتنيش على فرحك…..”
رمقها بنظرة باردة جمدتها لوهلة……
“مش محتاجة عزومه كان لازم تكوني أول الحاضرين……”
احترق فتيل غيرتها فقالت بتبرم…. “متعوضة…..مبروك……”
أردف سليم ببرود….. “جايه متأخر……”
قالت كيان بقرف…… “معلش…..”
رمقها سليم بنظرة شاملة قبل ان يقول
ساخرًا….
“مش ملاحظة ان أسلوبك اتغير أوي بعد ما سبتي
الشغل عندي……”
علقت كيان عيناها على الطريق وقالت
باستفزاز…..
“تقصد اتنمردت يعني….انا نمروده من يومي مش جديدة عليا……”
صمتا معًا وقد ابتعلهما هوة من الصمت
الكئيب…..حتى قطع سليم الصمت بنبرة غريبة
“انا وايتن سيبنا بعض…….”
نظرت اليه قليلاً بكرهٍ ومقت وكأنها ترى عثمان
الدسوقي من جديد نفس السيناريو يتكرر
مع بعض الاختلافات……بعد تلك النظرة
ادعت الهزل وضربت يدٍ بالاخرى قائلة…..
“لا حول ولا قوة إلا بالله….سبحانه…مع انكم كنت بتموته في بعض….دا انا اخر مرة شوفتكم فيها
كنتوا……غريبة مفيش حاجة ليها أمان….حتى
الحب بيغدر بحبايبه……”
سألها سليم بملامح جامدة..
“كونا ايه؟!……”
زمت شفتيها دون تقهقر……”انت عارف…..”
قال بنبرة مسننة….
“وليه بتقوليها وانتي مضايقه اوي كده كاني خونتك
مثلا……”
ادعت التبلد قائلة…..
“مفيش بينا حاجة توصلني لاحساسك ده….”
كان يضاهيها أسلوبٍ في الرد
بالمثل….
“وطالما هو كده ليه سبتي الشغل…..”
قالت بصلابة…. “انا متفقه معاك من الأول و……”
قاطعها بحزمٍ كسياط…..
“متفقه اخر الشهر مش انك تمشي مرة واحده كده…..”
عقدت ساعديها امام صدرها قائلة
بوجها ممتقع…..
” مش معقول جاي لحد هنا عشان تعاتبني على سيباني للشغل؟!……”
هتف مستاءًا…..
“العتاب ملوش لازمه معاكي يا كيان…..”
صاحت بانفعالًا من بين اسنانها….
“ولا معاك……تقدر تقولي سبتها ليه……”
“أكيد مش عشانك…وبلاش تحلمي انه يبقا عشانك…..”القى قذيفة نارية في وجهها…..
مما جعلها تبتسم بانتصارٍ قائلة ببرود…
“مفيش حاجة بينا عشان تسبها عشاني….”
نظر سليم امامه بوجها مكفهر….فقالت كيان
بتعجب وكانها تحدث نفسها….
“اللي مستغرباه….انك من ضمن كل مكاتب المحاماة
ملقتش غير مكتب خليل الصواح عشان تطلب
منه محامية تساعدك مؤقتا…..”
رد سليم بغلاظة…….
“دا شغل يا آنسه…..بلاش دماغك تروح لبعيد….”
قالت كيان بانفعال…
“وليه اختارتني انا بذات….”
أجابها ببرود مهينًا……
“هو اللي اختار……واضح انه عايز يخلص منك…”
أحمر وجهها بشدة بعد كلامه فاندفعت
بتحذلق….
“ياسلام لعلمك بقا….انا…انا مفيش زيي في المكتب..
وبشتغل اكتر واحده فيهم..وشايله الشغل كله على دماغي…..”
سخر سليم دون مرح….
“ماهو واضح… عشان كده قالوا يشيلوا عنك…..”
صمتت كيان واجمه…فقال سليم باستفزاز….
“بس كان باين انه عايز يخلص منك……خصوصا بعد
ما قال انه ميقدرش يستغنى عن نائل….”
اشتعل فتيل صبرها فقالت من بين
اسنانها محتده….
“طبيعي نائل اقدم واحد فينا……و….انت بتسخني
على أستاذي…. لعلمك انا ممكن اقدم استقاله واسيب
المكتب باللي فيه….. ”
ابتسم سليم قائلاً بصوتٍ أجش….
“برافو…واهو ترجعي تشتغلي معايا من تاني…..”
بنظرة معاتبه قالت بغيرة…..
“وانت محتاجني في ايه….ما انت جبت سكرتيرة..”
التقط الغيرة في صوتها فقال
بحنو….
“سكرتيرة مؤقته….لحد ما ترجعي…..”
قالت بوهن وهي تهرب من معصية
الحب……..
“مش هرجع يا سليم…..مش هرجع…..”
تجرأ ومد يده يمسك يدها هامسًا لها
بعذاب… “كيان……”
سحبت يدها منه سريعًا ترمقه شزرًا
هادرة……
“اياك تحاول تلمسني تاني…انا مش ايتن…سامع في فرق كبير بينا….نزلني عند المشاريع دي لو سمحت.. ”
اوقفها سليم بصوتٍ قوي….
“تنزلي فين في الجو ده….انت اتجننتي…..”
صاحت كيان بتصميم…..
“نزلني يا سليم لحسان اصوت ولم عليك الناس..”
نداها بقوة حتى تخافه….. “كيااااان…..”
زاد اصرارها وهي تفتح الباب
جوارها….
“هفتح الباب وارمي نفسي…….”
اوقف السيارة سريعًا خوفًا عليها فخرجت هي
منها بملامح غاضبة واتجهت سريعاً دون سلام
لأحد سيارات الاجرة……
……………………………………………………………..
بعد منتصف الليل وصل حمزة للشقة بملابس مبللة
اثار الأمطار التي تلقاها فوق راسه أثناء تصليح السيارة…….
وجد الشقة مظلمة وغرف النوم مُغلقة ويبدو انهن جميعاً نائمات الآن….
دون تفكير بدأ يتصرف باريحية وكانه وحده فقد
خلع عنه ملابسه المبللة ووضعها في المغسلة ثم
ارتد بنطالة القطني المعلق خلف باب الحمام
قبل نزوله…..ثم اغتسل بعدها وخرج بعد لحظات عاري الصدر يجفف وجهه بالمنشفة التي حول عنقه……
دلف بعدها للمطبخ بهذا الشكل يقلب في الأواني
باحثًا عن طعام فلم يجد شيءٍ فزفر بسأم وهو يتجه
الى ابسط الحلول حتى يملئ معدته فنجان قهوة
مسك الركوة وبدأ بإعداد القهوة…..فسمع صوتها الناعس من خلفه تناديه……
“حمزة……”
استدار إليها بملامح عابسة متناسيًا مظهره
الان..
“قمر؟!….اي اللي مصحيكي…..”
شهقت قمر واولته ظهرها قائلة بخجل….
“كنت جايه أشرب……شهد حطالك الاكل في الميكرويف…..ابقى سخنه…….”
“استني خدي المايه……اللي جايه تشربيها…..”
سحب زجاجة ماء من على الرخامة جواره وتقدم منها واعطاها لها……فاستدارت تحاول إلا تنظر
إليه قدر المستطاع لكن عيناها تخونها فتذهب
اليه رغم عن انفها…….
“لسه زعلانه……”
سحبت منه زجاجة الماء بتجهم كلما تذكرت
ما حدث صباحًا……
“هزعل من إيه مفيش حاجه تقدر تزعلني…..”
ابتسم حمزة مناغشاً…. “أحبك وانت واثق…….”
قالت قمر قبل ان ترحل بجمود….
“تصبح على خير…..”
مسك ذراعها قبل ان ترحل…..
“استني راحه فين…..مش هتسخني ليا الأكل…”
قالت قمر وهي تنظر لذراعها بين
قبضته……
“الموضوع مش صعب هو طبق هتسخنه في الميكرويف…….سهلة……”
قال وهو يحررها من
وثاقه….
“بس انا مبعرفش اشغله……”
قالت ببرود….. “أتعلم…..”
بنظرة عابثه قال وهو يبعد خصلة زغبية عن
جبهتها….. “تعالي علميني…….”
ضربة يده بشزرًا هاتفة…… “حمزة….إيدك……”
ضيق عيناه سائلا على حين
غرة….
“بتحبي ايه في أشرف بتاعك ده؟….”
اتسعت عينيها مشدوهة….. “إيه…….”
كرر سؤاله بنظرة مظلمة قاسية….
“بتحبيه ليه……عشان بس ابن عمك……”
ارتكبت قليلا وهي تحاول إخراج أجابه
مقنعة….. “لا عشان….عشان….انت مالك……”
قال حمزة من بين اسنانه بتبجح يعريها
في صحراء باردة…….
“إزاي انا مالي.. ما انتي لو بتحبيه مش هتغيري عليا….”
اتسعت عينيها وخفق قلبها بخوف لكنها كانت صارمة وهي تصيح في وجهه…. “انت شارب إيه بظبط……”
أبتسم حمزة ساخرًا….
“مش محتاج أشرب عشان اقول الكلام ده…مش
دا الصح… ”
قالت قمر بصوتٍ حاد مبررة رغم قلبها الذي يرجف خوفا بين اضلعها……
“لا غلط…..لانك مش في دماغي أصلا….انا بس اضايقت لانك مقدرتش اني معاك في نفس المكان….حتى لو شهد او كيان مكاني هيعمله نفس اللي عملته ويمكن أكتر……شيل من دماغك الأفكار دي لاني مش هبله عشان اقع في واحد متعلق بغيري…..”
تضخم صدر حمزة بمشاعر سوداوية
فقال بمقت….
“مين دي اللي متعلق بيها انتي فكراها في دماغي
انا نسيتها…..”
من بين غصة مسننة تكاد تشطر حلقها لنصفين
قالت……
“كداب….. انت لسه بتحبها…. مفرقتش لقلبك ولا عقلك….. انا بشوفها في عينك…. كلنا بنشوفها
في عينك…….”
وهجت النيران في حدقتاه وتشنج وجهه
واربد……هادرًا…
“وانتي مالك أصلا…..انتي عايزه اي بظبط……انتي جايه هنا عشان تاخدي ورثك مش عشان مين خرج من قلبي ومين لسه……”
قالت بصوتٍ اضناه الحزن……
“انت حر وانا كمان حرة…… وكمان ملكش دعوة بابن عمي احبه اكرهه متسألش ولا تدخل في حياتي..”
قال بقرف وهو يوليها ظهره….
“أولعه في بعض مش خصصني……”
سارت قمر بخطوات سريعة الى غرفة شهد وقد فلتت منها شهقة بكاء عنوة عنها وصلت إليه
فاذا به خفق قلبه بوجع وشعر بالإنزعاج من
نفسه عندما بكت …..
فترك كل شيء ودلف الى غرفته يدخن بشراهة
حارق المتبقي من اعصابه بها.. وظل هكذا طول الساعات المتبقية حتى تجلت الشمس وتسلل
شعاعها من خلال فتحات النافذة……
فسمع صوتٍ بالخارج في صالة البيت تحديدًا
فنهض عن الفراش يرتدي فنالة بحمالات فوق
بنطاله على عجلة منه ثم خرج ليرى من
استيقظ في مثل هذه الساعة…..
فتح باب غرفته ونظر في صالة البيت ليجد قمر تتجه بحقيبة ملابسها الى باب الشقة عازمة الأمر
على السفر كما اخبرته أمس…ربما ماحدث بينهما
البارحة زادها اصرارًا على فعلها…..
اتجه إليه سريعًا مناديًا….
“قمر…..”
شهقت بفزع وهي تستدير اليه وعندما وجدته امتقع
وجهها وقالت ببرود……
“نعم عايز إيه……”
سالها وهو يقترب منها…. “انتي راحه فين…..”
قالت بجمود….. “ماشيه….”
سألها مبهوتًا…. “ماشيه إزاي يعني…..”
قالت من بين اسنانها بحدة….
“زي الناس…انا قولتلك إمبارح اني ماشيه….”
ارجع حمزة شعره للخلف بعصبية…..
“فكك من الجنان ده وارجعي على الاوضة….”
صاحت قمر بانفعال مبالغ…..
“مش رجعه….روح انت كمل نومك وسبني في حالي…….وكفايه لحد كده……”
نظر حمزة حوله بغضب وحذرها باصبعه….
“وطي صوتك عشان محدش يصحى…وبعدين كفايه
إيه…انا عملت إيه لده كله……”
تركت الحقيبة أرضا وعقدت ساعديها قائلة
ببرود….
“ولا حاجة اتهمتني بس اني بخون ابن عمي…وبحبك
انت وبغير عليك……”
زم حمزة شفتيها مزمجرًا….
“يادي ابن عمك اللي قرفاني بيه….كانوا كلمتين ساعة
غضب وراحه لحالهم…..عارف اللي في قلبك من ناحيتي……وان إحنا زي الاخوات……..”
قست على قلبها مؤكده بصرخة
مجنونة……
“ايوا أخوات عندك شك في ده…..”
تأتأ حمزة بشفتيه حانقًا من علو
صوتها….
“وطي صوتك اخواتي هيصحوا…..”
وضعت يدها في خصرها وقالت بشراسه
تروقه بشدة……
“خليهم يصحوا ويشهدوا عليك…..عشان تبطل تآلف
تاني وتحلل على مزاجك……”
مسح حمزة على وجهه بقلة صبر……
“طب ارجعي الأوضة واصطبحي على الصبح…عشان
مغبش عليكي……”
احمر وجهها بانفعال وكذلك عينيها الحمراء
اثار البكاء ليلًا فصاحت تهدده…..
“لا غيب غيب ووريني هتعمل إيه…قسما بالله لو قربت مني لا هكون مـ……”
قبل ان تكمل باقي جملتها كان حمزة يكبل فمها بيده
ساحبها بقوة الى غرفته مهسهسًا بعنف…..
“وطي صوت امك ده……هتفضحينا………”
اغلق الباب عليهما فعضت يده وهي
تصيح بشراسة….
“احترم نفسك ياقليل الأدب…..ومتجبش سيرة واحده متوفيه…..”
تأوه حمزة وهو يبعد يده عنها….
“اه يابنت العضاضة…..مبتكليش لحمة جعانه…..”
ضربته في صدره….فكاد ان يرد لها الضربة
فقالت محذرة بضراوة…..
“أضرب كده وانا وعزة وجلاله الله لـ……”
اوقفها بملل قائلاً بتهكم…..
“هشششش خلاص…عرفنا إنك لا تقهري اهدي ها
اهدي بقا…….”
قالت بعينين غاضبتين….
“مانا هادية شايفني بشد في شعري……”
مط شفتيه مستنكرًا……
“انا اللي قربت اشد في شعري منك…..انتي راحه
فين كده الصبح…….”
قالت ببرود….. “راجعه مكان ما جيت……”
سالها بسطوة تفاعل معها قلبها
بشدة…..
“دا في شرع مين بقا…..”
رفعت وجهها بتكبر…..”في شرعي انا…..”
انزعج حمزة قائلا بصيحة متهكمة….
“جتك أوه….انتي ليكي حد عشان تروحي القاهرة..”
قالت بجمود…..”ليه اهل أبويا…..”
صاح حمزة بقسوة….
“وسبوكي ليه اهل ابوكي تتغربي لوحدك وتيجي تدوري على حقك بطولك…..كانوا فين… ”
اشاحت بوجهها قائلة
بحرج…
“كل واحد ملهي في همومه…..”
اوما براسه بأمر خشن……
“حلو وطالما هما مش فاضيين اوي كده….خليكي
هنا لحد مانشوف خالك هيعمل إيه…مش يمكن
يديكي ورثك من غير محاكم…..”
برمت شفتيها وهي تنظر اليه باستهانة…
“كان عمالها امبارح……بتكلم على اساس انك مكنتش معايا وشوفت بنفسك…..”
هز راسه من جديد موضحا بجدية…
“شوفت عشان كده بقولك اتقلي…..وبلاش
وتهربي خوف منه……”
رمقته شزرًا…. “مين قالك اني خايفه منه…..”
سالها بتبلد…… “امال انتي خايفه من مين…..”
(خايفه منك انت…..انت..)قالتها داخلها بلوعة
قلب سأم من هذا الحب وعذابة……
سألها حمزة بهدوء وعيناه تتأمل صمتها بلمحة من الإعجاب…… “ساكته ليه….لسه زعلانه…..”
لم ترد عليه بل ظلت تنظر اليه بعتاب…فقال وهو يقترب منها معتذرًا لأول مرة……
“مقصدش حاجة على فكرة اهو الكلام طلع
كده مني ……حقك عليا متزعلش…..”
لم ترد بل ظلت على صمتها……فحاول حمزة
ان يراضيها من جديد……
“ما خالص بقا ياقمراية…..عديها دا انا زي أخوكي
برضو……”
انزعجت من هذه الصفة المزعمة بينهما
الان….فقالت قبل ان ترحل….
“هعديها يااخويا عن إذنك……”
مسك ذراعها وقربها منه…..قائلاً بخشونة..
“استني مش هتطلعي من هنا غير لما أبوس رأسك…..”
نظرت اليه بتوجس وقالت بامتناع….
“مش عايزة شكرا…..سامحتك خلاص…..”
“والله أبدا لازم ابوس رأسك……”
مالى بالفعل عليها وسط تمنع منها وضجر فشعرت
بشفتيه الدافئة تطبع على جبهتها فتصلبة مفاصل ساقيها وتيبس جسدها متسعة الأعين وقد فلتت
شهقة الدهشة من بين شفتيها الحمراء…..
فأبعد حمزة رأسها عنها قليلا لكن مزال وجهه بالقرب من وجهها يلفحها بانفاسه الساخنة المنكهة برائحة
الرجولية الجذابة…….
نظرت لعسليتاه وبريقهما الأخذ ونظر هو لبنيتاها
الداكنة ولمعة الحب المشعة منهما والتي يكذبها
دوما… بها يضطرب قلبه وتتضارب مشاعره نحوها
مختلطه بالكثير !!….
طافت عسليتاه الداكنة على وجهها الجميل من بين ملامحها تجد لمحة شعبية قديمة الطراز كنساء السواحل قديمًا اللواتي كانوا يلفوا اجسادهن
بالملاءة السوداء و يغطين وجوههن ببُرقع مزين بالترتر كاشف عن أعينهن الجميلة وعند خطاهن المتهادية تسمع رنة مغوية للخلخالا ذهبيًا في كاحل ملتف ، وشخشخة أساور رنانة فاتنة الإيقاع في ذراعين بيضاء فيكن المستمع مفتونًا قبل ان
يبصر جمالهن…
وهذا هو ذوقه في النساء وهي أتت دون ان يناديها
فكيف يكون قديسٍ امام كل هذا الجمال الفج الممزوج بشراسة تروقة وتشبع غرائزه …….
نظر الى شفتيها الحمراء دون حمرة والمغوية
دون همس……فشعر بطوفان مشاعر يغزو
اعماقه وارتفع شعور الرغبة داخله ومالى
على تلك الشفاه المغوية كالمغيب عن الواقع
هامسًا بصوتٍ ثمل من شدة النشوة…..
“قـمـر……..”
ترجمة سريعًا ماينوي فعله لذا دفعته في صدره
بحدة حتى يبتعد عنها ثم خرجت بخطوات سريعة
اشبه بالركض حتى دلفت الى غرفة اخته تختبأ
بها بوجها شاحب وصدرٍ يعلو ويهبط بهلع….
لا تصدق ماذا حدث هل أراد فعلًا تقبيلها…الم يزعم
انهما اخوة…..هل الاخوة تقبل بعضها بتلك
الطريقة ؟!…..
هل أراد ان يقبلها ؟!…….
هل أراد ان يقبلها فعلًا ؟!…
ظل السؤال يتردد داخلها بارتياع وبدا قلبها يخفق بخوف وكانه لم يروقه ما كان على وشك
الحدوث بينهما ؟!…
……………………………………………………………
بعد ان اعطت اقوالها الى النيابة خرجت برفقة عاصم من هذا المكان والذي عند دخولها اليه انقبض قلبها وشعرت بالاختناق ونفور لذا حاولت الاسراع في الاجراءت الازمة منها قدر المستطاع حتى تخرج
من هنا ..
شيئان نهايتهما متشابهة في هذه الحياة السجن والقبر كلاهما مظلم مرعب ويفصلك عن الحياة وناسها بل و ينهي المتبقي منها……
“مالك يا شـهـد ساكته ليه…..”
عندما اتى صوته العميق انقشع الظلام والخوف
من حولها….فرفعت عينيها اليه تطلع اليه بصمتها الراقي…
كـملِكة متوجه على قلب مولاها تعرف ان النظرة
منها تسحره فلا يرى في الكون سواها…….
نظرت حولهما وهما خارج القسم
وقالت بصراحة…..
“ولا حاجة المكان جوا بس خنقني….”
اتجه الى سيارته وهي خلفه وفتح بابها واستقل مقعد القيادة وهي بجواره واسترسل متحدثًا برزانه…….
“الحمدلله انها عدت…وقدره يوصل للواد اللي عمل كده…. وان شاء الله هما الإتنين يتحكم عليهم قريب ان هتابع القضية مع المحامي…….وانتي خلاص برا الموضوع مش هيحتاجوا شهادتك تاني……”
ارجعت خصلة خلف اذنها وهي تقول بحياء وعيناها تعرف طريقها لعيناه……
“مش عارفه أقولك إيه……شكرا يا عاصم على كل حاجة عملتها عشاني….شكرا بجد…..”
انزعج وهو يدير محرك السيارة منطلق
بها…..
“مفيش بينا الكلمة دي….اسحبيها يا ام عبد الرحمن….”
توهج وجهها واتسعت عيناها كبركتين من
العسل الشهي ثم ابتسمت بدهشة قائلة….
“عبد الرحمن ؟!….”
رفع عاصم حاجبه مستأنفا….
“إيه مش عاجبك اسم أبويا ؟!…..”
ضحكت شهد ضحكة خجولة وهي تنظر امامها
والدهشة تعلو
ارجعت خصلة خلف اذنها وهي تقول بحياء وعيناها تعرف طريقها لعيناه……
“مش عارفه أقولك إيه……شكرا يا عاصم على كل حاجة عملتها عشاني….شكرا بجد…..”
انزعج وهو يدير محرك السيارة منطلق
بها…..
“مفيش بينا الكلمة دي….اسحبيها يا ام عبد الرحمن….”
توهج وجهها واتسعت عيناها كبركتين من
العسل الشهي ثم ابتسمت بدهشة قائلة….
“عبد الرحمن ؟!….”
رفع عاصم حاجبه مستأنفا….
“إيه مش عاجبك اسم أبويا ؟!…..”
ضحكت شهد ضحكة خجولة وهي تنظر امامها
والدهشة تعلو وجهها الجميل…..
“لا طبعا الإسم جميل كفايه انه باباك….بس انت اختارت اسامي ولادنا بسرعة دي ؟!…..”
ابتسم عاصم بسعادة لكونها اندمجت معه في الحديث دون مراوغه…فقال بصوتٍ
أجش…….
“هسيبك تختاري اسامي البنات وانا عليا اختار اسامي الولاد….”
نظرت اليه متوجسة وسالت
بحذر…
“اسامي !!…..هما يامه اوي كده…..”
زم عاصم شفتيه قائلا ببساطه…
“تقريباً اربعه وعشرين عيل…….”
اتسعت عينا شهد بخوف تلك المرة وقالت
بخفوت…..
“اربعه وعشرين !!…. انت نازل تلعب بيهم كورة……”
رمقها عاصم بنظرة شاملة مدققة قبل ان يقول
برافه……
“اربعة وعشرين يامه برضو عليكي.. انتي سوفيفه…
كفايه اتناشر… قسمنا البلد نصين اهوه…..”
ضحكت شهد بشدة وهي تقول بعفوية محببه
الى قلبه…
“سوفيفه ؟!… انت بتهزر…..لا كفايه إتنين بس……صحتي يا ابو عبد الرحمن…. ”
لمعة عيناه بنشوة لذيذ بعد جملتها العفوية…
فقال بوقاحة مستتِرة….
“لم تنجوز نشوف موضوع صحتك ده…مش يمكن تيجي على الجواز……”
لم تكترث شهد لجملته بل قالت بجدية….
“لم نتجوز هغير قناعتك وهخليك تسكتفى بعيل واحد بعد اللي هيعمله فيك……”
هز عاصم راسه بثقة قائلا وهو يصب كامل
تركيزة على القيادة…..
“ومالوا يا ام عبد الرحمن…..ومالوا بكرة نشوف
مين هيغير قناعة مين……”
نظرت شهد من خلال نافذة السيارة وقالت
بتعجب……
“انت مودينا على فين كده…..مش دا طريق شارع الصاوي……”
قال عاصم بهدوء……
“عايزاك في موضوع مهم ومش هيستحمل نأجله لمكالمة بليل…. صحيح إمبارح نمتي وانا معاكي
على الخط…..اي حكايتك……”
إبتسمت بحرج فقد طالت مكالماتهما الليلية وازداد
بها الشوق والحب حتى بات أدمنها هو و سماع صوته قبل ان تغفو… وأحيانا تغط في نوما عميق
على صوته الدافئ …….
قالت معتذرة وهي تنظر إليه…..
“برجع من المطعم هلكانه……اوعى تكون زعلت….”
بادلها عاصم النظرة بحب قائلا بتفهم….
“مش لدرجادي…..بس ابقي عرفيني وانا هقفل بدل ما افضل مذنبك معايا….. ”
اومات براسها وهي تبعد عيناها عنه
بحرج……
“المرة الجاية…….موضوع إيه اللي عايز تكلمني فيه…”
اخبرها عاصم بهدوء…..
“اختارلنا بس مكان حلو…..عشان نتغدى فيه…..”
رفعت حاجبٍ بتشكيك وهي تنظر اليه…..
“متأكد انك عايز تتغدى في مطعم…..وبنسبة للوسوسه اللي عندك…..”
ضم عاصم شفتيه للأمام مقتضبا وكانه يقاوم
وساوسة ويغير أحد قناعته قليلا حتي يختلي بها
بعيدًا عن شارع الصاوي وناسه….
“والله ما اعرف هحاول…..عشان اسرقك شويه من شغلك والناس..اختارلنا مكان كويس على ضمنتك.. ”
إبتسمت شهد بجذل ولمعة عيناها بفكرة….
“ماشي….هختار مطعم كويس ونطبخ فيه سوا….انا
وانت عشان تبقا كل حاجة قدام عينك وتاكل وانت مطمن….”
نظر اليها متعجبًا…… “إزاي يعني ؟!…..”
ازدادت ابتسامتها جمالا وهي تعطيه العنوان
المنشود……
“بطريقة…..اطلع على مطعم ****……”
…………………………………………………………….
اوقف عاصم السيارة أمام احد المطاعم الانيقة المطلة على البحر مباشرة في ارقى مكان في
المدينة حيثُ الهواء والبحر والهدوء….
ترجل من السيارة وكذلك شهد تطلع عاصم على
المكان من حوله بعينين صقريتين… سائلا إياها
بعد برهة….”هو ده المكان……”
“اه هو….اي رأيك…”أكدت شهد ونسيم البحر
يرفرف غرتها المتدليه على جبينها…
سالها مجددا وعيناه تمشط المكان بنظرة
ثاقبة….”بتاع مين المطعم ده….”
قالت شهد مبتسمة برقة…
“زميل من أيام الدراسة….مأجر المطعم ده من سنين وبيشتغل فيه هو ومراته اللي هي صديقة وزميلة
برضو دفعه واحده…….”
نظر لعينيها وقال
بارتياح….
“كويس انه متجوز……”
ضحكت بخفه مطرقة برأسها مجيبة
بحياء….
“اطمن متجوز ومراته حامل كمان……يلا بينا… ”
مد يده لها حتى تتعلق بها فترددت قليلا بين عيناه
الحانية التي تدعوها ويده الملحة في الإمساك
بها….
لذا ازدردت ريقها واقتربت منه ووضعت يدها الصغيرة بداخل كفه الكبير الممدود والذي أطبق
على يدها سريعًا حتى وصلته رجفتها العذراء
كالعادة…
بها يعلم أنه الأول، انه استثنائي في كل شيءٍ تمر
به الان معهُ بانه وصل الى قلبها قبل الجميع ولن يكون هناك بعده أبدًا…..
دخلا معًا من ابواب المطعم….كانت ضئيلة الحجم
وقصيرة جدًا جواره فهو كان فارع الطول ضخم
البنية ذو هيبة ووقار …..بجواره تشعر انها ابنة
وليست زوجة مستقبلية…..
كم دغدغها هذا الشعور…وكم تتمنى دون طلب ان يتلاشى شعور اليتم داخلها بوجود عاصم….ان
يُسقي داخلها ويرعى شجرة ميته في أرض
بور !….
“مش معقول شهد عندنا……”
التفت كلاهما لمصدر الصوت الذي صدر من أمرأه جميلة ترتدي ثوب أزرق أنيق تغطي شعرها بالوشاح
كانت رشيقة القوام عدا بطنها الممتلئة بشكلًا
ملحوظ كالحوامل او هي كذلك….
بابتسامة جميلة اقتربت توزع النظرات عليهما
مدققة اكثر في النظر الى عاصم بانبهار وكانها
لا تصدق انه بصحبة شهد !…..
شهد بصحبة رجلا وسيم جذاب انها ظاهره كونية
نادرة الوجود…..
عانقتها شهد بحرارة وفعلت المرأة والتي بعد السلامات المتبادلة اتضح انها تدعى (نورهان)
زوجة صاحب المطعم المدعو (حسين) هذان الزوجين اصدقاء (شهد) منذ الدراسة تحديدا الجامعة وبقت صداقتهما الودودة متبادلة
حتى الان…..
“حسين هيفرح اوي لما يشوفك….”
رفع عاصم حاجبٍ واتكأ على اسنانه غير قابل
الجملة والاشتياق الواضح بها…..
قالت شهد بعفوية…..
“بجد وحشني اوي ووحشني المكان كله….وانتي وحشتيني اوي أوي يانورهان … ”
تضخم صدر عاصم بالغضب والغيرة وهو يتابع حديثهما بنفس غير سمحة…
فقالت نورهان بمحبة معاتبه….
“وانتي كمان ياشوشو…وبعدين انتي بكاشة اخر
مرة شوفناكي فيها كانت إمتى ؟!….ولو المكان وحشك أوي كده ليه سبتيه من الأول…..”
ابتسمت شهد وهي تشير لها بيدها بان تترفق
في العتاب قليلًا…..
“واحده واحده عليا…. الفترة اللي فاتت كانت صعبه أوي وانشغلت عنكم عارفه بس غصب عني… وبعدين موضوع ليه سِبت الشغل معاكم….انتي عارفه
اني عايزه أشتغل لوحدي وافتح المطعم اللي
نفسي فيه…..”
قالت نورهان بتفهم ممازحة…
“ربنا يحققلك كل أحلامك.. عارفه انك زي الفريك
ملكيش شريك…..”
كانت نورهان محقه في تلك النقطة….حب السعي
وهذا الطموح بان تكون انت دون غيرك….هي جينات متوارثه بكل تأكيد تجري في عروق ثلاثتهم..المحاربة بما لديك حتى يتسنى لك الوقوف على أرضًا صلبة
، أرضًا ملكا لك انت فقط ولن تقبل بشريك !…
ربما فطرة جميع البشر او هي فطرة الاشقاء الثلاثة
فقط ؟!…
قد عملت في هذا المطعم لعام واحد ثم قررت ان
تعمل عبر الانترنت وعندما بدأت تهل الطلبات عليها
وتزيد أرادت ان تعمل بمفردها وتعطي عملها كل وقتها وتتفانى فيه وبالفعل تركت المطعم وبدأت تطهو في البيت وتوصل الطلبات بمساعدة
( بشير وخلود)وتتوالى الأحداث فيما بعد وتقرر تأجير مطعم بسيط باسمها حتى تبدأ رحلة
الكفاح ، فتتعثر في الطريق قبل ان تبدأ وتقع
في حيزة الصائغ ويبدأ الغرام بينهما !….
سرد القصة بسيط جدًا رغم انه يحمل مشاعر عديدة واحداث متضاربة وقاسية عليها وربما على الصائغ
أيضًا…
رفعت شهد عيناها عليه فبادلها عاصم النظرة
بهدوء…فعادت الى نورهان وهي تتنحنح..
“دا عاصم يانورهان…..خطيبي…..”
حكت شهد عنقها بيدها بحرج وهي تنظر الى نورهان المتفاجئة والتي اطلقت شواهق عالية من هول الخبر بينما ارتاب عاصم منها ورفع حاجباه
معًا متراقبًا…..
فقالت نورهان بسرعة…..
“”خطيبك بجد خطيبك….هي العُقد اتفكت خلاص
قررتي تعمليها…..الف الف مبروك ياشهد….”
مالى عاصم على شهد هامسًا بمزاح….
“عُقد ؟!… قولي لصاحبتك ان مفيش ولا عقدة لحد دلوقتي عرفت افكها…..احنا لحد دلوقتي ماشيين ببركة ربنا….”
لكزته شهد في خفه فضحك عاصم وهو ينظر
الى صديقتها مرحبًا دون سلام باليد….
“أهلا يامدام عاصم الصاوي….أكبر تاجر صاغه
في منطقة ***شارع الصاوي تحديدًا….”
قالت نورهان بتذكر…..
“عارفاه جبت من عنده شبكتي…..من خمس
سنين…..”
ضيق عاصم عيناه محاولا تذكرها….
“خمس سنين….مش واخد بالي بصراحة….”
ابتسمت نورهان متفهمة…..
“هتفتكر مين ولا مين يامعلم……بس انا افتكرتك دلوقتي…..اتشرفت بمعرفتك….”
رحب بها عاصم بوقار سحر شهد المتابعة
حوارهما بصمتٍ جلي……
“انا اكتر يامدام….لو احتاجتي اي حاجة مكانك…”
قالت نورهان وهي توزع النظرات بينهما
معاتبه صديقتها……
“طبعاً يامعلم احنا هنبقا أهل…شهد زي أختي عشرت
عمر…..ربنا يكملكم على خير…..مع اني زعلانه منك
ياشهد انك معزمتنيش على خطوبتك… ”
كانت ستتحدث شهد لكن عاصم تولى الرد
عنها بهدوء…..
“بصراحه يامدام مفيش حاجة لسه رسمي… لكن
قريب هنقرأ الفاتحة… وطبعًا هتكوني أول واحده
نعزمها على الخطوبة…..”
ابتسمت نورهان باستحسان لتقول….
“أكيد طبعا يامعلم…… كفاية ذوقك وكلامك الحلو…….”
اقترب منهما في تلك لحظة حسين وكان شاب انيق ووسيم يصغره بسنوات عدة…هتف حسين مندهشًا وهو يمد يده مرحبًا بحفاوة….
“اي ده شهد……ازيك يا شهد عاش من شافك…..”
قالت شهد مبتسمة تنوي مبادلته
المصافحة… “أهلا ياحسين…..”
اوقفها عاصم وهو يضع يده في يد حسين
بدلا منها…..قائلا….
“أهلا ياشيف…. اخبارك……”
تبادلا الجميع النظرات بدهشة إلا عاصم
ألقى عليها نظرة محذرة ان كررت مصافحة
الرجال من جديد…..فتدخلت نورهان
تقول بملاطفة…..
“دا المعلم عاصم ياحسين….خطيب شهد…..
دا حسين جوزي… ”
رحب به عاصم بهدوء فبادله حسين
الترحيب بحرارة أكبر……
“بجد أهلاً أهلاً..نورت المطعم يامعلم عاصم….”
رد عاصم….. “منورة بصحابه….”
قال حسين مؤنبا زوجته….
“واقفين كده ليه…. دا كلام يانورهان سيباهم
واقفين كده……”
قالت نورهان بابتسامة محرجة…..
“معلش ياحبيبي الكلام خدنا…اتقضلوا معايا هجبلكم
المنيو تختاروا اللي يعجبكم….إنتوا معزومين عندنا النهاردة……”
رفض عاصم قائلا بهدوء وهم يسيرا برفقة
الزوجين…..
“خلي العزومه عليا المرادي….دي أول مرة اعزمها..”
أحمر وجه شهد فاقتربت من صديقتها تتنحى
بها جانبا….. “نورهان…..ثواني عيزاكي…..”
سألتها نورهان بتوجس…
“اي ياحبيبتي في حاجة…..”
قالت شهد بهمسًا..
“المطبخ اللي بيطل على البحر…..”
سالتها بتعجب….. “مالوا…..”
بللت شهد شفتيها قائلة….
“عايزة اطبخ فيها الاكل اللي هاكله انا وعاصم….”
انعقد حاجبي نورهان منزعجة….
“وليه يعني حد قالك اننا بنطبخ الاكل برجلينا… او
ان اكلنا مش نضيف لا سمح الله…. ”
قالت شهد موضحة وهي تسترق النظر خلفها
حيثُ عاصم الجالس على أحد الطاولات
بانتظارها….
“يابنتي افهمي هو انا أول مرة اعرفكم واكل من ايدكم….عاصم بس موسوس حبتين ومش بيحب يااكل في مطاعم… وهو حب نخرج سوا بعيد عن الشارع والناس اللي نعرفهم….فجبته هنا وقولت اطبخله الاكل بنفسي وقدام عينه عشان ياكل وهو مطمن…..”
هزت نورهان رأسها بتفهم…
“اه فهمت….خلاص ولا يهمك استنيني شوية
نص ساعة بس اظبط المطبخ وارجعلك…….”
عادت شهد الى عاصم عند الطاولة وجلست في المقعد المقابل له…..
فقال عاصم وهو يتأملها بنظرة
حب….”اي الحكاية؟…..”
سالته متعجبة…… “اي حكاية!!….”
سالها بمرح طفيف….. “هناكل و لا…..”
قالت شهد مصححه بأمر….
“هنعمل الأكل سوا وبعدين ناكل… احنا متفقين..”
قال عاصم وهو يأسر عسليتاها….
“بس انا خبرتي معدومة في الحاجات دي….”
قالت شهد بمزاح لطيف….
“أطمن انا معاك……هتكون مساعد الشيف….”
ضحك عاصم قائلاً…..
“ياسلام على التواضع…المهم نأكل حاجة كويسة…”
اومات بثقة لتقول….
“ان شاء الله مش أول مرة تاكل من ايدي….”
خيم الصمت عليهما بعد جملتها وظلت أعينهما
تتبادل أطراف الحوار بلغة الحب.. فاتى النادل
ووضع كأسين من العصير الطازج قد وصى
(حسين..)عليهم كنوع من الترحيب بهما…..
قال عاصم دون مقدمات بعد ان غادر
النادل.. “صحيح انا كلمت ابوكي…..”
شحب وجه شهد فجأه ونظرت اليه بعينين
مندهشتين….
“إيه….كلمته !!….وقالك إيه؟….وقولتله إيه؟….”
رد عاصم بهدوء وهو يرتشف من كأس
العصير……
“المكالمة مكملتش عشر دقايق…قولتله اني عايز اتقدملك من تاني….ووافق….”
انكمشت ملامحها متوجسة…
“بالبساطه دي ؟!…..”
قال عاصم بعد تفكير…..
“واضح انه عايز يحطك قدام الأمر الواقع مفكرك مغصوبة خصوصاً اني لما قولتله هاجي انا واهلي
رحب أوي….وحددلنا معاد كمان…..”
سألته بصوتٍ مضنٍ… “إمتى….”
التقط نبرة صوتها المهتزة بعدم ارتياح فقال
محذراً بجدية قصوى…..
“اخر الأسبوع ده….جاهزة ولا غيرتي رأيك…لو
غيرتي رايك قوليلي من دلوقتي انا مش هاجي لوحدي يابنت الناس انا هاجي مع أهلي يعنـ”
اوقفته شهد بحديث باتر…..
“عاصم بلاش تكمل قولتلك اني موافقة خلاص
انسى اللي حصل في الزيارة اللي فاتت….”
“ياريت اقدر أنسى…..”سحب نفسًا عميقا كاد
ان يقتلع أزرار قميصه وهو يقولها….
التوت شفتيها بابتسامة
مزدرية…..
“قلبك أسود أوي….”
هز عاصم راسه يخبرها بنبرة صادقة…
“مش كده بس في حاجات مهما قولنا مسامحين فيها
بتفضل معلقه معانا…..غصب عننا مش بننسى مرارتها
مهما دوقنا الحلو بعدها……”
اصابها في مقتلها بحديثه الجاد فقالت
بحرج…..
“لدرجادي…..واضح اني وجعتك أوي….”
أكد عاصم بنبرة خشنة…..
“تقريباً…..ودا يعلمك متعمليهاش تاني لاني بسامح
مرة واحده بس في التانيه مش بسمي…..”
لبست قناع التمرد فقالت
بتجهم.. “المفروض أخاف….”
اكد بنبرة صلبة مسننة المعاني…..
“لازم تخافي على زعلي….عشان تفكري الف مرة
قبل ما تكرريها…..”
تبادلا النظرات لبرهة حتى اشاحت شهد
بوجهها مغيره الحديث…
“ان شاءالله………المكان هنا حلو أوي مش كده.. ”
قال عاصم دون تبسم……
“حلو عشان انتي فيه ياست الحُسن……”
لانت شفتيها قليلا ولامست باصابعها الانسيال
الذهبي حول رسغها والخط الفارسي الرائع في المنتصف بكلمتين يبرقان بشدة…..
(سيدة الحُسن..)
……………………………………………………………
في الدور الثاني للمطعم حيثُ مطبخ صغير لها نافذة
شاسعة تطل على البحر مباشرةً….مطبخ قليل
الاستعمال في المطعم لصغر حجمه…فالمطبخ الكبير
والاساسي في الأسفل و هو الذي يقوم من خلاله التحضيرات والطبخ للزبائن يومين بصورة
مباشرة….
كان المطبخ رائع الشكل من حيث المعدات والديكور
والتنظيم…والنافذة المطله على البحر تعطي لهُ رونق
خاص….نافذة جميلة مزينة ببعض الزرع من النعناع
والريحان و زعتر كلها أشياء تستعمل في الطهي كبهارات طازجة…
ابتسمت شهد وهي ترتدي المريول قائلة
بجذل..
“تعرف اني بحب المطبخ ده أوي….”
احضرت الطعام وبدأت تجهز المكونات امامها مسترسلة….
“مكنتش بشتغل غير فيه لوحدي كده وعلى
روقان…”
سالها عاصم وهو يستند على الرخامة
خلفه…
“انتي كنتي شغاله هنا الأول…..”
أكدت شهد وهي منشغلة
اليدين….
“اه طبعاً اشتغلت هنا سنة…..”
سألها عاصم بفضول…… “وليه سبتيه؟!…”
اتسعت ابتسامتها مشاكسة وهي توليه
ظهرها….
“حبيت اشتغل لوحدي واعمل كارير لنفسي…
بس اتكعبلت فيك…..”
عقب دون استحسان….
“اتكعبلتي فيا ؟!….. عيل صغير انا…..”
ضحكة بخفة معتذرة…..
“لا طبعاً مقصدش.. دا كان تعبير مجازي…”
اقترب عاصم منها حتى وقف امامها
ونظر الى ما تفعله…..
“مجازي ؟!…..تحبي اساعدك في إيه….عايزين نخلص
بسرعة مش هنقضي طول اليوم في المطبخ….”
قالت شهد وهي ترفع عيناها
إليه…
“ساعة بظبط وهتاكل اكله محصلتش….”
أسر عينيها مدعي الملل وهو يلفظ أحرف
أسمها بدلالٍ لا يعرفهُ سواها ….
“ساعة كتير ياشـهـد…..”
اسبلت اهدابها مجيبة بتوله….
“هتعدي هوا ياعاصم…”
ثم تنحنحت قليلا وهي تجلب له مريول
قائلة……
“البس مريلة المطبخ دي عشان البدلة …..”
نظر للمريول بين يده مستنكرًا…..
“مريلة المطبخ ؟!..الحمدلله ان إحنا برا شارع الصاوي……”
قطبة شهد حاجباها معقبة….
“ياسلام واي فيها بقا….. اشطر وانجح الشيفات رجاله مش عيب يعني…..”
رد بزهوٍ وهو يربط المريول…..
“دا يدل ان إحنا مفيش حاجة تستعصى علينا…”
اكدت بإبتسامة فاترة وهي تشير على يداها
الإثنين التي تحتوي في راحتيها على ثمرة
طماطم واخرى بصل……
“أكيد…. هتقطع البصل ولا الطماطم…..”
قال ممتعضا….
“بصل !…. لا خليني في الطماطم…….”
وضعت الطماطم أمامه على خشبة التقطيع….
ثم بدات هي بتقطيع البصل بسرعة قصوى
ومهارة حيثُ كل قطعة تشابه الاخرى مقاسا
وحجما…..
رفع عاصم حاجباه معقبًا بتعجب
وعيناه تلمع بالاعجاب…..
“شُغل شيفات بقا وحركات…..”
قالت مبتسمة برقة وهي تتابع
الطهي بهمة….
“الله مش شيف لازم ابهرك ……”
قال عاصم بصدق وهو يتأملها تعمل
بشغف..
“انا مبهور من يوم ما شوفتك……اطمني….”
قالت بوجنتين حمراوان وعينين
عسليتين خلابتين….
“يارب يكون حقيقي مش تريقه….”
أكد وهو يبدأ بتقطيع…… “حقيقي….”
ثم استرسل يفتح معها احاديث…..
“احلى حاجة ان المطبخ بيطل على البحر …”
قالت وهي تنظر اليه لثانية ثم تعود للقدر على
النار…..
“مش كده….حلم حياتي اشتري مطعم يكون
موقعه على البحر ….”
قال عاصم بفتور….
“ومالوا اجبلك مطعم على البحر…..”
نظرت اليه بطرف عينيها بعدم
تصديق…..
“ياسلام وعلى كده هتسبني اشتغل فيه….”
قال عاصم بنفي…..
“لا طبعاً هنبقا نعدي عليه كل ما يهفني الغرام
أكل برا….اكل من إيدك ونقضي اليوم وبعدين
نروح..”
زمت شهد شفتيها باستياء….
“وعلى إيه التعب ده كله…. مطعم حسين ونورهان موجود مش هيقولوا لا……”
سألها عاصم وهو يقطع الطماطم ببطئ
وبتركيز شديد…
“هو المطعم باسمهم هما الإتنين…..”
قالت وهي ترش القليل من البهارات…..
“هو عقد إيجار بأسم حسين بس هو ونورهان واحد يعني حلمهم واحد وشغلهم واحد والمطعم بتاعهم
هما الإتنين……”
ثم استرسلت بمحبة دون ان يسألها…
“بيحبوا بعض أوي…كانت بينهم قصة حب…”
حانت منه نظرة عليها وقال بمكر…..
“واخد بالي.. وواخد بالي إنك مُسجلة خطر عندهم كمان…اي حكاية العُقد دي ياشـهـد….”
نظرة شهد الى حبات الطماطم بين
يداه…
“خلصت الطماطم…..”
تابع التقطيع قائلاً بحزم….
“على ما تردي تكون خلصت…..”
زفرت مستاءة من الهروب منه
فقالت بحرج……
“أبداً يعني كنت رافضة فكرت الجواز…..”
اوقفها عاصم يقول بزهوٍ…..
“دا قبل ما تشوفيني……مش اي حد برضو يغير
المبادئ ويقلب الموازين…..”
هزت راسها معقبة….”مغرور اوي……”
“حد يبقا معاه واحده زيك وميتغرش…..”
دللها بحب فخفق معهُ قلبها بشدة…فقالت
بوجها متخضب…
“شاطر اوي في الكلام…..”
ابتسم بسمة ذات مغزى وقال بوقاحة….
“واللي خلق الخلق في الأفعال كمان….بس كل حاجة
في وقتها بتبقى حلوة……”
اشاحت بوجهها بحياء انثوي
لذيذ.. “أحم…الطماطم خلصت…..”
بنظرة عابثة سألها….
“انتي مستعجلة عليها اوي كدا ليه….”
اقتربت منه بصوتٍ يرتجف من شدة
الخجل…..
“انت بطيء اوي ياعاصم….قلب طب الحاجة اللي على النار دي وانا هكمل تقطيع الخضار…. ”
اوما برأسه وهو يضحك مستمتع بحياؤها الفطري
الغير مكتسب…مستمتع بقربها…. بابتسامتها الرقيقة
وعطرها الطيب….ونظراتها البريئة مع جمالها البري..
وحضورها الراقي كملكات العصور القديمة……
لأول مرة تشعر بكل هذا الاستمتاع والانسجام اثناء الطهي….هي شغوفه فيما تحب وتقدم.. لكن هذا الوقت كان استثنائي في الطهي لان عاصم معها
يمطرها بالغزل والمشاكسة وأحاديث عدة قضت
ساعة ونصف في الطهي وهو معها تحدثا في
الكثير وضحكا وتشاكسا…..حتى إنتهت وجبة
الطعام……
فبدلاً من النزول بها للأسفل جلبا مقاعد وطاولة صغيرة وتناولا الطعام امام النافذة الجميلة
المطلة على البحر……
وكان المكان رائق ونظيف من حولهما بفضل شهد
التي تطهو وتنظف حولها في نفس الوقت بمنتهى
الهمة دون مللاً….
كذلك كان الأكل شهي ولذيذ اعجب عاصم جدًا
كما أعجب بمهارتها وشغفها في العمل من الخلال
الوقت القصير الذي قضاه بجوارها فهو برهن حينها انها ليست طاهية متمكنة فقط بل هي فنانة في مجالها وشغوفة بشدة…
ومن يمتلك الشغف في نطاقة يصل للقمة دون
منازع !….
……………………………………………………………
عاد من الخارج ليلًا بعد يومًا طويل ومضنٍ في العمل
بالورشة…..
تثاءب وهو يغلق باب الشقة بملامح صارمة خشنة
اذ بعطرها الجوري يملأ رئتاه ، عطر ممزوج برائحتها
الانثوية الناعمة……
أغمض عيناه بتعب الى متى سيظل يدور في تلك
الحلقة الباردة الجافة !…..
من يوم ان تزوجها وهو يعاني نفسيًا وجسديًا ولا يجد الراحة في كنفه…. بسببها وبسبب تصرفاتها
المنفرة…. يخشى ان يكرها بعد هذه الافعال
المخزية…
تتباهى بذنبها….ولا تراه ذنبًا…. تدعي الظلم والقهر
وهي الظالمة للجميع….تظن انها حُرة في اختيارات
من المؤكد انها ستجني سوءٍ على الجميع…..
فالعائلة تظل عائلة برابط مقدس موصل بجميع افرادها والاذى ان أصأب أحد افردها فهو شمل الجميع دون منازع…..
لماذا لا تفهم حتى الآن انهم فعلوا الصالح لها.. لماذا
هي عنيدة وساذجة….لماذا قلبها معلق بهذا
الصعلوك؟…و لماذا أقحم نفسه في تلك القصة
المقرفة…..
لأجل الشرف والعائلة…لأجلها خشى عليها من الموت
على يد أبيها…ثم تساهل فيما بعد في قتل رجولته وكرامته كل يوم على يد مراهقة مستهترة……
كل يوم يزيد الجرح عمقًا وكلما جف قليلاً عادت
بحديثها الفارغ تنكأه من جديد فيعود الوجع ينبض بقسوة……
بلع غصة مسننة في حلقه وبحث عنها بعيناه حتى يطمئن عليها ثم ينام.. منذ اخر يوماً نام جوارها
بعد فزعها ليلا تباعد عنها وأصبح يعود ليلا في
وقتا متأخر يطمئن عليها دون حديث ثم يدخل
لينام ويستيقظ في الصباح الباكر للعمل….
سمع ضجيج يأتي من المطبخ فعقد حاجباه متعجبا
فهي مزالت مجبرة الكاحل ولا يجب ان تحمل عليه
وقتا طويل… ومزالت شقيقته اميرة وامه يقوموا بخدمتها ويظلوا معها طوال النهار….فماذا تفعل
في المطبخ الان وقي تلك الساعة ؟!…..
دلف الى المطبخ بملامح جامدة ونظرات مجردة
من اي لهفة كان يكنها لها سابقا…..
“بتعملي اي ياداليدا عندك….”
كانت تستند على الرخامة وهي تنهي اخر طبق
في غسيل الأواني…..
شهقت بفزع وهي تضع يدها على
صدرها….
“سلطان خضتني…..طب كح قول سلام عليكم..”
لم تتهاون نظراته الجامدة بل شملها بنظرة مدققة
كانت تطلق شعرها الأسود حُر ولم تضع من الزينة
الا كحل لعينيها وصبغة وردية على شفتيها ترتدي ثوب أسود قصير (كاش مايوه)بنصف كم يبرز ثمار انوثتها باغواء…مطبع على الثوب من عند الصدر
كلمة بالانجليزي تكن(kiss me.)وحول الكلمة
تطبع شفاه حمراء مغرية…..
لوى شفتيه بابتسامة باردة حمدا لله على شهادة
الثانوية التي لم تكتمل فـبها حفظ بعد قواعد
اللغة…..
مكتوب على الثوب قبّلني !!….
“بتعملي إيه عندك…..وواقفه كده إزاي الدكتور قالك
إيه… وهو بيجبسك…. ”
قالت داليدا بحرج…..
“كلها كام يوم وفك الجبس…وبعدين انا كنت بعملك بسبوسة…..”
ضيق عيناه مرددًا….
“بسبوسه ؟!…بمناسبة إيه….”
قالت داليدا بابتسامة صافية ونظرة
تسبقها بالاعتذار…..
“من غير مناسبة خدت الوصفة من أميرة وحبيت اعملهالك……”
غمز سلطان وهو يقول دون تهاون….
“اللي بينا مش هيتحل بصنية بسبوسة يابنت عمي…أنسي…”
قالت داليدا بشجن…
“أمال هيتحل بأيه…هتفضل بعيد عني كتير…”
قال وهو يقترب منها حتى وقف أمامها وكانت
تعطي ظهرها لرخامة المطبخ….
“انا طول عمري بعيد ياداليدا…مفرقتش كتير…”
“انت بتعمل إيه…آآه…..”شهقت داليدا بعد ان
حملها بين ذراعيه القوية بسهولة وكانها لا تزن
شيءٍ ثم اجلسها على الرخامة خلفها….
ابعد يداه من تحت ذراعيها وقال
بجفاء…..
“رجلك….عايزين نخلص من ام الجبس ده….”
امتقع وجهها حزنا فقالت مبهوته…..
“زهقت مني…..أمال لو عندي مرض وحش لا قدر
الله هتعمل إيه……هتسبني…. ”
أومأ براسه بقسوة….. “أكيد…..”
نكست رأسها وكانه القى رصاصة
طائشة في قلبها قتلتها…..
“اي اللي مكتوب على هدومك ده…..”
بعد لحظات من الصمت سألها سلطان
وهي جالسة على الرخامة مطرقة رأسها
بوهن……
نظرت داليدا للثوب ثم نطقت سريعاً
كالببغاء ببراءة…
“ا… kiss me……”
أبتسم سلطان وقد لمعة عيناه بالعبث…فبلعت
ريقها بخجل وقلبها يرقص فرحا بعد رؤية
ابتسامته….وقالت بتبرير…..
“على فكرة….هو جاي كده مخدتش بالي من المكتوب
عليه وانا بشتريه…..بتحصل…..”
اختفت الابتسامة بتدريج وأكد
بفتور….
“اه بتحصل……”
بللت شفتيها وهي تحاول فتح حديث
معه ، فالقلب مشتاق والعقل يكابر…..
“غريبه انك عرفت ترجمة الكلمة بسرعة كده…”
تجهم سلطان قليلا قائلا ببرود….
“حد قالك عليا اني جاهل….ولا كل اللي شغال في الموبيليا وعايش في الساحة يبقا جاهل……”
قالت داليدا سريعا.
“مش القصد افتكرتك بتقرأ عربي بس….”
أجاب بصوتٍ أجوف…..
“وشويه إنجليزي فاخدي بالك وانتي بتشتري
هدومك بعد كده…..”
اومات براسها بحياء لتقول….
“هاخد بالي….بس اكيد مش قصده اللي مكتوب
عليها…..”
رد سلطان دون مبالاة….
“ولا قصدك في الحالتين مش هقربلك….”
كم حطمت الجملة قلبها…..واهانة انوثتها بشدة…وكانها لا تأثر عليه باي شكلا من
الأشكال؟!…..
تشنج جسدها وانعقد حاجبيها بألم فضمت
شفتيها بقوة حتى لا تبكي….
حانت من سلطان نظرة عليها فوجدها على هذه الحالة صامته قانطه…..
لم كل هذا الإزعاج البادي عليها الم تكن رغبتها منذ
البداية ألا يقترب منها…ماالذي تغير الان يامدللة ؟..
حاولت النزول من على الرخامة فأوقفها سلطان
قائلاً بحزم……
“راحه فين خليكي مكانك…..”
قالت بقنوط متحاشية النظر إليه….
“هشوف البسبوسه اللي في الفرن لحسان تتحرق..”
“انا هشوفها خليكي مكانك…..”انحنى سلطان يفتح
باب الفرن وباستخدام القفازات أخرج الصنية
التي اخذت لونًا ذهبيًا رائع تفوح منها رائحة
شهيه……
قالت داليدا بهدوء….
“حط عليها الشربات اللي عندك…وغطيها….”
فعل ما امرت به….ثم بعد ان إنتهى اقترب منها
وعيناه معلقة على تلك الكلمة والشفاة المطبوعة
حولها….توجسة داليدا قائلة….
“عايز اي ياسلطـ…..”
لم تكاد تكمل جملتها ووجدت نفسها منقلبه على رأسها بعد ان حملها على كتفه كشوال أرز
قالت بشفتين متكورتين وهي تغمض عينيها
ضاحكة عنوة عنها…..
“سلطان نزلني هقع كده….نزلني…..”
قال سلطان بحزم…..
“آخر مرة اشوفك في المطبخ طول ما انتي رجلك
لسه فيها الجبس……”
القاها على الاريكة برفق….ثم سحب وسادة صغيرة ووضعها تحت كاحلها المجبر….فسالته داليدا وهي ترى تدليله لها حتى وهو غاضب منها….
“مش هتاكل البسبوسة…..”
رفض بشدة وهو ينظر لعيناها….
“لا….مش دي اللي هتصلح اللي بينا ..”
غامت عيناها بالحزن فقالت…
“طب ممكن تاكُلها…وتكمل خصامك ليا عادي…حرام
ماتكولهاش وتكسر بخاطري…..”
التوت شفتيه في إبتسامة ساخرة….
“وبنسبة لخاطري وكرامتي…كانوا فين يابنت
عمي…”
رمشت بعيناها عدة مرات محاولة
التبرير…. “سلطان…..انا.. ”
اوقفها سلطان بصلابة….
“هشش بلاش تكملي…اي كلام هتقوليه هيزود مشاكلنا وكُرهنا…..”
اتسعت عينا داليدا بدهشة وقالت
مبهوته…
“كُرهنا ؟!….انت بتكرهني…..”
نظر لعيناها كنمر جريح قائلاً…..
“وليه لا ما انتي قولتيلي كذا مرة انك بتكرهيني
واخرهم من كام يوم !….”
شحب وجهها من شدة الحرج فقالت
متلعثمه….
“اي كلام بقوله وانا متعصبة بيكون كدب..بس انت دلوقتي بتقول انك بتكرهني وانت مش متعصب
دا معناه إيه…..”
سألها ببرود….. “معناه إيه…..”
قالت بنبرة تقطر وجع…
“معناه انك بتكرهني ياسلطان…..”
هز راسه ببساطه….. “يبقا انا بكرهك…..”
ترقرق الدمع في عينيها وهي تنظر
اليه بانكسار….
“بلاش توجعني بالكلام ده ياسلطان….”
بعد لحظة صمت قال بصوت خالي من
التعبير…..
“واشمعنا انتي بتعملي كده وانيل من كده كمان…”
قالت داليدا بحرج وهي تفرك في
يداها…. “انا عارفه اني غلط…..”
اوقفها سلطان هادرًا بحديث باتر منهي التبرير
الاهوج…..
“هو هو نفس الكلام..انا عارفه اني غلط.. وانا اسفه
ومش هتكرر تاني…ها وبعدين…بتكرري الاوسخ
منه…وانا الاهبل اللي بعدي وبفوت ليه لأنك…
صغيرة… ”
فصاح مسترسل بقسوة….
“لا مبقتيش صغيرة طالما اتجوزنا يبقا انتي بقيتي
ست بيت كبيرة وعاقلة عندك حياتك وبيتك
وجوزك..مش صغيرة عشان تمرمغي اسمي
وكرامتي في الوحل……”
ثم هدر بعنف ضامم قبضتاه بقوة جواره
كابح الوحش الثأر بداخله عنها….
“مش صغيرة عشان تكلمي انتي وصاحبتك على
واحد كنتي معاه قبلي…..كنتي ناويه تجوزيه
وتحطي راسنا كلنا في الطين……”
انتحبت داليدا وهي تقول بنفور…
“ممكن كفاية السيرة دي انا تعبت والله تعبت….”
صاح سلطان مغتاظٍ…….
“انتي اللي بتفتحيها… انتي اللي بتفكريني
بيها…..”
قالت داليدا وهي تمسح دموعها بظهر
يدها…
“انت عمرك مانستها اصلا…”
اكد وصدره يشتعل بنيران مستعارة….
“صح علشان علطول بشوفها في عينك…حبك
لراجل غيري……”
فغرت شفتيها هاتفه…”غيرك !!…سلطان……”
اوقفها وهو يقول بصوتٍ متهدج آثار
الأنفعال البادي عليه…..
“سلطان تعب وزهق منك….لا عارفه تحترميني
ولا تحترمي نفسك…..”
أبتعد عنها متجه الى غرفته نزع القميص عن
جسده فظهر نصفه العلوي حيث صدره العريض الأسمر المشدود وشعيرات النابته به وذراعيه القويتين وظهره الشامخ….وقف امام مرآه
الزينة يطلع الى صورته المعاكسة بها بنظرة
قاتمة غريبة….
فسمع حينها صوت نحيبها يتزايد اتكأ على اسنانه
وهو يحاول مقاومة مشاعره في الاندفاع اليها وصفعها عدة مرات ثم ضمها الى صدره بقوة
حتي توشم عليه !…
أفكار متناقضة ومشاعر ضعيفة داخله تنتمي إليها وحدها فبها يتصرف على غير عادته…و يضعف
ويتهاون من جديد معها……
خرج من الغرفة دون ان يكمل نزع ملابسه
فذهب اليها عاري الصدر ببنطال الخروج الذي
لم يبدله بعد…..جلس بجوارها عندما وجدها
تنخرط في بكاء مرير….بسبب عدة كلمات
جافة منه… وهي التي تسقيه العذاب في
كؤوس !..
“بطلي عياط…….. داليدا…..”
لم تتوقف بل ظلت تبكي بقلب مقهور….
فزفر سلطان وهو يجذبها الى احضانه
على صدره العاري ارتاحت براسها ومسد
هو على شعرها بحنان أبوي قائلاً بصوتٍ
مترفق….
“هششش…كفاية عياط…..كفاية ياداليدا….”
تحسست داليدا صدره بكفها الناعم الصغير
فأغمض سلطان عيناه بضعف وامساك بيدها
يوقفها عن ملامسته بهذا الشكل…..
فرفعت داليدا رأسها إليه هامسة بعذاب
وهي تتجرأ وتمسح على وجهه بيداها
برقة……
“انا آسفه…. اسفه ياسلطان….”
أبعد سلطان يداها وهو يحاول لملمت
شتاته…
“داليدا….داليدا….قولتلك مش هتتحل كده…”
أسبلت اهدابها بقنوط…
“شكلك كرهتني خلاص…..”
لوى سلطان شفتيه قائلاً…
“هيفرق معاكي……كرهتك ولا لا…..”
ابتعد سلطان عنها ناهضا.
“كفاية عياط….انا هروح اغير هدومي… شوية ورجعلك….. ”
عندما اولاها ظهره راحلا قالت داليدا من
خلفه بتردد…”هتاكل البسبوسة……”
استدار سلطان اليها متعجباً من انتقالها الى
المواضيع بكل هذه السرعة….
“كل المناحة دي عشان البسبوسة !…هاكلها ياداليدا
بس دا مش معناه اني سامحتك في اللي فات…. ”
عندما أبتعد ابتسمت داليدا من بين دموعها ستحاول إصلاح ما افسدته…ستحاول البدء معه من جديد
بجدية هذه المرة…ستحاول ان تنضج وتحترم
مكانتها في هذا البيت…..
بعد لحظات كان يجلس بجوارها على الاريكة يشاهد
ما تقوم به والابتسامة تتسلل من خلف شفتيه الغليظة وبدأت نظراته تلين وهو يتابعها
باستمتاع…..
بينما هي تحاول تقطيع (البسبوسة)بالسكين بكل قوتها وكلما حاولت غرز السكين بها تفشل بسبب صلابة البسبوسة !…..
“واضح ان البسبوسة باظت…..”
قالها سلطان مبتسماً….فعقدت داليدا حاجبيها حانقة….
“انا مش عارفه هي نشفه كده ليه…طب ما أميرة
بتعملها وبتطلع طريه وزي الفل….وانا عملتها زيها
بظبط……تفتكر العيب من مين ياسلطن… ”
قال ممتعضا بعد هذا التدليل….
“سلطن !…..لا مش عارف بصراحة…..مش بفهم
انا في الحاجات دي…. ”
سألته بحيرة…. “هرميها يعني…..”
هز سلطان رأسه بالموافقة معقباً….
“عندك حل تاني….ماهي مش هتتاكل كده برضو..”
زفرة محبطه وهي تنظر للصنية…..
“انا تعبت اوي وانا بعملها…..انا عملتها عشانك…”
هز سلطان راسه قائلاً
بمهاودة…
“كاني كلتها تسلم إيدك…..”
عبس وجه داليدا مزمجرة….
“متقوليش تسلم ايدك… بتاخدني على قد عقلي…
انت مدوقتهاش أصلا…”
قال سلطان برفق…..
“باين انها حلوة….وعشان اريحك…هاتي السكينة..”
سألته بريبة….. “هتعمل إيه…..”
“هاتي بس…..”اخذ منها السكين واتكأ عليها قليلاً اثناء التقطيع كي يتمكن من تقطيع قطعة من البسبوسة…وبالفعل اخرج قطعة منها واكلها
ومضغها بصعوبة…
كانت لذيذه الطعم المشكلة انها قاسية على الأسنان
لا تمضغ بسهولة……
إبتسمت داليدا ولمعة عيناها كالنجوم
وهي تسأله بجذل….
“ها ياسلطان حلوة…..”
اتته شرقة مفاجئة فسعل بقوة دون ان ينظر إليها
فمدت يدها له بكوب من الماء قائلة بهلع….
“بسم الله الرحمن الرحيم…قول الشهادة ياسلطان….دي أكيد عين وصابتك….”
اخذ سلطان الكوب منها وشربه دفعه واحده بوجهاً
وعينين حمراون كالدماء كمن كان يصارع الموت
منذ ثوانٍ…..
وضع الكوب بقوة على الطاولة مصدر صوت اجفلها فجعلها تنظر اليه بتوجس…..فقال سلطان
بخشونة…
“هي حلوة بس نشفه… لو عايزة تموتي حد
حطيها قدامه….”
غمغمت داليدا بخبث….
“ومالوا هشلها لحد ما عمتك وبنتها يزرونا….”
نظر لها سلطان بتحذير…فاسترسلت
بحرج….
“احم….احم… هحطها للبط فوق اهم يحلوا بيها…..”
اشاح بعيناه بعيدًا عنها فسالته بابتهاج…
“بس هي حلوة صح…..”
اوما سلطان بفتور….
“اه كويسة…. بنسبة لأول مرة كويسة….”
هتفت داليدا “المرة الجاية هـ….”
قاطعها سلطان بصفاقة…..
“مفيش مرة جايه….انسي موضوع الحلويات ده
ركزي في الطبيخ لما تفلحي في الطبيخ هتفلحي
في الحلويات……”
امتعضت شفتيها فورا فقالت
بسأم…..
“أفلح ؟!..جبر الخواطر على الله ياسطا….”
“كنتي هتموتيني….”قالها وهو يضع راسه على
فخذيها ممدد جسده على الاريكة الطويلة
(الركنة..)
“بعد الشر…..بتعمل إيه… “تسالت داليدا بخجل
وقلبٍ يخفق بجنون….
مسك جهاز التحكم وبدأ بفتح شاشة التلفاز
الكبيرة قائلاً بلا مبالاة…..
“هريح شويه هنا….في ماتش هيتذاع دلوقتي…”
شعر سلطان بجسده يشتد حرارة بعد ان أرتاح
براسه في حجرها الطري….
اما داليدا فبدأت بعفوية تمسد على شعره بحنان
وهي تتأمل ملامحه القريبة من القلب والوسامة المدغدغة للاعصاب……فهمست بعد لحظات
بعذاب…..
“سلطان لسه زعلان مني….”
لم يرد عليها فوراً بل طال الصمت بينهما برهة
ثم…ثم سالها بصوتٍ غريب…
“انتي لسه زعلانه ؟….”
ردت فوراً عالمة بانها المخطأه منذ
البداية…”لا طبعاً…..”
قال وعيناه معلقة على شاشة
التلفاز… “يبقا انا مش زعلان….”
ابتسمت داليدا بوله قائلة..”يعني صافي يالبن..”
أكد بنبرة متوعدة…..
“آه….بس المرة الجايه مفيهاش خصام…”
ازدردت ريقها مستفسرة….. “يعني إيه…..”
نظر إليها سلطان ومزال رأسه يرتاح على ساقيها…
قائلاً بعدها بأمر ونظرة نارية غير متهاونة…
“يعني إيه دي هتعرفيها لما تكرريها تاني… سيرة
اي راجل تاني على لسانك ممنوع….فتح سيرة
قديمة تاني بينك وبين صاحبتك او حتى بينك
وبين نفسك ممنوع…… احترميني واحترمي نفسك
لا انتي صغيرة ولا انا استحق منك قلة القيمة
دي……مفهوم… ”
اومات براسها بارتياع….. “مـ مـفهوم….”
عاد للشاشة التلفاز قائلاً
بغلاظة…..
“سبيني أسمع الماتش…..”
بعد نصف ساعة تقريباً كان قد غط في نوماً عميق وراسه تتوسد ساقيها…..
بللت شفتيها بحرج وهي تبتسم بحنان…فكم كان بريئا وجميلا في نومه كطفلا وديع…..
كيف لهذا ان يكون وحشا غاضباً ومكفهر طوال الوقت….وكيف تراه ملاك الآن لمجرد انه نائم ؟!..
بدأت تتحسس وجهه بحب متأمله ملامحه الرجولية
عن قرب…وسيم وسامة خشنة…خشونة رغم حدتها
محببة لقلبها…..
اقسى ما تواجهه في تلك الفترة… فهو أصبح لها عالمها بعد ان تخلى عنها الجميع …..
مالت عليه تطبع قبلة على جبهته هامسة
بندم..”انا آسفه…..”
بعد ان رفعت رأسها وجدته يسحب يدها عن وجهه
ويقبلها هامساً بعينين مغمضتين…..
“بحبك ياداليدا……..”
فغرت شفتيها متسعة الأعين بصدمة تنظر اليه
بعدم تصديق وقد اختلج قلبها بين اضلعها
بشدة….


reaction:

تعليقات

3 تعليقات
إرسال تعليق

إرسال تعليق