رواية الحب أولا كاملة بقلم دهب عطية عبر مدونة كوكب الروايات
رواية الحب أولا الفصل السادس عشر 16
بقلب غرفة نومهما الشاسعة تجلس على حافة الفراش مطرقة برأسها كالمذنبون ممن ارتكبوا خطاء
لا يغتفر….. خطأ كان كوصمة عار على جبينها يلازم
حياتها ليلاً ونهاراً…
تراه في العيون مترصداً لها.. تراه محقن بالكلمات
الموجهةٍ لها…. تراه في الصمت يقصف في الأذان
كالرعد !… سيظل الخطأ وصمة عارٍ تنغص حياتها الى الأبد……
لن يحبها أحد… لن يثق بها أحد…لن تحيا كاي فتاة
في سنها….ولن تعمر تلك العلاقة ستظل على
المحك !!……
اخرجت نفساً مرتجفا بالخوف وهي ترفع عينيها
الامعه بالدموع اليه……
قلبها يختلج بالرعب…..وهي تراه يوليها ظهره
المتشنج من شدة الغضب.. بين يداه يقلب في
الهاتف الخاص بها….والتي يتم مراقبة كل شيءٍ
به من خلال أحد البرامج الذي وضعها على هاتفه لزيادة حرصٍ !…..
فهو لا يثق بها….
لا أحد يثق بها….
اسبلت اهدابها مجددًا بصمت والدموع تسيل من عينيها بكثرة…مؤلم هذا الشعور والقلب لا يحتمل مرارته ، كيف لنا ان نحيا مع أناس يشككون بنا….ينتظرون طعناتنا القادمة…يرونا وحوشًا
سننقض عليهم في للحظة غدر…….
استدار لها سلطان بملامح سوداوية جامدة
مهيبة ومرعبة…….
“عرفتي منين انه بطل……”
كرر السؤال وعيناه تؤكد التهمة دون إجابة منها بل ان بعد التعمن في غضبه تراه يفكر كيف سيعاقبها على خيانتها له !……
نظرة الى نيران عيناه عواصف نشبت حربٍ ضارية
مواجهة لها وحدها…..
صرخ سلطان بنفاذ
صبر….
“انطقي ساكته ليه……”
فركت في يداها بعصبية جالسة بعجز امام
هجومة العنيف….
“كان رد غبي انا معرفش عنه حاجة….. انا معرفش
عنه حاجة والله…….”
قطع المسافة بينهما وجثى على ركبته يمسك
ذراعيها بين قبضتاه بغضب سافر صارخاً…..
“انتي كدابة انتوا لسه بتكلموا…. بتستغفليني..حتة
عيلة زيك غبية وتافهة….مش قادرة تفهم وضعها
دلوقتي إيه….مش قادره تفهم من غباءها ان
اسمي وسمعتي بين ايديها… حتى لو كنتي
مراتي بالاسم… انتي مراتي…..مراتي فاهمة.. ”
نزلت دموعها بغزارة وهي تغمض جفنيها بخوف
وجسدها ينتفض برهبة بين قبضتاه القويتان..
فصرخ هو بقساوة وعيناه كانت تشتعل بجنون
كمن فقد السيطرة على نفسه……
“عملالي فيها حبيبه….. بتكلموا من امتى وفين.. وازي…أكيد عمله حسابك ومكلمتهوش في التلفون عشان عارفة اني مراقبة…. مش كده بتكلمي إزاي…انطقي… انطقي…. ”
بدا يهزها بعنفاً ويصرخ فيها بجنون جعلها تهتف
بصوتٍ منتحب مهتز……
“اقسم بالله ما اعرف عنه حاجة… والله كان رد غبي
عارفه… واكيد مش مصدق اني مش بكلمه بس دي الحقيقه…… انا مش معايا تلفونات غير التلفون ده
وبكلمك انت وماما واميرة وكيان وجنة… والله
ما بكلم حد تاني غيركم…..”
فتحت عيناها الحمراون امام عيناه المتجهمة الغير
متهاونة والتي تشكك في كل حرف نطقت به…..
فاسترسلت بوهن معتذرة……..
“والله كان رد غبي عارفه…. والله ما اعرف عنه
حاجة من آخر مرة….والله ما خانتك….. والله…..”
انفجرت شفتيها بصرخة مرعبة عندما قبض
سلطان على فكها بقوة يعتصره بين قبضته
الفولاذية وهو يقول بصوت مهيبًا….
“في يوم من الأيام هتكون نهايتك على أيدي.. مش هرحمك لو اكتشفت انك فعلًا بتخونيني… مش هرحمك….. هقتلك……هتقلك ياداليدا سامعة…. ”
همست بغصة مختنقة ونصف وجهها بين قبضته
معتصرا……..
“لو موتي هيريحك…. اعمل كده وخلصني…”
ازدادت ملامحه حدة ونظراته خطورة …فقالت بعذاب وهي تبكي وسيل دموعها يهبط بخطٍ
مستقيم ينتهي عند قبضة يده متوارياً ، ملامسا قساوة لا تلين حتى برؤية دموعها !……
“انا مش مبسوطه في حياتي دي….مش مبسوطه..”
فور نطقها بهذا اتكا سلطان اكتر على وجهها بقسوة…..مهسهساً بشرٍ……
“ومين قالك اني متجوزك عشان ابسطك… انا متجوزك عشان ادفنك هنا بين الحيطان دي…. زي
ما ابوكي عايز…. وزي ما كلهم عايزين……”
زاد انكسار عيناها وحزنهما عمقاً..فظلت صامته رغم
الالم المنبعث من نصف وجهها الذي يقبض عليه
دون رحمة….هسهس مجدداً بنبرة أشد
خطورة…….
“مش هتخرجي من هنا غير على قبرك ياداليدا…”
تركها أخيراً فمسحت دموعها بظهر يدها
هاتفها من بين بكاؤها الهيستيري….
“انا بكرهكم……بكرهكم….وبكرهك…..”
لم يتحرك من مكانه بل كان هو وغضبه امامها
بالمرصاد وكذلك رد بنبرة تقطر ندمًا….
“مش قد الكره اللي في قلبي ناحيتك….انا قرفان
منك….وقرفان من نفسي اني قبلت أتجوز واحده
زيك……واحده …..”
اتكات على شفتيه حتى لا يخرج مايندم عليه
فيما بعد……لكن وسط دموعها قالت بجنون….
“كمل أيوا انا كده…وكلكم شايفني كده….يبقا انا
كده فعلًا….كمل وقولها….. قولها ياسلطان……اني
*… ”
ضربها سلطان على فمها عدة مرات
بعنفاً….محاولا اسكتها…..
“اخرسي….اخرسي……اخرسي بقولك…. ”
صاحت داليدا بعنفًا وهي تتفادى ضربات يده…
“دا اللي انت شايفه…..وكلهم شايفينوا….اني واحدة
****……انا كده طلقني وسبني أروح لحال سبيلي
لا عيزاك ولا عايزة أهلي……ولا عايز حد…..”
مسكها من ذراعيها وقربها منه فجأه
بجنون صارخاً….
“عايزاني اطلقك عشان تروحيله….دا انا قتلك ولا اسيبك ليه ياداليدا……اقتلك سامعة…..”
ابتلعت لسانها وهي ترى في عيناه ومضٍ مختلفا
جعلها تهابه اكثر من السابق……التوت شفتي سلطان
بسخرية هاتفاً وهو يشير على الباب المغلق عليهما حيث تنتظر كيان بالخارج رافضة المغادرة دون
ان تطمئن على صديقتها……عالمة ان سلطان لن
يتهور في وجودها……
“من غباءك…حاكيه لكيان عن كل حاجة…..مبسوطه
بعلمتك السودة….مش فارق حتى معاكي شكلي وشكل اهلي قدامها…….”
لم ترد داليدا بل بلعت غصة مختنقة منتظرة
الاسوء….. وبالفعل تابع بملامح واجمة وبنظرة
نافذة….
“أخوها صاحب عمري ميعرفش حاجة عننا ولا حتى
اتجوزنا ليه…وانتي بكل غباء حاكيلها…احكي…أحكي
للي يعجبك……
تعلم جيداً انه لن يضربها بوجود كيان لذا اختار ضربها بالكلمات…..وضرب بالكلمات يعني آلامًا
حتى الموت !!….
“قوللهم انك هربتي مع واحد صايع اهلك رفضوه..
فقولتي اكسر عينهم واتجوز من وراهم….ساعتها اخلي راسهم في الطين…..ميقدروش يرفعوا راسهم
في الحته…….قوللهم….انك روحتي معاه شقة مفروشة لوحدكم بشنطة هدومك….بعد ما هربتي
من بيتكم الفجر معاه……
أحنت داليدا راسها ودخلت في نوبة بكاء مريرة..
لم يرحمها وهو يتابع بصوت خالي من الحياة…
“قوللهم ان ابن عمي جالنا الشقة وشافنا سوا…وقرر
يستر عليا فأتجوزني وحبسني في شقته….قوللهم
انك مظلومة وان قسوة اهلك وبعدهم عنك ظلم
ليكي…..
بدأت تخرج الشهقات من بين شفتيها الحمراء
بعذاب..فاسترسل وهو يصب جام غضبه المتبقي عليها……
“وقسوة ابن عمك عليكي افترى….وازاي يحبسك
ويراقب تلفونك مستني غلطه منك…قوللهم ان احنا
وحشين وانك مظلومة معانا……”
وضعت يداها على اذنيها وهي تبكي بقوة
لا تحتمل القادم منه…..لكنه لم يرحمها وهو
يسحب يداها بعنف وداخلها رغبة شيطانية في ضربها حتى الموت….صاح بنبرة هازلة…..
“لو جدعه ارفعي ايدك للسما وادعي علينا…يمكن
ربنا ياخُدنا ونريحك بدري بدري…وتعرفي تمشي
على حل شعرك…….مع عادل او غيره……”
ازداد نشيج صدرها علوًا وبكت بعنف لم تبكِ به
يوماً في حياتها……فابتسم هو بسادية هاتفا
بقسوة…..
“عيطي…..عيطي ياداليدا….ياريت الدموع تقدر تنضفك……ياريت يابنت عمي……”
لم تشعر بانه خرج من الغرفة وتركها بعدها لدموعها
ومأسيها لم تشعر الى بصوت كيان الدافئ ينتشلها
من بئرها البارد……وينير ظلامها…..عندما سحبتها
الى احضانها وربتت عليها هامسة بقلق…
“داليدا……. داليدا…..”
لم ترد داليدا بل ظلت باحضانها تبكِ
دون توقف…….فظلت كيان تربت على كتفها
وتمسد على شعرها سائلة برعبٍ……
“اهدي……أهدي……ضربك؟…..ضربك؟…..”
لم ترد داليدا مجدداً لم تخرج الا شهقات متمزقة
ودموع متحسرة…….ومع ذلك ظلت كيان جوارها
تسالها كل دقيقة وتناديها بوجل كل ثانيتين….
ومع ذلك لم تتفوه داليدا بحرف ولم تهدأ الا بعد مدة طويلة…..
………………………………………………………………
زفرة كيان بحنق وهي تنزل الهاتف عن
اذنها…
“حمزة البارد…… مرضاش يخليني ابات معاكي…
مع اني قولتلوا ان جوزك مش في البيت….قالي
هاجي اخدك كمان ساعة…. ”
نظرة لها داليدا بوجها باهت وعينين حمراوين مبللتين بالدموع……ولم تعقب بل ساد صمتاً كئيبا
مجددا بينهما…
اقتربت منها كيان على مهل وجلست جوارها ثم مسدت على كتفها وظهرها قائلة باعتذار…..
“انا اسفه ياداليدا…..كل اللي حصل ده بسببي..
لو مكنتش اتكلمت……”
اطبقت كيان على شفتيها بغضب تلوم نفسها للمرة الألف…….
أسبلت داليدا اهدابها ونظرة الى الهاتف بين يداها
وعادة تتصل به من جديد لكن هاتفه مزال مغلق…
اخرجت داليدا تنهيدة مرتجفة وترقرقت عيناها مجددًا بالدموع قائلة بخوف…..
“تلفونه لسه مقفول……انا خايفه عليه أوي…..”
نظرة لها كيان متعجبة من ردة فعلها…فقالت بدهشة…..
“خايفه عليه؟!……بعد اللي قالوا ياداليدا…..”
سالت الدموع من عيناها الشاردة وقالت
بشجن يقطر ندم….
“عنده حق….انا فعلاً غلطانه….ومش مقدرة اني بقيت
مراته….لسه بتعامل معاه على اني بنت عمه الصغيرة
اللي يحق لها تكلم وتصرف زي ماهي عايزة….في حضورة او غيابة….هو عنده حق يا كيان…..انا غلطانه
من الأول……عنده حق يشك فيا…. ويقول اللي
قاله… ”
سالتها كيان بتريث…..
“قوليلي بصراحة ياداليدا هو ضربك…….مد ايده عليكي؟…”
هزت راسها بنفي والكلمات مزالت تخترق ثقب
اذانها كالسهام الحادة……
“ياريته عمل كده…..بس هو دبحني بالكلام…قال
كلام وجعني أوي……”
ربتت كيان على كتفها
بشفقة…..
“اهدي ياحبيبتي….. أهدي…..”
نظرت لها داليدا بقلق….
“انا قلقانه عليه اوي…. تفتكري حصله حاجه….”
انعقد حاجبا كيان فوبختها برفق….
“بلاش تشائم خير ان شاءالله….زمانه جاي…..”
نظرت داليدا للساعة التي تشير لنصف
الليل….وقالت بلوعة….
“اتأخر أوي….طب حتى يفتح تلفونه عشان اطمن…”
اتسعت عينا كيان وتشدقت
بتعجب…
“داليدا انتي بتحبيه ؟!….”
هزت داليدا كتفيها وهي تضع يدها على صدرها بوجع…….
“معرفش…..معرفش…….انا قلبي وجعني اوي و زعلانه اني زعلته….. زعلانه اني سمعت منه الكلام ده… انا خايفه يكون بيكرهني…مش هستحمل كرهه وبعده عني تاني…..مش هستحمله يا كيان……. ”
لمعة عينا كيان بدموع فزفرة بدهشة وهي تبتسم
بتاثر…….
“آه….. ياربي…..انتي بتحبيه…..بتحبيه ياداليدا….”
مسحت داليدا دموعها عاجزة عن إجابةٍ صحيحة فمشاعرها متضاربة الآن…..
“مش عارفه……مش عارفه…….”
سحبتها كيان لاحضانها تمسد على شعرها
و ظهرها بحنان بالغ تبث الطمأنينة بعدة
كلمات رقيقة…..
“اهدي ياديدا….اهدي زمانه جاي اطمني……مش هيقدر يبعد كتير….أكيد أول ما يهدى هيرجع…
هيرجع تاني…….”
“ياريت…” كان اخر شيءٍ تهمس به قبل ان تذهب
في ثبات عميق على الاريكة في أحضان رفيقتها…..
نظرت لها كيان بشفقة شاعره بذنب نحوها فلو كانت
مسكت لسانها السليط ما كان انفتح الموضوع من الأساس……
اخرجت تنهيدة مثقلة بتعب والهموم ثم حملت حقيبتها واتجهت الى باب الخروج من الشقة
تاركه داليدا نائمة على الاريكة بعد ان رفضت الدخول لغرفة النوم…مصرة على البقاء بانتظار
زوجها…… تركتها بعد ان دثرتها بالشرشف
واخفضت الاضاءة ورحلت…..
بالاسفل استقلت سيارة اخيها بجواره وقالت بتزمر…….
“كان فيها اي يعني لو سبتني ابات معاها بقولك تعبانه……”
زمجر حمزة وهو يلكزها في كتفها
بغضب….
“تباتي عند مين انتي اتهبلتي…..”
تحسست كيان كتفها وهتفت
بضجر….
“جوزها مش فوق ياحمزة……”
رد حمزة بخشونة…..
“زمانه جاي انا لسه قافل معاه……”
برقة عيناها وهتفت بلهفة…
“بجد هو كويس….”
ضربها حمزة على مؤخرة عنقها….
“وانتي مال أهلك…. ما تخليكي في حالك….”
كورة قبضة يدها ولكمته في فكه
صائحة….
“بسأل عشانها يا بارد…..”
صفعها بخفة على وجنتها هاتفاً ببرود…
“هي تساله السؤال ده لما تشوفه… وبعدين اتنين
متجوزين متخانقين شويه تحشري انتي نفسك بينهم ليه متخلي عندك شويه من الأحمر وسبيهم
يحلوا مشاكلهم على انفراد……”
ضاقت عينا كيان بشك قائلة…
“مين قالك ان هما متخانقين……هو حكالك.. ”
رد حمزة بصلابة…..
“ويحكيلي بتاع إيه… مشاكل عائلية مليش دخل
فيها هو مقالش حاجه باين على صوته…..”
زمت شفتيها بملل شديد…..
“طب اطلع لو سمحت انا جعانه وتعبانه وعايزة أنام….”
أدار حمزة مقود السيارة قائلاً بمرح….
“شهد كانت عامله حتة طبخة النهاردة حكاية..”
لمعة عينا كيان بابتهاج….. “افتكاسه….”
بادلها الابتسامة مؤكداً….. “احلى افتكاسة……”
انطلق بسيارة بعدها وسط تبادل من الأحاديث
والمناغشات بينهما……
………………………………………………………..
دخل من باب الشقة بعد صلاة الفجر…..فوجد الشقة مظلمة عدا نور الصالون حيثُ وجدها نائمة على الاريكة تندثر تحت الغطاء وينسدل شعرها الناعم
أرضا قليلاً بسبب ميل رأسها….
اتجه اليها بتنهيدة تحرق امعائه أكثر ثم مالى عليها
قليلاً وبدلا من عدل رأسها حملها سريعاً على ذراعيه
متجه بها الى غرفة النوم…بملامح أشد صلابة ونظرات أشد خطورة مراوضا شياطين غضبه
الان باعجوبة…….
وضعها على الفراش على مهل……ودثر جسدها بالاغطية برفق ثم القى عليها نظرة عابرة قبل ان يخرج لكنها اوقفت ابتعاده عنها بصوتٍ ناعس حزين……
“سلطان……امتى جيت…..”
توقف مكانه وتشنج جسده ودون النظر رد بخشونة……
“لسه دلوقت…..اي اللي نايمك برا…..”
ردت بحزن……. “كنت مستنياك…..”
لم تلين ملامحه فقال بخشونة….
“اديني جيت….. نامي…..”
تحرك خطوة فسالت بولة…… “رايح فين…..”
رد مجدداً دون النظر اليها بنبرة اشد صلابة….
“هنام في الأوضة التانيه..خليكي في السرير ده
عشان رجلك……”
لم تيأس وهي تترجاه بصوتٍ
ثملاً…
“ينفع تنام جمبي…….”
دون النظر رفض بجمود…..
“لا……نامي….ولو عوزتي حاجه ابقي نادي عليا…”
عندما خرج من الغرفة وتركها….نظرت للسقف في الظلام شاعرة بالحيطان تضيق بها من كل اتجاه
فاغمضت عيناها وتجرعت مرارة الكلمات مجدداً
ووجدت الدموع الطريق لعيناها…..
ام هو فالقى جسده على الفراش واغمض عيناه بأرهاق بعد قضاء لليلة مضنية بين شوراع الساحة
كالمعتوه….في محاولة أجاد راحة بعيداً عن مكان يحمل عطرها وانفاسها وصوتها…..
وفالنهاية إنتهى به الحال الآن في غرفةٍ متشربة
من عطرها وفراش حمل نعومة جسدها محتفظا برائحة انفاسها به…….
فاين الخلاص منكِ يا ابنة العم !!…
………………………………………………………….
في مكان مظلم ليس لهُ ملامح تبين لها اين هي
تقف بثوب قمري جميل يضوي بشدة تتألق به
تاركة شعرها الأسود حرًا طليق على ظهرها……
وقفت تراقب القادم عليها من بين الظلام بخوف حتى ظهر اليها وعرفته من ملامح تحفظها على
ظهر قلبها.. فضحكت اليه بخجل وسارت اليه
بخطوات سريعة ، تقطع المسافة بينهما لتكن
أمامه مباشرةٍ….
أبتسم لها بحب وافتنها بالكلمات ثم أحتوى خصرها
وضمها لأحضانه فتنهدت هي بارتياح هامسة بقلب
ولهان في الحب…..
(وحشتني اوي ياعادل….)
لم يرد فأنعقد حاجبيها وهي تبتعد عنه متزمرة…لتجد
وجه سلطان مكانه ينظر اليها بإبتسامة رائعة جذابة
جعلت قلبها يختلج بالخوف…..وقالت بوجها شاحب
قارب على اللون الرمادي من شدة الرهبة والصدمة من وجوده حتى انها ابتعدت عدة خطوات عنه
(سلطان…..سـ…سلطان انا…..)
اقترب منها هو عدد الخطوات التي ابتعدتها عنه ثم
حجز وجهها بين راحتيه بحنان بالغ…..
(مالك ياداليدا خايفه من إيه……)
همست بشفاه ترتجف بشدة….
(انا…..انا اسـ…..انا اسفه…..)
اتسعت عيناها بشدة وهي تنظر خلف كتفه لتجد عادل يشهر سلاحه على ظهر سلطان بابتسامة شيطانية في لحظة كان بها سلطان يصب كل
تركيزه عليها متغافلا عن الغدر القادم خلفه…..
صرخت وهي تبعد سلطان عن الهدف لتضع جسدها هو هدف طلقات النار التي اخترقت جسدها ولم تصبها بأذى رغم انها من تلقتها لكن سلطان هو من سالت دماؤه وطاح أرضا أسفل قدميها فتحول ثوبها القمري فجأة للأسود الحالك !!…..
نهضت عن الفراش شاهقة شهقة الغريق قبل ان تصرخ صرخة المغيث……فاتى سلطان الى الغرفة
سريعاً واضاء الأنوار سائلا برفق وهو يقترب
منها….
“مالك ياداليدا…..بتصوتي ليه……”
بدأت تاخذ انفاسها بصعوبة وهي تبكي ويداها الاثنين تتشبث به هاتفه وسط شهقاتٍ عالية
وأنين يقطع نياط القلب…..
“خليك جمبي….خليك جمبي ياسلطان…..”
كانت حالتها يُرثى لها مما جعله يقول بهدوء
وهو ياخذها في احضانه مشفقا عليها…..
“انا معاكي….أهدي….كان كابوس…..كان كابوس…”
كابوس ؟!….أخشى ان يكون جرس إنذار لنا
جميعًا..
هتف بها عقلها المرتاع في ظلام المخاوف……
…………………………………………………………..
كان يجلس في شرفة غرفته… ينفث في سجارته
بشراهة عيناها شاردةٍ وملامحه متشنجة تحمل
كم كبير من الانفعالات……
حتى الآن غير مصدق انه انفصل عنها… أخذ القرار
في خلال دقيقتين نقاش والقى الوداع ورحل..
كيف تلاشى حبهما بهذه السرعة… وكانه لم
يكن !! …..
وضع السجارة في مرمدة السجائر ثم رفع راسه للأعلى سانداً على حافة ظهر المقعد….ناظرًا بعيناه القاتمة لزرقة السماء الصافية والشمس الناصعة الحارة….
وللطيور المحلقة بالاعلى تهاجر من موطناً لاخر…..تبحث عن مأوى عن راحة عن حياة
أفضل….
مثل قلبه أراد ان يهاجر الى أبعد مكان…باحثا عن الحب الحياة الزوجية مع أمرأه تسعى لرضاه
وتذوب في هواه كما يذوب هو بين شفتيها
عندما تنطق إسمه…..
اتراه أختار شيءٍ كثير عليه…أكبر من المتوقع…
اتراه اخطاء عندما فكر في الزواج والاستقلال العائلي…
لماذا لم يكن كباقي اصدقاؤه يلهو ويلعب بالقمار
والنساء والخمر…مستغلا الثروة المهولة واسمه
الامع في إمتاع نفسه كما يفعل البعض……
ربما لانه نشاء بين عائلة سوية ،كانت تتمتع بالحب
والإحترام وصبر وأيضاً المعاشرة الطيبة…
لم يرى الحب نكرة والزواج تعاسة والأطفال هم
نهاية مأسوية للحب والزواج كما كانت تقنعة
ايتن دومًا بافكارها النشاز التي جعلت منه
نقيضا لشخصه……
كيف سمح لها ان تلعب بعقله وتغير مبادئه
وتلوث أفكاره وتمحي فطرة الأمان داخله…
أهو الحب الأعمى الذي يخشاه الجميع….ام انه شعار
المغيبون امثاله ممن يرفعوا الافِتات بفخر هاتفين
بأن(الحب أولًا..)والباقية تاتي مع الوقت !…
ليس الحب كافٍ..وان اتى أولًا هذا لا يعني أبداً انه كافٍ فلمعة الحب تنتهي حينما ننغمس في لذاتُ وعندئذٍ يترك أثر مؤلماً نفشل في مدواته بمفردنا..
فنظل ندور في دوائر صغيرة مغلقة حتى ننهزم ونحني رؤوسنا بأسف !…..
“دا شكل الموضوع كبير أوي……”
فاق من شروده على صوت والده الذي اتخذ مقعدا
مقابل له….ثم نظر له بتمعن وتراقب…
نظرة الآباء…تلك النظرة التي تجردنا فتكشف دواخلنا
دون بوح…….
“مالك يا سليم…من إمبارح وانت مش مظبوط…في إيه…انت متعارك مع خطبتك…..”
رد سليم مقتضبًا…. “مفيش عراك ولا حاجه……”
زم والده شفتيه بعدم رضا…..
“لو فيه بينكم اي مشاكل حاولوا تحلوها…مش معقول تبقوا بالمنظر ده يوم فراحكم….المعازيم
هيقولوا انكم مغصوبين……واحنا مصدقنا انكم
هتجوزوا…….”
قال سليم بجمود……
“مفيش جواز يابابا….انا وايتن سيبنا بعض…..”
ارتفع حاجب والده بصدمة…
“سبتها ؟!….ليه يا سليم…..اي اللي حصل……”
قال سليم بوجوم…..
“اللي حصل اني فوقت واكتشفت ان عندك حق…
ايتن مش شبهي ولا انا شبها…..”
عبس وجه والده معترضًا……
“وجاي تكتشف ده قرب فرحكم…..انت عايز الناس
تقول على البنت إيه…..سُمعتها يابني…..”
تذوق سليم الكلمة شاعرًا بقبضة نارية تداهم
امعائة……..
“سُمعتها ؟!….لا من الناحية دي أطمن خالص…”
نداه والده بضيق بالغ محذراً…”سليم…..”
تافف سليم متذمراً…..
“انا خدت قراري ومش هرجع فيه……”
عقد والده ساعديه امام صدره وضاقت عيناه
سائلا بشك……
“انت كبير وعارف مصلحتك فين…..ودي حياتك ومن حقك تختار الست اللي تشاركك فيها….بس فهمني
اي اللي خلاك تقرر فجأة كده تسبها…..”
نظر سليم لوالده لبرهة…..ثم اخرج تنهيدة طويلة وبدأ بالحديث بمنتهى الصراحة كما عوده والده
منذ الصغر……
“احنا طول عمرنا صحاب يابابا…وانت ربتني على الصراحة من صغري…..”استرسل الحديث بحرج….
“ايتن مش مناسبة ليا…..مش هنكر اني من سنتين بس كنت مهوس بيها…بنت جميلة وشيك… وخده
شهادتها من أحسن الجامعات في انجلترا….. باباها
رجل أعمال كبير…..مستواها كان مناسب ليا…فيها
كل الموصفات اللي بدور عليها كانت مناسبة
جداً….”
عندما توقف سليم عن الحديث….استلم والده
دفة الحديث مشيراً على عقل ابنه ثم قلبه……
“كانت مناسبة لده……. مش لده……”
هز سليم راسه متعرفًا….فقال والده بصوتٍ
رزين وكانه يقرأ المسطر في عين ابنه
الوحيد….
“افتكرت انك حبتها لما عقلك اقنعك بيها….ملت قناعتك و زاد غرورك بارتباطك ببنت زيها جمال وحسب ونصب ومستوى الإفرنج يحسدك عليه
الكل…..فنسيت قناعة قلبك…فأول ماقلبك دق
لغيرها اتقلبت كل الموازين…وبقيت محتار بين
انك ترضي عقلك وقلبك…..شويه تروح هنا
وشوية ترجع هنا……متحير بينهم…. ”
شحب وجه سليم فجأه…. فقاطع
والده…. “بابا……”
اوقفه والده باشارة من يده وهو يسترد حديثه
قائلاً بجدية شديدة…..
“سبني أكمل كلامي….كلنا بنحط مواصفات قياسية لشخص اللي هنرتبط بيه…بس لم بنحب.. بنحب حد عكس اللي خططنا له…. وعكسها هو اللي خلانا نحبه….”
شرد سليم وصورة كيان تداعب خيالة..ثرثرتها
ضحكاتها… بساطتها…خفة ظلها..جمالها وعيناها
الفيروزية البراقة.. كوبها الطفولي الأصفر…فطورها الغريب الذيذ…حبها النقي للغير وكرهها الشديد لوالدها….
تتفانى في العمل بجد….مخلصة في الصداقة…
رائعة في الود….اين ذهبت عصفورة الكناري خاصته…..اين ذهبت؟!….
تابع والده بهدوء وعيناه مثبته عليه…..
“الجمال مع الوقت بيروح..الفلوس ممكن كمان
تضيع الإسم المنقوش بالدهب ممكن تلاقيه دهب صيني مغشوش……حتى الشهادة مع شخص مش طموح معندوش أهداف لبكرة بتكون زي الشهادات
المتربة المتعلقة على الحيطان سنين بهدف المنظرة……”
اضاف والده برفق…..
“لو الحب عيب او حرام….مكنش ربنا جعله بينا..
من حقك تختار اللي يعجبك…من حقك تحط الموصفات اللي تناسبك…بس مش من حقك
تغصب قلبك على حاجة مش عايزها…ولا
تلومه على حاجة اختارها ليه ربنا…. ”
ثم غامت عينا والده بالحزن مضيفًا……
“الحياة يا ابني تجارب..مرة هتقع ومرة هتقوم…مرة
هتخسر…ومرة هتكسب….وعشان تتعلم في الدنيا
لازم تخسر حاجات بتحبها……يمكن بعد كده تعرف
تحافظ على غيرها……”
ابتلعهما الصمت للحظات كانت كالدهر بنسبة
لسليم الذي سأل والده بتردد……
“قصدك ايه بقلبي دق لغيرها……”
أبتسم والده بالؤم يذكره…
“دي الإجابة اللي مستنيها منك….من أول يوم شوفتها فيه…..وشوفت اهتمامك وغيرتك
عليها… ”
اشاح سليم بوجهه
قائلاً…
“انت فاهم غلط يابابا……”
دخل المستشار سريعاً في صلب الموضوع
دون مراوغة أكثر……
“كيان بنت جميلة وطيبة وبتفكرني بأمك وده
مقدرتش اشوفه في ايتن للأسف… كيان تستاهل تكون مرات ابني….انا معنديش مانع خالص بس قبل كل ده….تدي لنفسك وقت تخرج من الحالة اللي انت فيها…ساعتها انا معنديش مانع تاني اطلبها من ابوها بنفسي….”
اكفهر وجه سليم فقال بنفور من فكرة
الارتباط مجددًا…
“انا مش عايز لكيان ولا غيرها….كفاية كده….”
اوما والده براسه بتفهم قائلاً بحنو…..
“ادي لنفسك وقت….وحاول ترجع لمكتبك وللقضايا
بتاعتك…..شغلك هو اللي هيطلعك من اللي انت فيه…..”
أبتسم سليم مدعي المرح….
“ربنا يسهل ياسيادة المستشار……”
نهض والده عن مقعده وبابتسامة بشوشة ربت
على كتفه قبل ان يبتعد……
“تمام يامتر……انا هروح اشوف الأكل اللي في الفرن……وتعالى ورايا… عشان عندك مواعين.. ”
عندما ابتعد والده رفع سليم حاجبه
بصدمة متشدقاً….
“مواعين؟!…..ضاعت الهيبة……”
يبدو أن والده لا يقدر الحالة المزاجية
السيئة الذي يمر بها…وكأن غسل الأواني
قادر على إسعاده ؟!…..
………………………………………………………………
زفرة بانزعاج وهي تحك في راسها للمرة المائة لعلها
تستوعب ملف القضية امامها لعلها تفك شفرتها وينتهي هذا الضغط……
العمل في مكتب المحامي (خليل الصواح..)مرهق جداً…..خصوصا عندما تريد استشارة منه….
ترى القيامة في عيناه البغيضة وكانها تريد
سرقته…..ياالهي الرجل لا يطاق…والعمل معه
مرهق وشاق انه أسوء من سليم الجندي بمراحل….
ربما العمل مع رجلا وسيم كسليم كان يهون أفعاله
البغيضة والتسلط العين…..لكن ماذا عن خليل رجل في عمر الخمسون عام يتعامل مع الجميع وكانهم
أطفال في الروضة……
زفرة وهي تدقق النظر في سطور الملف
محدثه نفسها بنزق…..
“كان مالها فنون جميلة ياكيان…كان مالها يابومه…”
عضت على باطن شفتيها مؤنبة نفسها
اكثر…
“رفستي النعمة ياحزينة اشربي بقا…..ماله سليم.. ”
في نفس المكتب المشترك الذي يتضمن ثلاث
مكاتب بالمكتب الجالسة خلفه…ومكتب نائل
زميل الدراسة…..ويارا صديقتها والتي قالت
برفق تهون عليها….
“يابنتي أصبري بكرة تتعودي….طب والله بيعاملك
كويس….فاكر يانائل أول ما شتغلنا معاه…..”
مط شفتاه عابساً…… “وهو ده يوم يتنسي….”
ثم نظر الى كيان بنظرة تخصها وحدة وقال
بمرح……
“انتي في نعمة ياكيان…..”
زمت كيان شفتيها بقرف…..
“كل ده وفي نعمة دا ناقص يرميني من الشباك..”
“كيااااااان…..”
انتفضت كيان واقفه وكذلك فعل زملاؤها….احتراما
لرب عملهم الذي اقتحم المكان بملامح تنذر بالخطر
كعادته دوماً……..
سالته كيان بارتياب….
“ايوا يا أستاذ خليل…….خير… ”
نظر الى الملف امامها ثم سالها
باقتضاب…
“اي اخبار القضية اللي ادتهالك تدرسيها…..كتبتي
المذكرة….. ”
ارجعت خصلة من شعرها البندقي للخلف ثم قالت بتلعثم…… “لسه بـ بدرسها…..”
انفعل خليل مستنكراً اجابتها…..
“اي التهريج ده بقالك تلات ساعات بتدرسيها..ده تسيب……”وزع نظراته على ثلاثتهم قائلاً
بترفع….
“دا وانا في سنكم……”
تمتمت كيان بخفوت…. “بدأنا الفشخرة الكدابة…..”
تابع خليل قائلاً…..
“كنت بحل اجعصها قضية في عشر دقايق…..”
تمتمت كيان ببرود……. “وحياة أمك….”
نظر لها خليل بشك…..
“بتبرطمي تقولي ايه ياكيان……”
ابتسمت له بصفاء ثم قالت بنبرة مصبوغة
بالود فاح منها النفاق…….
“بقول طبعاً يا أستاذ انت مثلنا الأعلى من ايام الجامعة……دا انا مكنتش بشكر غير فيك..
رجل قانون بجد يستحق يعلم أجيال قادمة….
انت اضافة لينا….. ”
تنحنح خليل بحرج وتضخم صدره بفخرٍ
فقال وهو يعدل ياقة قميصة مخففا
من الحدة قليلاً….فقال…..
“لسانك الحلو ده ياكيان هو اللي مخليني صابر
عليكي….لكن انا مش عايز بس كلام عايز أفعال
ادرسي القضية دي كويس وبكرة القيكي على
مكتبي بالمذكرة سمعاني…..”
أكدت كيان وهي ترفع سبابتها واعده
بعدم التخاذل…….
“طبعاً دا انا مش هنام….هسهر عليها…أطمن…”
ابتسم خليل برضا تام فأشار اليهم قائلاً….
“تمام…… كملوا شغلكم……”
عندما خرج خليل القت كيان جسدها على المقعد بتعب هاتفها بمقت…….
“حسبي الله ونعم وكيل فيا…..”
نظر لها نائل قليلاً بحب ثم خصها بنبرة حنونة
مهتمة وهو يقول…..
“بلاش تضايقي نفسك ياكيان صدقيني بكرة تاخدي على المكان والناس……انا مبسوط اوي ان انتي معايا….قصدي معانا كلنا……ولا اي يا يارا….”
قالت يارا بإبتسامة جذل…..
“أكيد اتجمعنا من تاني سوا….وبكرة نخربها زي زمان……”
ابتسمت كيان بتلقائية محببة
للقلب…فقال نائل هائماً…..
“ايوا كده اضحكي…..خلي الشمس تنور….”
هتفت يارا بطمع وهي تنظر اليه….
“اديها ضحكتهالك اهيه اعزمنا على حاجة بقا
بعد الشغل……”
هز نائل راسه بالموافقة….
“انا معنديش مانع….اللي تطلبه كيان انا
هوافق عليه….”
حذرتها يارا بنظرة صارمة….
“إياكي ترفضي ياكيان……عايزين نخرج خروجة
حلوة وسريعة كده تطري على قلبنا بعد جلد
الذات ده…….”اشارة على الملفات بين
يداها….
فقالت كيان بعد تنهيدة ….
“اختاري انتي يا يارا وانا موافقة……”ثم نظرة الى ملف القضية من جديد……
فغمزة يارا الى نائل هامسة في
الخفاء…..
“اي خدعة……اتلحلح بقا.. ”
……………………………………………………………..
دخلت غرفتها ليلاً واغلقت الباب عليها تاركه شقيقيها
وابنة عمتها في الصالون يتابعا احد الأفلام……
استغلت انشغالهم في أحداث الفيلم الشيقة وقررت
ان تختلي بنفسها هنا تُجري مكالمة هاتفية تود فعلها
منذ الصباح لكن ضيق الوقت وكثرة الأعمال اعجزتها
عن فعلها….. لكن قلبها كان مشغول البال طول أليوم…. وشوق كان يحرق فتيل صبرها…..
وكلما حاولت يأتي ما يعرقل اتصالها فتغلق الهاتف
زافرة بضيق….
حتى يأست من اجراء مكالمة صوتية فارسلت رسالة
مختصرة…..تتناقض مع شوقها وقلقها عليه…..
(عامل اي دلوقتي……)
أرسل بعد لحظات…..(من غيرك أكيد مش كويس……)
كبحت على ابتسامتها الخجولة… فوجدت رسالةٍ منه أكثر حرارة….(شـهـد….عايز اشوفك…)
انعقد حاجباها وهي ترسل…….
(احنا كنا مع بعض إمبارح……)
أرسل بحب…….(ونبقا مع بعض النهاردة كمان……)
رفضت بجفاء مرسلة……
(بطل هزار انت لسه تعبان…..طمني عنك….لسه الجرح
بيوجعك……)
وقتها لم يرد وكانه غضب منها…..فقرر خصامها….
مطت شفتيها وقتها واغلقت الهاتف بيأس….لماذا رفضت مقابلته…كانت ملهوفة الى سماع صوته…
لماذا ترفع السياج مجدداً حولها…..هل هذا دلال ام انه الخوف الذي يأبى تركها تحيا كالبشر……
ارتاحت على الفراش ورفعت الهاتف على اذنها….ساحبة أكبر قدرٍ من الهواء قبل ان يُفتح
الخط كمن يوشك على خوض سباق قياسي في
كتم الانفاس تحت الماء…….
انتهى الاتصال دون الرد عليها مما جعلها تفتح عيناها
شاعرة بصفعة قوية في كبريائها جراء هذا التجاهل..
جزت على اسنانها بضيق والقت الهاتف جوارها ممتنعة عن الاتصال مرة أخرى……
وبعد دقيقتين تقريباً من جلد الذات أنار هاتفها باسمة
فالقت عليه نظرة حانقة…وحاولت مقاومة نفسها
وعدم الرد…….
لكن قادها قلبها وقبل ان ينتهي الإتصال فتحت الخط…. قائلة بعتاب وتملك لذيذ……
“ليه مردتش من أول مرة……”
رد بإبتسامة شغوفة……(كنت في الحمام……..)
سالتها مندفعة…….. ” بتعمل ايه….”
ازدادت الابتسامة تسليةٍ
فقال…..
(مستعده تسمعي يعني……كُنت.. )
اوقفته بوجه محمر خجلًا……
“بس.. بس.. مش عايزة أعرف….”
قال عاصم بوقاحة…..
(انتي اللي عايزة تستفسري……كنت باخد شور…انا لسه حتى خارج بالفوطة……)
اخرجت همهمات متوترة وهي تنهي
المكالمة…….
“ممم….طيب اسيبك انا دلوقتي…..”
ادعى البراءة قائلاً…..
(خليكي…..خليكي…انا بلبس أصلا حاطت السماعة…..)
عضت على شفتيها بخجل سافر وهي تشعر بانها
في مأزق…..ليتها لم تبادر بالاتصال…..غبية
غبية….غبـ
نعتت نفسها عدة مرات….حتى سمعت صوته يقول
ببراءة…….
(ساكت ليه ياعم الصامت….)
ادعت الجدية وهي تسأله بارتباك……
“إزاي تعرض جرحك للماية….كدا…كده غلط عليه……”
رد بخبثٍ…….
(ليا أساليبي الخاصة……مصيرك تعرفيها…..)
ابتلعت ريقها مغيرة
الحديث……
“ليه مردتش لما بعتلك الرسالة……”
رد بهدوء وهو يستريح على الفراش……
(في ضيوف جت تزرني…..فمعرفتش أرد عليكي….)
سالته بتملك…… “ولما مشيوا…….”
رد بصراحة…….(نسيت……)
شعرت بصفعة ثانية تطيح كرامتها
أرضا…..فقالت بغيظ……
“والله……كويس….طيب….عايز حاجة انا هقفل….”
اوقفها عاصم بصوتٍ حنون له سطوة على
قلبها الولهان…….
(اهدي ياست الحُسن……نسيت الرسالة….بس اكيد
منستش صاحبة الرسالة……)
مطت شفتيها متشدقة…..
“انا وهي واحد على فكرة……..”
اخذ نفساً طويلا ثم قال برزانة…..
(انا كويس يا شـهـد اطمني……بس انتي عارفه اني معجبنيش ردك…….)
خفق قلبها وهي تساله
بتبلد….
“ليه عايز تشوفني…….”
رد بجملة بها ترنيمة لحنها مقتطفٍ من
من قصائد الهوى………
(عشان وحشتيني….إيه مش كفاية……)
انها كافية لقلبي امطرني بهذا الحب رجاءا ولا
تبخل ، احتويني بعيناك المظلمة بالدفء وضمني بلمسة يداك الحانية…..انا أيضاً مشتاقة ياعاصم وبشدة لكن مخاوفِ تقيدني…….
فهل لي علاج عندك يمحي ندوب قديمة نابضة بالوجع الحي……هل حجاب الحب حرزًا منيعًا لمخاوف الماضي والحاضر المترصدة لي أينما ذهبت….هل لك ان تخفف عني سيدي أوجاعِ
وتروي قلبٍ بائسًا من الهوى…..
(ليه مش بتردي مش كفاية…..)
قالت سريعاً دون تراجع…..
“ينفع نتقابل على البحر…..في المكان اللي بحب
قعد فيه…..”
ابتسم عاصم بحنان سائلا بفضول…..
(قوليلي هو فين المكان ده…..عشان يبقا بتاعنا احنا الاتنين بعد كده……)
قالت بفتور….. “هقولك……”
عرقل المتبقي من الحديث قائلاً بنبرة
حارة المعاني……(قولي ياحبيبتي…….)
جن قلبها بين اضلعها وذابت مفاصلها
وهي تسأله بدهشة……. “قولت إيه…….”
أجاب عاصم بمرح لذيذ…..
(لو مضايقك بلاش…..لكن لو عجبتك وعايزة
تسمعيها تاني امضي الطلب ونبقا نشوف
الموضوع ده بعدين….)
هتفت منزعجة…… “عاصم…..”
رد بصوتٍ عميق……..(قلب عاصم…..)
اغمضت عيناها بضعف وهي تسأله
بصوتٍ متأثر…..
“ليه عايزة تقابلني بكرة……”
رد بصراحة….(عشان وحشتيني……)
لفت خصلة من شعرها حول اصبعها بتوتر
مستفسرة…… “وعشان….”
تماسك قليلاً وهو يحدثها بنبرة جادة لها
صدى مهيمناً على حواسها…….
(عشان نحط النقط على الحروف…..وتبطلي تلعبيني..ماهو يا نقرب يا نبعد خالص…..احنا الاتنين مش صغيرين على العب ده يـاشـهـد والا انتي شايفه ان سني وسنك يسمحه بده…)
مطت شفتيها ممتعضة شاعره
بالاهانة….
“انت ليه محسسني ان عندي اربعين سنة….”
قال ببرود يستفزها…..
(انا معرفش سنك لحد دلوقتي كام….بس ليه لا…شكلك قربتي على الاربعين……)
هتفت بغيظٍ…….. “فشرت…….”
ضحك بقوة وهو يردد الكلمة….
(فشرت؟!….ليه عندك كام سنة…من حقي أعرف
طالما داخلنا في الجد…….)
قالت بإباء….. “مش هقولك……”
ضحك مجدداً وهو يستهدف قلبها
مدللاً اياها……
(وانا قولتلك عشان خاطري ياشوشو……)
“شوشو؟!…..”تلك المرة ضحكت هي من أعماق
قلبها بصدق فتسمر هو فجأه مكانة مبتسمًا بعمق مفتوناً بتلك الرنة الانثوية الجميلة…..فقالت
شهد بعد ان خففت ضحكاتها قليلًا..
” هقولك بس بلاش شوشو دي….عندي سبعة وعشرين.. ”
عقب عاصم بشقاوة……
(مناسب لواحد قرب على الأربعين……)
بمشاكسة قالت… “بقيت في عمره جدو يعني….”
ارتفع حاجب عاصم بصدمة ثم تشدق متواعدًا بوقاحة…..
(هتدفعي تمن الكلمة دي غالي ياحبيبة جدو بس
بعد ما اتجوزك….)
تخضبة وجنتيها بحمرة الخجل فهتفت
معترضة….
“بطل قلة أدب……وقولي كلت وخدت علاجك….”
رد بمزاح غليظ…..
(الحمدلله بس لسه مغسلتش سناني…..)
زمت شفتيها مغمغمة…… “رخم أوي….”
صمتا قليلاً لتجده يهتف بشوق
العالم لها وحدها…
(عايز أشوفك أوي…..اوي يا شـهـد……)
لم تقاوم هذا الشوق فبادلته قائلة بروحٍ
متوهجةٍ بالحب…..
“وانا كمان يا عاصم…عايزة أشوفك واطمن عليك.. ”
خفق قلبه بشدة وظلل الشغف عيناه فسالها
سريعاً……
(معنى كلامك اني وحشتك….زي ما انتي وحشاني…)
هتفت شهد متقهقره…. “حمزة بينادي عليا……”
هتف عاصم عابسًا.
(شهد متهربيش……استني……)
قالت بسرعة قبل ان تغلق….
“هبعتلك العنوان في رسالة…..سلام…….”
بعد ان أغلقت معه وضعت يدها على صدرها النابض بجنون ثم ضحكت ضحكة سعادة تفوق الوصف ثم
لم تلبث إلا ووقفت على الفراش وبدأت تقفز بسعادة جنونية لأول مرة تفعلها….بل انها عانقة الهاتف وهي
ترتفع للأعلى كطيرٍ حرٍ سعيد…..وضحكة متلألأة كالنجوم تزين ثغرها الجميل…
دخلت قمر في تلك اللحظة بعد ان طرقت على
الباب لكن يبدو ان شهد لم تنتبه فظلت على حالتها تقفز وتضحك بخفوت يحمل صخب يبهج القلوب..
ضحكت قمر وهي تغلق الباب بحرص وتتقدم
منها…..
“الله اكبر…….وأخيراً شوفنا ضحكتك…فرحيني…”
عندما بدأت قمر في تعليق على قفزتها المجنونة
توقفت شهد بتدريج وبدات تتلاشى ضحكاتها لكن
توهج وجهها وبريق عيناها لم يزول….
فقالت قمر بعتاب وهي تجلس جوارها على
الفراش…
“ليه وشك اتقلب كده….معقول هكرهلك الخير….
انتي الوحيدة اللي بتمنالها كل خير…..”
هزت شهد راسها بحرج…..
“مش كده…..بس مش مصدقة اني عملت كده…”
قالت قمر بإبتسامة سعيدة….
“لم بنفرح من قلبنا….بنعمل اكتر من كده…”
قالت شهد بخجل…… “دا هبل…..”
اختصرت قمر بجدية….. “دا فرح….”
ضحكة شهد فسالتها قمر بفضول…..
“قالك إيه…..”
اغمضت شهد عيناها فاتحه ذراعيها وكانها
تستقبل روح جديدة اكثر حبٍ وعفوية…..
“كلام يدوخ….يضيع….يجنن…كلام يجنن يا قمر….”
ضحكة قمر لسعادتها وسألت…. “بتحبيه…..”
اومات شهد بحياء…… “شكلي كده……”
ازدادت عينا قمر إتساعٍ…. “وهو…..بيحبك……”
اكدت شهد بخجلا….. “شكله بيقول……”
ضحكة قمر معقبة بلؤم…..
“واضح ان احنا لسه في فترة التلميحات….”
قالت شهد بنبرة موسيقية رقيقة…..
“فترة خنيقة….بس لذيذة….على اساسها بتبتدي
كل حاجة حلوة……”
ربتت قمر على ركبتها قائلة بمودة….
“انتي تستهلي كل خير ياشهد…عيشي وفرحي
وحبي….الحب والحياة والموت بيجوا مرة واحده
بس…. والشاطر اللي يستغل كل لحظه حلوة في
حياته……”
سالتها شهد بسخرية…. “وان كانت حياتك مُره……”
قالت قمر بتوهج……
“احليها…أشوف ايه اللي يسعدني واعمله…ماهو ينعشها مبسوطين ياموكوسين…..”
عقبت شهد بفتور….
” واحنا تقريبا بنختار الوكسة عشان أسهلنا…”
هتف قمر تؤمن على الجملة
بحيرة….
“اه والله مش عارفة ليه بنتساهل أوي كده
وبنختار وجعنا بأيدينا…”
بللت شهد شفتيها ونظرت لقمر بتركيز
طالبة منها المشورة……
“هسألك سؤال لو جتلك فرصة إنك تعيشي مع شخص بتحبيه بس الظروف معنداكم حبتين
هتعملي إيه…..”
قالت قمر بحرارة صادقة…..
“هتبت فيه وهفضل معاه طالما بحبه…..وبدل ماهي اللي تعاندني انا اللي اعندها….والشاطر اللي يضحك في الاخر…”
ضحكة شهد غامزة….
“اللي قادرة على التحدي يعني…..”
اكدت قمر بإبتسامة واثقة…. “هو انا……”
……………………………………………………………
ترجل من سيارته الفارهة في حي شعبي عتيق…
يعج بالمارة ويشوبة الضجيج وصخب الأسواق….
رفع عيناه على أحد العمائر القديمة ليجد الشقة المنشودة في الطابق الثالث والتي دله عليها حكيم البارحة…. بان المدعو (مرعي..) يسكنها في الخفاء متوارى عن الأنظار بعد ما حدث معهُ…….
عدل السترة وتنحنح بخشونة وهو يدلف الى
البناية بمفردة….
بعد لحظات وقف أمام باب الشقة وطرق عليه منتظراً بصبر……
صاح مرعي من خلف الباب بتزمر
“ايوا جااااي…..”
عندما فتح الباب ورفع عيناه على الطارق وجد
عاصم الصاوي يقف أمامه في أوج هدوءه وهالة
من الهيبة والوقار تحيط به……
ازدرد مرعي ريقه بصعوبة وهو ينطق إسمه بدهشة فهو لم يتوقع ان يعثر عليه بتلك السرعة…وفي
هذا الحي العتيق البعيد…….
“عاصم…..”
أبتسم عاصم ببشاشة وهو يقول بمكر….
“اي مرعي…..فين كرم الضيافة هتسبني واقف
على الباب كتير…..”
من جديد بلع مرعي ريقه بتوتر…وللحظة فكر في الهرب لكن هدوء عاصم والابتسامة على محياه خدعاه….
فابتعد عن الباب وافسح الطريق له….
فدخل عاصم المكان بخطوات ثابته وعيناه تجول المكان ، شقة بسيطة الشكل خالية من الفرش عدا أريكة قديمة ومقعد خشبي متهالك…..
اتجه عاصم الى الاريكة وجلس عليها باريحية
ناظراً الى مرعي قليلاً نظرة ثاقبة غير متهاونة…
ثم أمره قائلاً……
“اعملي شاي يا مرعي…..”
أومأ مرعي براسه مذعنا….ثم اتجه الى موقد الكيروسين (بابور…)وبدأ بعمل الشاي…ساله عاصم وهو يتخلص من سترته ويلقيها جواره بأهمال….
“اختفيت فجأه ليه كده يا مرعي مش بعادتك يعني…”
اهتزت يدي مرعي وهو يضع السكر في الكوب
الزجاجي….”كنت تعبان شوية…..”
هز عاصم راسه متأثرًا وقال….
“لا لا الف سلامة….انا كمان كنت بايت في المستشفى اليومين اللي فاتوا……”
توتر مرعي قليلاً لكنه ادعى عدم
المعرفة…. “خير….اي اللي حصل…..”
ساله عاصم بإبتسامة
باردة….
“يعني مش عارف !…..”
اهتزت حدقتي مرعي برهبة وتلجلج صوته
مجيبًا….
“وهعرف منين انا بقالي فترة بعيد عن شارع
الصاوي ومشاكله……”
ضحك عاصم ضحكة مخيفة تنذر بالخطر وهو
يقول بصرامة……
“مشاكله ؟!….الشهادة لله الشارع نضف بعد ما سبته انت والعيال الصيع اللي كانوا مسكين في ديلك في الراحه والجاية..”
نظر له مرعي بحنق….
“ليه الغلط ده….. يامعلم عاصم….”
نهض عاصم من مكانه وقد اندفع الغضب فجأه
على قسمات وجهه وعيناه النارية…….
“طالما انت مش قد اللعب بتعلب ليه…..”
توتر مرعي أكثر….. “مش فاهم…..تقصد إيه….”
وقف عاصم امامه قائلا بنبرة صلبة…..
“لا فاهم ياروح أمك…اسمه ايه يالا ابن الحرام اللي اجرته يضرب شهد بالمطوة…..رد ياروح أمك……”
أنكر مرعي بجبن…
“انا معرفش انت بتكلم على إيه……”
“دلوقتي هتعرف…..”
قالها عاصم وهو يعكف ذراع قميصه…..ثم اقترب منه وفي لحظة خائنة لكمة أسفل فكه عدة مرات فطاح جسد مرعي الهزيل أرضاً…..ثم سحب عاصم الإبريق بماءها الساخن عن الموقد وصاح بصوتٍ جهوري
وهو ينزل جزءاً منه على ذراع مرعي…..
“أتكلم يالا محدش هيرحمك من ايدي النهاردة…يقاتل
يامقتول…….”
صرخ مرعي متألمًا…..
“هتكلم…..هتكلم بس إرحمني…….”
القى عاصم الإبريق أرضا مشيراً له بان ينهض…ففعل مرعي وهو يتأوه بوجع….وبمكر الثعالب عندما استقام مرعي لكم عاصم في معدته بقوة عند موضع الجرح…..فسب عاصم وهو يكتم تأوهة واضع يده على الجرح النابض بالوجع……..
اما مرعي فحاول انتهاز الفرصة بان يلوذ بالفرار مبتعداً….لكن عاصم منعه في آخر لحظة وكسر
المقعد المتهالك فوق رأسه ثم حجزه في الحائط وقيد عنقه بذراع وباليد الأخرى وجه له عدة لكمات قاضية بمنتهى الوحشية والغضب ….
حتى خارت قوة مرعى فهتف باعياء
مستسلمًا…
“هقولك على كل حاجة…خلاص هتكلم….”
دفعه عاصم في الحائط خلفه بقوة قائلاً
بخشونة مهيبة…..
“انطق عملت كده ليه…..”
أعترف مرعي بقسوة دون ندم…..
“رفعت السكينة عليا وهددتني….فحلفت اردلها القلم
اتنين….عشان هي واللي زيها يفكروا الف مرة قبل
ما يقفوا قصادي……الواد اللي أجرته يعلم عليها
إسمه منسي واحد من رجالتي…”
هتف مرعي باعياء وهو يمسح الدماء التي
سالت من أنفه……
“احنا مكناش نقصدك انت….انت اللي دخلت….”
قال عاصم بصوتٍ محتد…..
“وعشان كده استخبيت هنا…فكرت اني مش هعرف اوصلك صح……زي الشاطر كده…تعيد الكلام ده
قدام وكيل النيابة اللي مستنيك دلوقتي……”
اتسعت عينا مرعي بخوف….فقال عاصم
محذراً……
“وبلاش عواء…. عشان انا كده كده سجلتلك…..”
اخرج الهاتف من جيب بنطال وفتح مكبر الصوت
قائلا بخشونة……..
“سجلت ياحكيم ولا…..”
رد حكيم سريعًا…… “سجلت يا كبير أطمن…….”
لوح عاصم بالهاتف وهو يغلق الخط ثم أعادة
في جيب بنطالة…. قائلاً
“أهو سجل يعني مش مستاهلة بقا…خليك جدع وقر واعترف تاني… عليك وعلى الواد اللي عملها…..”
“انا كده هروح في داهيه….”هتف بها مرعي برعب وهو يجلس ارضاً بعد ان تركه عاصم وتنحى
جانبًا….
رمقه عاصم بقوة وهو يتهف بصرامة….
“ومالوا ماهو لو القانون مخدش مجراه معاك….انا هاخده بطرقتي….” ثم استرسل بسطوة عنيفة..
“وعزة وجلالة الله يامرعي لو كان صابها خدش
واحد بسببك ما كان هيكفيني فيك عمرك قصاده
أحمد ربنا…..انها جت فيا انا….وانا كده ومسامح
في حقي……بالك لو كانت جت فيها هي كنت
دفنتكم تحت رجلي…….”
نظر له مرعي بعجز ولم يقو على الرد…..
فاستأنف عاصم بجمود…
“خليك جدع واعترف مرة تانية قدام النيابة
وهما بقا يجيبوا ابن الحرام اللي نفذ عن طريقك….وكل
نظر له مرعي بعجز ولم يقو على الرد…..
فاستأنف عاصم بجمود…
“خليك جدع واعترف مرة تانية قدام النيابة
وهما بقا يجيبوا ابن الحرام اللي نفذ عن طريقك….وكل واحد يتحاسب وبالقانون ولا
إيه……”
شعر مرعي بمرارة الذل الذي أذاقه للكثيرين
من قبله جراء التهجم على الغير بالشتائم
والاعتداء بالضرب دون وجهة حق…..
تأتأ عاصم بشفتيه مضيفاً……
“مش قولتلك انك لعبت لعبة انت مش قدها…..
دي أكيد دعوات المظاليم…..اللي جيت عليهم
وكلت قوتهم بالبلطجه وفتحت الصدر…. ”
أطرق مرعي براسه لأول مرة ذليلًا ويبدو انها
النهاية الحتمية…….
……………………………………………………………..
أغلق باب الشقة والقى سلسلة المفاتيح على المنضدة باهمال… داخلا للمكان وهو يصفر مطلق لحنا شعبيًا قديمًا…..
فوجد ثلاثة نساء جميلات كل واحدة منهن تمتلك جمال وطباع تميزها عن الأخرى….كانوا يتوسطن الاريكة جوار بعضهن ومن ملامحهن المرتابة واعينهن المراقبة له باللهفة علم انه هناك ما يسوء….
فسحب نفساً عميقاً ثم زفر مرة واحدة وهو
يسألهن بملل…..
“خير…..عندكم مشوار مهم ومستنين الشوفير
يوصلكم…”
تطوعت شهد بالتحدث بنظرة نافذة
جادة…
“أبوك عايز يقابل قمر عشان يديها ورثها !…”
تسمر حمزة مكانه ورفع حاجبًا متعجبًا والشك
والقلق تسلل اليه فجأه…..
فمطت كيان شفتيها بوجوم….
“بيقول انه مستنيها في شقته….والمحامي هناك
والفلوس جاهزة تاخدها وتمضي تنازل عن
حقها في العمارتين….”
قالت قمر بصوتٍ متداعٍ….
“هو لسه قافل معايا…وقالي خلي حمزة يوصلك
ويستناكي تحت…..”
ثم ابعدت وجهها عن مجال عيناه بتوتر… حتى لا ينكشف خوفها…..
نعم خائفة من شخص من المفترض انه خالها شقيق أمها ، خائفة جداً بعد كل شيءٍ رأته في هذا البيت….
الخال لم يكن خال….فهو فشل في ان يكون ابا
وشقيق لأمها……
فالماذا تتوقع الجيد في هذه المقابلة المفاجأة.. ربما
هي مكيدة مدبرة لتقع بها…..
ليس معها أحد إذا كيف ستواجه رجلا ببشاعة عثمان الدسوقي ؟!….. هل سيكون رحيم بها بعد افعاله المشينة مع أولاده…. هل من المفترض الوثوق به
بعد ان خذل أولاده…هل سيرجع حقها بعد ان شن
حروباً شعواء ضد أولاده حتى لا ينالوا قرشاً واحد
من ماله ؟!…
كيف تصدق ان يفعلها…. وكيف لها ألا تخاف على نفسها منه…..
قبضة جليدية اعتصرت قلبها عندما قال حمزة
ببرود…….
“طيب اي فيها….أنتوا قلقانين كدا ليه….كويس انه
فاق لنفسه وناوي يرجع الحق لصحابه….عقبالنا..”
نظرت له شهد بعينين واسعتين تفضيان بالحنق
من تعليقه البارد….وكان الفتاة لا تعنيه بالمرة !..
“انت بتقول اي ياحمزة…..في حاجه غلط…انت
مش واخد بالك من كلام كيان بتقولك المحامي
هناك والفلوس كمان !!….”
وزعت نظراتها عليهم ثم استرسلت مستهجنة
“قولي ازاي…. دا تمن الشقة الواحده تساوي ملايين….لو قولنا ان حقها الشرعي هو تلت العمارتين احنا بنتكلم في رقم متتوقعوش…..إزاي الرقم ده مع أبوك دلوقتي وجاهز ؟!…….”
استلمت كيان دفة الحوار مقطبة
الحاجبين…..
“صح ياشهد…وليه برضو أبوك طلب من قمر في التلفون تطلع لوحدها….وامرها انك تستناها تحت العمارة…. أكيد في حاجه بيدبرها ليها…..”
زفر حمزة صائحاً في كلتاهما بقساوة كان له وقع كسياط على قلب قمر…..
“انتوا اي اللي جرلكم…..انتوا مالكم أصلا….هي صاحبة الشأن…وطالما جت لحد هنا لوحدها
تدور على حقها…. يبقا لازم تكمل للاخر ولوحدها…”
انتفض وجه قمر بصدمة ناظر اليه بعينين ازداد
عمقهما الاماً……..
هتفت شهد مشدوهة……. “حمزة…..”
مسكت قمر ذراع شهد توقفها عن المتابعة وقالت دون النظر الى عينا حمزة الباردة…..
“هو عنده حق يا شهد….انا فعلاً جيت لحد هنا لوحدي عشان ارجع ورث ماما…وهقابل المحامي
وخالي لوحدي واكيد هنتفق انا برضو مش صغيرة..”
هزت شهد رأسها تقول بتعاطف…..
“لازم حد يكون معاكي…انتي متعرفيهوش زينا…
عثمان مش بيسيب حاجة فيها التمن…..”
ابتسمت قمر لعينيها بحزن….ستظل دوما شهد تتجسد في صورة الملكة الكريمة صاحبة القلب الماسِ….
ستظل ملكة العصور القديمة بحنانها الفطري
وجمالها البري كما راتها أول مرة…وكما يراها
شخصٍ اخر غيرها ؟!……
أكدت كيان بسخرية محتقرة….
“بظبط تفتكري هو لسه بيجي ويروح علينا ليه
حُبنا فينا مثلاً.. خالص….هو شايف ان احنا…سلعة
مركونه….هيجي وقتها ويبعها….وياخد تمنها….”
صاح حمزة بغضب هائل…… “كياان…..”
بلعت كيان الباقي من الحديث مقتضبة
“سكت……”ثم نظرت الى قمر وقالت بصوت
منزوع منه الرافه……
“من رايي زي ما قال حمزة…لازم تواجهي…انتي
قبل ماتيجي هنا….عارفة انك مش هتاخدي ورثك
بساهل كان غيرك اشطر……دي ضريبة بيدفعها
الكل…..”
نهضت قمر من مكانها بصدر تضخم بمشاعر
عنيفه وعينين تفيضان بالعزم……
“يبقا هروح لوحدي…..ينفع توصفيلي العنوان
ياشهد….وانا هاخد اي موصلة توصلني ليه…”
رفضت شهد وهي تنظر لاخيها
برجاء….
“حمزة هيوصلك…..”
رفضت قمر بحسم….
“لا…. لا انا هروح لوحدي……”
التوى ثغر حمزة بسخرية سوداء ثم امرها
ببرود…..
“حلوة الروح الرياضية دي…..اتنيلي قعدي على ماخد دش واغير هدومي…وبعدين هوصلك لحد عنده….”
صاحت قمر بملامح متشنجة….
“ياريت تكلم بأسلوب احسن من كده…..”
رد ببرود مستهيناً…… “اذا كان عجبك……”
اوقفت شهد وصلة العناد تلك قائلة
برزانة….
“حمزة مش وقته الكلام ده…أسخن ليك الأكل
على ما تخرج من الحمام…..”
لوى حمزة شفتيه بقرف ثم اولاهم ظهره
قائلاً بتجهم……
“مليش نفس سدتوها بنشرة الأخبار الحلوة اللي سمعتوهالي…….”
التفت براسه الى قمر أمرا
بغلاظة…
“جاهزي نفسك عشان هننزل علطول……”
عندما أبتعد ربتت شهد على كتف قمر تراضيها
برفق…..
“متزعليش منه……شكل في حاجة مضايقاه في الشغل……”
قالت كيان بخبث…. “انا عارفه اللي مضايقه……”
سالتها شهد باهتمام…. “إيه هو…..”
قالت كيان بهمساً…..
“نجلاء فرحها اتحدد….سمعت
من جيران العمارة……”
نظرت شهد الى غرفة اخيها
المغلقة…. “تفتكري عرف……”
زمت كيان شفتيها…..
“هي في حاجة بتستخبة في العماره دي….”
غامت عينا شهد بالحزن وقالت بلوعة…
“عيني عليك ياحمزة……حظك قليل في الدنيا…”
هزت كيان راسها بحزنا اكبر على اخيها وكرها
أشد على أبيها……
“لا شهادة ولا شغل كويس….ولا عارف حتى ياخد البنت الوحيدة اللي حبها….من لله ابوكي هو اللي دمرنا..”
اشتعل صدر قمر بنيران من الغيرة والوجع من هذا الحب اللعين الذي نال منها في لحظة غدر فاضناها
معه……أغمضت عينيها تقاوم الألم ودموع الناتجة منه…….
نهضت كيان متجهة الى غرفتها….
“انا راحه اتخمد…..”
سالتها شهد بتعجب…. “لسه بدري يا كيان…….”
زمت كيان شفتيها قائلة بتزمر……
“ساعتين عشان هسهر ادرس القضية اللي كلت دماغي دي…اخلص من سليم الجندي وجبروته
يطلع ليا خليل الصواح وغتته……يا رب… ”
القت قمر جسدها على الاريكة جالسة وقد ابتلعتها هوة مظلمة من الحزن واليأس……
فانتبهت شهد لهذه الحالة فربتت على
كتفها برفق تسالها بقلق…..
“مالك ياقمر…….انتي كويسة……”
نظرت الى شهد ببطئ وقد انطفأت ملامحها فجأه
وشحب لونها بشكلاً موجع……لكنها تماسكت لأخر
نفس داخلها وقالت بهدوء……
“انا كويسه…….هروح اغير هدومي عشان الحق
أنزل……”
ابتعدت سريعاً عن شهد بخطوات متعثرة….وعندما
دخلت الغرفة وبقت بمفردها….انسابت الدموع من عينيها العميقتين المتألمتين بالندم.. وقد اشتدت
قبضة يدها فوق صدرها الموجوع …..وفي لحظة جنون لكمة صدرها عدة مرات تسأله مجدداً سؤال
لم تمل من طرحة بحيرة وغضب….
لماذا هو ؟!…هل تتفنن في عذابك ، تبحث عن العناء بملقاط !…..لماذا هو….. أخبرني لماذا ؟!…..
……………………………………………………………
كانت تستقل مقعد السيارة بجواره وامام عينيها الغائرتين يمتد الطريق بلا نهاية…..كانت تشعر ان
روحها خاوية من كثرة الألم كنبتة شعير خاليةٍ من الحَبّ……
حانت من حمزة نظرة عليها وعندما رأها على حالها
صامته واجمة لا تنوي التحدث.. عاد ينظر أمامه بملامح متصلبة…….قائلاً بغلاظة….
“شايله طاجن ستك ليه….مش هياكلك متخفيش…”
مطت شفتيها ببسالة….”مش خايفه أصلاً…..”
ابتسم حمزة ودللها وعيناه
للأمام….
“احبك وانت تقيل……”
خفق قلبها بضعف امام سلطان الغرام….. فتخضبة
وجنتيها بغباء…..واشاحت بوجهها للنافذة قائلة
بفتور……
“لسه فاضل كتير…….”
رد وهو يصب كامل تركيزة على القيادة….
“قربنا….. زهقتي؟…..”
هزت راسها بتأكيد…..فقال مصدومًا بهذا التصريح
المهين……
“انا يتزهق مني برضو إزاي….”
لم ترد بل ظلت عيناها تتأمل الطريق الراكض
أمامها…..فشاكسها حمزة قائلا.. “قمراية…..”
رفعت راسها تنظر اليه بتبلد فقال بنظرة
ساحرة تصب سائل وردي على قلبها….
“فكي التكشيرة دي…. وخلي القمر تنور….”
قالت بعتاب تنظر امامها….
“لما تغير طريقة كلامك وتكلمني عدل….. انت كل
شويه بحال… مرة كويس وعشرة قالب عليا وكاني
عدوتك….. بتعمل كدا ليه فاهمني……”
رد بفظاظة وهو يعود للنظر الى
الطريق عابسًا….
“انا كده……. اذا كان عاجبك……”
هزت كتفيها بوجها ممتقع…..
“ويعجبني ليه انا مالي أصلا….انا في الأول والاخر
بنت عمتك…. ضيفه مسيري امشي وارجع مكان
ما جيت…..”
غير حمزة الحديث بتذكر…..
“على سيرة المشيان….. هتديني عنوانك عشان اجيلك القاهرة……”
هزت راسها بنفي… “لا….”
عقد حاجباه مشدوهاً….
“ليه بقا…. اي قلة الاصل دي….”
قالت بنزق وهي تمتنع عن النظر إليه…..
“انسى ياحمزة… مسافة ما طلع من اسكندريه انسى
انك ليك بنت عمة…..وكأني مجتش….”
تشنج فكه وشعر بالغيظ منها فقال
بتهكم…….
“لدرجادي كنا وحشين معاكي…ولا هي قلة اصل
ورثاها من خالك…..”
هزت راسها بنفيا وقالت بكآبة نابعة
من روحها……
“لا هي قلة الاصل…. انتوا احسن ناس قابلتها..”
نظر لها حمزة بتعجب أكبر…..معقبا
بتجهم…….
“ناس ؟!…احنا ولاد خالك.. مش ناس….”
لم ترد عليه بل ظلت صامته دون تعبير…فقال
هو بعد ان عيل صبرُه منها…..
“شكلها هبت منك… انا هسكت احسن لحسان انتي بداتي تخرفي……”
وصلا بعد لحظات امام احد العمائر الانيقة… حي أكثر رقي وفخامة من الذي يقطنا فيه….
وعند أحد العمائر الشاهقة وقف حمزة اسفلها وهي معه….. فقال حمزة بعد لحظات من الصمت…..
“الشقة الدور التالت… هتلاقي يافته برا مكتوب
عليها إسمه…….”
اومات برأسها وهي تتجه الى بوابة العمارة الكبيرة
بخطوات مترددة مرتديه ثوب انثوي رقيق لائق في وضح النهار فكان ضيق عند الخصر قليلاً وينزل باتساع بسيط حتى اخر الكاحلين ومعه تاركة شعرها الغجري الطويل ينساب حتى اخر ظهرها بدلال حر……
أغمض حمزة عيناه محاولًا مقاومة هذا الشعور الملح والغريب الذي يدفعه باللحاق بها حتى صوت ضميرة الان يكاد يصم أذانه من شدة التأنيب…….
يخشى عليها بشدة…..كيف ستواجه شر عثمان الدسوقي وشيطانه (زاهر..)المحامي اللعين الذي يعرفه حق المعرفة……والذي ساعد والده في السابق بطرق خبيثه في نيل ميراث امهم بأكمله الى حسابة
وقد استثناهم من كل شيء دون الرجوع لهم….
لم يفكر أكثر اتجه خلفها بخطوات سريعة حاسمًا
وعندما دخلت المصعد وكانت الابواب على وشك
الإغلاق اوقفهما بيده واستقل معها المصعد بصمت
اتكأ على الازرار امام عينيها الجاحظتين من صدمة
وجوده هنا….. فلم تلبث إلا وهتفت بدهشة…..
“حمزة….. بتعمل إيه……مينفعش تطلع معايا…”
رد بخشونة وهو يقف امامها بجسارة ويداه
في جيب بنطالة……
“انا مش هسيبك ياهبلة….. ممكن ياخدوا امضتك
على الورق ومطوليش منهم حاجة..او ممكن يمضوكي على اي ورقه ويبتزوكي بيه….”
عقدت قمر ساعديها امام صدرها وقالت
بتهكم….
“وحتى لو دا حصل هيفرق معاك في إيه…. سواء نصبوا عليا او ودوني في داهيه…..اهم هيكونوا عملوا فيك جميل وخلصوك مني…..”
تشنج حمزة وهو يقطع الخطوة الفاصلة
بينهما……
“ويخلصوني منك ليه… قاعده فوق راسي ولا
بتاكلي من لحمي….اي الهبل ده…..”
رفعت اصبعها بوجهٍ أحمر تحذره….
“انا مش هبلة سامع…..واحترم نفسك وتكلم عدل..”
سالت الدموع من عينيها في لحظة خائنة
فمسحتها بظهر كفها…..
فنظر حمزة لسقف المصعد
بتململ….
“يادي النكد…..الرحمة يا رب…..”
عاد لعينيها وبنظرة نافذة ونبرة جدية
خطِرة هتف…..
“ممكن تهدي وتأجلي وصلة النكد والزن شوية..احنا
طالعين نتكلم في ورث وملايين مع ناس لو لقتك قرش أصلا هتاخدك….. فكبري مخك شوية وركزي معايا…….”
قالت بصوتٍ بارد…. “اراكز معاك إزاي…..”
قال بصوتٍ محتد…..
“عينك عليا علطول….لو فيه اي لبش…هغمزلك تفهمي وتقومي علطول وتقوليله انك مش موافقة….”
قالت بوجوم….. “ولو مفيش لبش…..”
امتقع وجه حمزة باستياء فقلب حدقتاه
بيأس قائلاً بصلابة……
“مفيش لبش؟!…كويس اني طلعت معاكي…اسكتي
ياقمر وسبيني انا اتصرف……لو حسيت باي حاجة
انا هرد بنيابة عنك……واثقة فيا ولا ؟….”
بعد طرح السؤال نظرت إليه للحظات كانت كفيلة
بان تمحي الندم من قلبها وتبعث شعاعٍ من الأمل… فقالت بصوتٍ اضناه الحب…….
“واثقه ياحمزة……والله واثقة……”
من جديد اهتز قلبه بشعورٍ غريب نحوها…فتحكم في نفسه واشاح وجهه سريعاً عند باب المصعد الذي فتح
ابوابه لهما……..
بعد لحظات وقف امام باب شقة والده الفخمة والتي
كانت اشد رقي ورفاهية عن الشقة التي يمكثوا بها
فتح الباب وظهرت امامهم أمرأه تقاربهما في العمر
شابه جميلة بنظرات…..جريئة…….لم ترتاح لها منذ الوهلة الأولى لذا اطرقت برأسها بتردد منتظرة
تدخل حمزة….
الذي بالفعل قال بصوتٍ خشن
بارد……
“أهلا يامرات أبويا…مهجة مش كده…..”
ابتسمت مهجة بزهوٍ قائلة بهزل…..
“اتقبلنا قبل كده…..لما جيت هنا وتعاركت مع أبوك
ولميت الجيران عليكم……”
ارتفع حاجب حمزة وابتسم غير
مبالي…..
“ماشاءالله الذاكرة حديديه……”
ابتسمت مهجة أكثر وهي تستند على حافة الباب
بيدها بميوعة قائلة بخبث……
“امال إيه……انا فاكره برضو ان كانت العاركة بسبب
انك عايز شقة تجوز فيها انت وخطيبتك…صحيح اتجوزت ولا……”
بهت وجه قمر وغللت عينيها بالحزن والهزيمة…بات سيرة حبه لاخرى تطاردها أينما ذهبت وكانها تسخر
من مشاعرها البائسة في هواه !…….
رد حمزة بصوتٍ مجرد من المشاعر….
“محصلش نصيب يامرات أبويا….راحت لحالها…”
ثم استرسل مضيفاً بصفاقة رامقها بنقم….
“هو مش من الذوق والأدب انك تدخلينا نقعد وبعدين ترغي زي ما انتي عايزة…ولا هنفضل واقفين على الباب كده تحشري نفسك وتسالي عن اللي
ملكيش فيه وانا اجوبك عشان محرج منك….”
نظرت له قمر بصدمة…فضحك حمزة ضحكة باردة
قائلاً بفظاظة…..
“مع اني مبتحرجش خالص…والمرة الأولى تاكدلك
ده……”
أحمر وجه مهجة بالحرج فابتعدت عن الباب
قائلة بضيق مكتوم……
“عندك حق…مخدتش بالي…اتفضلوا….سي عثمان
جوا والمحامي كمان…….”
دلف حمزة للداخل برفقة قمر ينظر للشقة نظرة
قاتمة ناقمة على كل زاويا بها ثم ارتدى قناع السخرية هامسًا لقمر التي تسير بجواره…
“سي عثمان ؟!…. دي لسه عايشة في جو الجواري….”
ابتسمت قمر رغما عنها ولم تعقب…فقال حمزة
بهزل لاذع وهو ينظر الى مهجة……
“معندكيش يامرات أبويا عروسة حلوة زيك كده تقولي ياسي حمزة……”
التقطت أذان مهجة السخرية والتحقير في كلامه
لذا قالت بتبرم…….
“ادورلك ومالوا……اتفضلوا هما قعدين هنا….تحبوا
تشربوا حاجة معينة….. ”
رد حمزة وهو يفتح الباب بجمود….
“بلاش تتعبي نفسك احنا مش مطولين…..”
دلفت الى الغرفة بقلب يخفق بزعر وكانها تحتضر
ثم ابصرت بعينيها خالها عثمان الدسوقي يتوسط الاريكة جالسا بمنتهى الارتياح لكن عندما أبصر
حمزة برفقتها تسمر مكانها متشنج الأعصاب
وقد انقلبت ملامحه مائة وثمانون درجة…
على الجهة الاخرى جلس رجلا ضخم الجسد من كثرة الرخاء والمال……يرتدي بذلة فخمة وامامه
كومة من الاوراق وقلم……ينظر اليها بقوة وكانه
يقيمها لا جسدًا بل عقلًا….يختبر ببساطه حدود
عقلها حتى يكن الإقناع بالقدر الكافٍ لها !..
كان كل شيئاً جاهز….ينتظر امضتها لكن ماذا عن الاتفاق هل سيكون عادلا لها……
ازدردت ريقها متوجسة من هذا الموقف ولو كان بيدها لتشبثت بذراع حمزة وطلبت منه الفرار
فهي تشعر بالخطر وان هناك حربا شعواء تقوم
في صمت من هذه الجهة…….
“اي اللي جابك يا حمزة……”
هتف بها عثمان ناهضا بملامح تنذر بالشر..
فابتسم حمزة ببرود مستمتع بهذه الحرب الباردة
فالأول مرة سيكون في مواجهة والده ومعه
سلاح !…..
قالت قمر سريعاً قبل ان تسوء
الأوضاع بينهم….
“انا…انا اللي طلبت منه يجي معايا ياخالي….”
نظر لها عثمان بقسوة قائلاً……
“وليه عملتي كده هو انا هسرقك.. مانا لو مش عايز
اديكي حقك كنت عملت كده من أول يوم جيتي بيتي فيه…….”
نظر لوجه حمزة الغير مبالي ثم عاد اليها
و استردّ بنفور…..
“لكن انا فتحت ليكي بيتي وقاعدتك وسط عيالي..
واديني جايب المحامي اهوه عشان اسلمك ورثك
وفي الاخر مخوناني……اخص…….”
قالت قمر بحرج….. “ياخالي افهمني….ا.. ”
قاطع وصلت التوبيخ صوت زاهر المحامي الذي
وقف امامهما قائلاً بعملية…….
“ارتاحي يا انسه قمر…..حصل خير…حمزة مش غريب
دا ابنك ياعثمان…ولازم يكون شاهد على الاتفاق…”
نظرت قمر للمحامي ثم لخالها… فعرف عثمان
عنه بنظرة حانقة…….
“المحامي زاهر العقاد…..المحامي الخاص بيا…وهو اللي ماسك كل شئوني القانونية…..”
قال حمزة من خلفهما بسخرية محتقرة…
“اه وهو برضو اللي كتب ورث امي كله لابويا بيع وشراء من غير ما يفتكرنا بحاجة…..”
انتفخت اوداج عثمان وازداد احمرار وجهه غضبا فاشار الى زاهر بسخط…..
“شايف يا زاهر اهو هو ده ابني…اللي لازم يبقا شاهد على كل حاجة……”
أبتسم المحامي وهو ينظر الى حمزة مقيمًا اياه بنظرة مهينة قبل ان يقول ببرود…
“منور ياحمزة…..كبرت ماشاءالله بقيت راجل…بس عقلك لسه محدود…….”
اتسعت عينا قمر وشعرت برغبة قوية بضرب هذا الرجل…..بينما أقترب حمزة منه يقطع المسافة
بينهما حتى أصبح أمامه مباشرةً….فقال بوجهٍ
حجري رغم اشتعال عيناه بشكلاً مريع……
“الحمدلله انه محدود يامتر….احسن ما بيع ضميري ومبادئي وانصب على الخلق……حساباتك كترت
اوي يامتر….خاف على نفسك من اللي عقلهم محدود……عشان دول مش بيفكروا مرتين هي مرة
واحده وبعدها عينك ما تشوف اللي النور….. ”
ترقع حمزة اصابعه في الهواء امام وجه زاهر
الذي جفل بخوف…ورجع خطوة للخلف مدعي
انه يعدل ربطة عنقه بعد ان تصبب وجهه عرقا
فجأة جراء تهديد حمزة ونظراته المرعبة…
“احم…انا من رايي نتكلم في الشغل اللي جينا عشانه……”
أومأ حمزة براسه بسطوة وهو يتوسط الاريكة
بمنتهى التعجرف وبجواره جلست قمر بتحفز
وتوتر بدا على وجهها الشاحب…..
“انا بقول كده برضوا بلاش نضيع وقت كتير..فين الفلوس……”
ساله عثمان بضجر…… “فلوس إيه…..”
تبادل حمزة وقمر النظرات قليلاً ثم تافف
هو قائلاً بنزق إليهم……
“بدأنا اللوع ورثها يابهوات من العمارتين…..هو انتوا مش جبتم سمسار وتمن العمارتين وطلعتوا تمن
ورثها منهم اللي هو التلت….فين بقا الفلوس…….”
قال زاهر وهو يخرج ظرف صغير….
“مش معانا فلوس كل اللي معانا تلاتين الف
جنية….”
فغرت قمر شفتيها بصدمة وهي تنظر الى الظرف
الصغير معقبة باستنكار……..
“تلاتين الف جنية ودول تمن العمارتين ياخالي..دول
ميجوش ربع تمن شقه فيهم…..”
زم عثمان شفتيه بجمود قائلاً
بملل….
“فاهمها انت يازاهر…..”
تنحنح زاهر يتحدث بطريقة مهنية مبسطه تبث الطمأنينة في قلوب الحمقى !……
“اسمعي يا انسه قمر… احنا مش معانا مبلغ بالسيولة
دي…… فخالك قرر يديكي المبلغ البسيط ده..ويكتبلك بقية فلوسك وصلات امانه تضمني بيها حقك لحد ما يسددهم ليكي على فترات… ”
قالت قمر بجدية دون النظر الى حمزة….
“انا معنديش مشكلة اخدهم على فترات…بس
انا مش همضي تنازل غير لما اخدهم…..”
نظر زاهر الى حمزة ثم لعثمان…..وعاد اليها
بابتسامة رزينة موضحًا بحزم…
“طبعاً مينفعش لازم تمضي تنازل العمارتين عليهم مشاكل في مكتب الضرايب واحنا محتاجين نخلص اوارق البيع عشان نتفرغ لمشاكلنا..وجودك كشريكة معانا معجزنا في اتخاذ اي اجراء قانوني دون موافقتك..”
لمعة عينا قمر بالحزم فقالت معترضة…
“انا مش موافقة…. مش همضي غير لما اخد حقي في ورث ماما الشرعي….انا مش شحاته هترمولي
قرشين وتقوليلي روحي الله يساهلك….. انا
صاحبة حق ولازم اخده…….”
توترت الاجواء في الغرفة فحاول زاهر
التحدث مجدداً يقنعها….
“احنا مش ممانعين…. بس…..”
حك حمزة جوار انفه ثم مالى للأمام والقى نظر
مستهينة على المحامي ثم قال بتجهم…..
“بس اي يامتر… ان كان اللي بيتكلم مجنون في
اللي بيستمع عاقل…. فجأه كده طلعت مشاكل مع الضرايب و فجأه وجودها بقا عاملكم عجز…. مانتوا كنتوا شاغلين من غيرها زي الفل….. هو اي كلام وسلام…. للأسف لا كلامك مقنع ولا انت ذات
نفسك مقنع….”
وقف حمزة سريعاً مشير لقمر بان تنهض من مكانها
ففعلت متضامنه معه…..
“قومي بينا يابنت عمتي….واضح ان الأستاذ مش دارس قانون كويس…..نتقابل في المحكمة يامتر… وساعتها ابقى أثبت على موقفك وقدم المرفعه
دي قدام القاضي…يمكن يقتنع….. ”
هتف عثمان بصوتٍ حاد……
“عايز تمشي اتنيل امشي لوحدك…. قمر قاعده احنا لسه مكملناش كلامنا…..”
نظر حمزة لقمر بطرف عيناه ثم تحرك خطوتين
قائلاً بصلابة……
“براحتها لو عايزة تفضل معاكم براحتها… بس انا
عن نفسي خارج من هنا……”
قالت قمر بصوتٍ مهتز وهي تلحق
به…
“لا انا هاجي معاك……”
ثم استدارت تنظر لخالها المشدوه من ملحقتها
لابنه بهذه السذاجة وكانه قام بعمل غسيل مخ
لها افقدها صوابها !……قالت هي بعد لحظات من الصمت وتبادل النظرات وكان حمزة يقف بجوارها متسمرًا مكانه منتظر رفضها على احر من الجمر..
فرفضها…يعني انتصارٍ له؟!….
“انا مش موافقه ياخالي….مش هتنازل عن حقي
بكام مليم… ولا عايزه امسك عليك وصلات أمانه….
انا كل اللي عيزاه حقي…..ورث ماما وبس…..”
خرجت مع حمزة امام عينا عثمان المتستعين بالقسوة والنفور كبركان يهدد بالانفجار….
تمتم عثمان وهو يضرب على ذراع المقعد
الجالس عليه بهيجان…..
“غبي….غبي…..غبي……”
ساله زاهر بدهشة….. “معقول ده ابنك….”
أطبق عثمان على اسنانه بغيظ مجيبًا
بكراهية……
“من حظي الأسود ان ابن الكلب ده من صلبي…..”
قال زاهر بملامح جامدة….
“من حظك الحلو انه من صلبك…..”
انتبه عثمان له رغم الغضب العنيف الذي يعلو
وجهه المجعد…. “تقصد اي يا زاهر…..”
قال زاهر بابتسامة لئيمة المعاني….وتعبيرٍ
مجازي……
“انت مخدتش بالك البنت واثقه فيه إزاي…وأول
ماقال همشي اتعلقت في دراعه وخرجت معاه..”
زفر عثمان صائحا فقد عيل
صبره…
“اخلص يازاهر انا مش ناقصك…..”
بنظرة وبنبرة تفوحا بمكر الثعالب أوضح….
“بما انك مش ناوي تديها حقها….وان اللي طالع من ذمتك المبلغ اللي حطيتوا قدامها… ليه متستغلش
ابنك وتخليه يجبلك تنازل رسمي منها….”
ضحك عثمان بعصبية قائلاً بنقم….
“حمزة؟!….انت بتحلم دا لولا الملامة يدفني بالحيا
مش يساعدني أخلص من قمر…..”
ضاقت عينا زاهر موضحًا
بسلاسة….
“ومين قال ان انا بقولك تخلص منها…..”
نظر له عثمان بتركيز اكبر…. فتابع زاهر بخفوت…
“البت شكلها متعلقه بابنك….فليه متلعبش على
نقطة ضعفها وتجوزها ابنك وتضمن ان فلوسك
مش هتخرج براك…ومع الوقت خلي ابنك ياخد امضتها على التنازل…”
هز عثمان راسه بوجوم واخبره سرٍ……
“مش سهله اوي كده يازاهر….ايوا انا معاك انها مياله ليه وده خدت بالي منه أكتر من مرة….ولما وافقت تعيش معاهم الكام شهر دول كان عندي أمل ان
حمزة يحبها وهي كمان….ساعتها هضمن ان فلوسي
مش هتروح للغريب…..لكن الواد زي مانت شايف..
مش فارق معاه حد بيعاند وخلاص……ولو عرضت عليه هيعاند اكتر ويمكن يرفض…اصل ايه اللي هيخليه يوافق يساعدني في حاجة زي دي….وانت
عارف اللي بينا….. ”
أومأ زاهر بتأكيد هاتفًا بثقة…..
“عارف وعشان كده بقولك من حظك ان البت
مياله لابنك…….”
نظر له عثمان بحيرة مفكراً في الأمر…فأسترد
زاهر الحديث بنبرة مقنعة كمن يدس السم
في العسل…….
“اسمع ياعثمان كل واحد وليه سعر….وابنك ليه سعر وعشان تشتريه رجعلوا ورث امه….بشرط انه يتجوز
قمر وبعد فترة يجبلك منها تنازل رسمي عن ورثها
في العمارتين…….اي رأيك……”
نظر له عثمان قليلاً بتشتت.. فابتسم زاهر بزهوٍ مؤكداً ان تلك الخطه افضل وانجح مما سبقت….
…………………………………………………………….
للبحر معزوفة مميزة تطرب الأذان ،ترنم القلوب
وتحنان…..
للبحر روح مبهجة… دواخلها مبهمة….سرادبها متعبه..
فهم تكوينها معجزة……
كالبحر انتِ حبيبتي لا تحتاجِ لبطل مغولِ بل لسباح
ماهر يسبح الى اعماقك مخرج جوهرك مكتشف خباياكِ…
جلس على رمال الشاطئ مكانها المفضل كما اخبرته وارسلت عنوانة في رسالة…….
احب المكان جداً ربما لانه يحمل روحها….جمالها و
رقتها اسرارها…..هذا البحر يعلم عنها الكثير مما يجهل هو معرفته وكلما تقدم خطوة منها للمعرفة أبتعد عشر خطوات محبطاً…
كان الجو رائع ونسيم يمتزج برائحة الماء المالح وشمس ساطعة على الرمال الصفراء المتوهجة بشكلاً ساحر وكانها التَّبر….اما الامواج تعلو ورذاذ الماء يضرب الوجوه باجتذاب……
أبتسم عاصم وعيناه معلقة على زُرقة الماء….بسمة تخص امرأة واحده القت سحر الغرام في قلبه عند أول لقاء بها وبنظرة من كهرمان عينيها الجميلة سلم للهوى ولم يقل لهُ سلاما !…
حتى الان يصعب عليه ان يودع هواها…رغم كل ماحدث بينهما….هناك شيء يرجعهُ لها….هناك شيء يشعرهُ بالمسئولية نحوها…. هناك رابط متين يأبى الفكاك معارضاً…
“اتأخرت عليك…..”قالتها وهي تجلس جواره برقة…
وعطرها الطيب يغزو انفه مداعباً حواسه……
“ربع ساعة….”قالها وهو يرفع عيناه عليها بشوق العالم وقصائد الهوى تحاكي قلبها سراً…..
فيذوب قلبها وعينيها معاً بضعف راجية اياه سرًا
ان يرحم ضعفها…..
اسبلت عيناها بخجل قائلة بتوتر…..
“يعني….ربع ساعة مش كتير…..”
“بنسبة ليا كتير….”قالها وعيناه تتأمل بهاء حُسنها
سبحان الخالق البديع…..جميلة التكوين ، جميلة الروح ، جميلة الطلة ، جميلة العينين ، جميلة الجميلات…
كانت عينيها العسلية كحيلتين جذابتين للمطلع… ترتدي بنطال من القماش بساقين واسعتين بُني
اللون يعلوه كنزة بيضاء صيفية محتشمة… ترفع شعرها بأكمله للأعلى في ربطه مهذبة تتأرجح خلف عنقها.. دون ان يتدلى منه خصلة واحده…..فكان وجهها مشعٍ وصافيا ومختلفا…وشفتيها المغوية تلمع بهذا المرطب الوردي ، مذاق العسل كما صرحت في غفلة……
انه يثير استفزازه بشدة ؟!…
انتبه للاقراط المتعلقة في اذنيها كان بنية اللون صغيرة جداً على شكل فراشة رقيقة……
“مالك بتبصلي كدا ليه..في حاجة فيا متغيرة……”
فاق من شروده بها على صوتها المتعجب….
فقال بنظرة ونبرة تثمل قلبها وعقلها معاً……
“كل مرة بشوفك فيها بحس اني بشوفك لأول مرة…”
خفق قلبها فعضت على شفتها
بخجل وسألته….. “إزاي يعني…..”
رد بصوتٍ أجش…..
“كل مرة بكتشف حاجة جديدة مشوفتهاش قبل كده…”
سالته بعينين متلألأة بالمشاعر….
“ودلوقتي اكتشفت إيه……”
رد بصدقًا وعيناه تأسرها….
“انك جميلة بشكل يحير……”
خفق قلبها بشدة فقالت مستنكرة….
“بلاش الكلام ده….انا مش حلوة لدرجادي….”
رد بهدوء……. “انا شايفك كده….”
صدقًا هذا كافٍ لعمر قادم !..
قالها قلبها الولهان….فنظرت للبحر لثانية ثم عادت إليه مغيرة الحديث سائلة باهتمام….
“طمني عنك….الجرح لسه بيوجعك….ولا بدأ يخف….”
رد عاصم بهدوء…… “يعني….بيخف…اطمني……”
اخرج عاصم شيءٍ من جيبه بنطاله ثم قرب قبضة يده المضمومة لها قائلاً……
“افتحي إيدك…..”
نظرت الي بتوجس لكنها ابتسمت بصفاء وهي تفتح
كفها الأبيض الصغير…….
فالقى في كفها بخفة شيءٍ يلمع صُنع من الذهب
لم تزول الإبتسامة عن وجهها الجميل وهي تتفحصه
بفضول لتجد (انسيال) ذهبي رقيق يلمع بشدة لم تجد ذهب يبرق بهذه القوة…..
حركته بين اصابعها متأملة بانبهار من لمعة الذهب
ورقة التصميم لتجد مكتوب عليه شيءٍ بالخط الفارسي الرائع(سيدة الحُسن….)
إبتسمت بدهشة ولمعة عينيها بتأثر…رقة الهدية
جمالها اللقب الذي يناديها به في بعض الأحيان
هل هي فعلاً سيدة الحُسن في عيناه ؟!…
ضحكت وهي تنادي باسمه مبتهجة.. “عاصم….”
ابتسم لجمال ابتسامتها وسالها وعيناه تطوف على ملامحها المتوهجة……
“عجبتك…..”
اكدت بإبتسامة حارة…. “جداً… انت اللي عمله….”
اوما براسه مبتسماً….. فسالته وهي تتأمل الحلي
الذهبي باعجاب…. “بمناسبة إيه…..”
قال بصوتٍ عميق…..
“نجاح مشروعك……مش قولتلك ان ليكي عندي
هدية…. ”
قالت شهد بجذل……
“متوقعتش ان الهدية تكون حلوة اوي كده….انت طلعت شاطر أوي….وذوقك حلو كمان…….”
ليس هناك شك بعد ان اختارك قلبي من بين
الجميع…..قال بصوتٍ أجش…..
“انا عملتها على حسب ذوقك…..”
انعقد حاجبها تساله
بتبلد….
“وعرفت منين ذوقي…..”
ابتسم عاصم نصف بسمة ونظر للبحر ممتنع
عن الرد…فأحمر وجهها خجلاً وقالت….
“بلاش السؤال ده…انت بتعمل كده مع الستات اللي بتطلب منك حاجات زي دي.؟……”
عاد لعيناها قائلاً بهدوء…..
“هما بيختاروا تصميم معين…وانا بشتغل عليه….”
ثم استرسل بزهو……
“وفي اللي بيبقا بقاله سنين بيتعامل معايا…وواثق
في شغلي……”
قالت شهد بخفوت….
“واضح انك مش سهل…..ممكن اعرف تمنها….”
انعقد حاجباه عابسًا….. “تمن إيه؟…..”
رمشت بعيناها عدة مرات وقالت
ببراءة…
“الانسيال ياعاصم……”
تافف بحنق بالغ…… “انتي واعيه للي بتقوليه…..”
اتسعت عيناها وهتفت بتحذير…..”عاصم…..”
لم تلين ملامحه وهو يقول
بعتاب…
“ماهو مفيش حد بيدفع تمن هدية جتله….”
قالت بحرج….. “ماهي شكلها غالية…..و.. ”
قاطعها وهو ياخذها منها قائلاً
بحنان….
“هشش…هاتي ايدك البسهالك….”
أحمر وجهها رافضة….. “لا انا هلبسها لوحدي……”
أبتسم عاصم مشاكساً… “مش هاكلك متخفيش……”
مدت يدها بخجل فالبسها السوار الذهبي
الرقيق….ثم حرك كفها بين يده يميناً ويساراً
متأمل السوار في رسغها…..
“كده زاد تمنها لما اتحطت في إيدك……”
سحبت يدها ولامست السوار باصابعها الرقيقة….
قائلة بسعادة…..فهي لم تحظى بشيءٍ من الذهب
الخالص يوماً !…..
“حلوة أوي……. تسلم إيدك……”
طالت النظرات بينهما قليلاً وابتلعهما الصمت لبرهة
كان يحمل ترنيمة رائعة موسيقاها صوت تلاطم
الأمواج وحفيف هواء البحر ، واخيراً خفقات
قلوبٍ تحترق صبابة….
حتى قتلت شهد الصمت
متسائلة بتوتر…..
“مفيش اخبار عن مرعي؟……”
رد عاصم بفتور……
“سلم نفسه…..وقريب أوي هنروح انا وانتي نأكد
على اقولنا في النيابة….مستني مكالمة من المحامي …”
تشدقت شهد بدهشة…..
“بجد سلم نفسه….أعترف بسهوله دي؟…هو كان مختفي فين أصلا ؟!……”
سحب عاصم نفساً طويلاً ثم سرد لها ماحدث على
مهل….ومع كل جملة عينيها تتسعان بدهشة وحنق
وعتاب في ان واحد…….عندما انتهى عاصم من
الحديث… قالت شهد متاففة بغيظ……
“ازاي تعرض نفسك للخطر تروح لواحدك مكان
زي ده..أفرض اذاك ولا ضربك بحاجة…دا بنادم
مجرم ومفيش في قلبه رحمة…”
قال عاصم بمنتهى الهدوء والثقة…..
“قولتلك ان حكيم كان معايا على الخط…وبعدين
لو كان فيه اي عواء كان طلع ليا…وبعدين انا مش قليل يعني….عشان اخاف من عيل زي ده…دا
مفهوش خبطه……”
هزت شهد راسها بعدم رضا…..
“ايوا برضو ليه تعرض نفسك للخطر انت لسه
جرحك مفتوح…ممكن بخبطه واحده منه لا قدر الله
يتفتح..”
ابتسم عاصم مؤكدا توقعها….
“ماهو عمل كده فعلاً وكان ناوي يهرب…..”
وضعت شهد يدها على فمها شاهقة بقلب نبض بالرعب…..ثم سريعاً وضعت يدها على ذراعه تنظر
لبطنه أسفل قميصه الأسود تتفحصه بدقة وهي تسأله باهتمام……
“حبيبي…..وحصلك حاجة……”
نظر لكفها الرقيق القابض على ذراعه ولعينيها
القلقتين في النظر اليه وللهمسة الملتاعة من بين
شفتيها الوردية…….
وخصوصاً (حبيبي) فعلت العجب به ؟!…
لم يقدر على كتم تأوه رجولي حار وهو
يقول بعذاب……..
“انا دلوقتي حصلي حاجات كتير…انتي قولتي إيه….”
أحمر وجه شهد بحياء انثوي لذيذ لكن عينيها
لمعة بدموع والخوف عليه كان مسيطر عليها
الان….فقالت بوله…..
“متهزرش ياعاصم….بقولك حصلك حاجه…اوعى يكون جرحك اتفتح……”
الا انه لم يتراجع بل سألها بحزم وهو يقبض
على كفها الصغير بين يده….
“انطقي ياشــهـد….انا على اخري منك قولتي
إيه……”
سالت مجدداً بقلب اضناه
الخوف…”ياعاصم رد……”
“ردي انتي قولتي إيه…..”
كان هو أشد عناداً منها لذا قالت هي بزفرة يأس وشعور الخجل يرهق قلبها نبضاً….
“مش قصدي كده بس اتخضيت عليك….”
ضيق عيناها بخطٍ عابس مشككا في
الأمر….
“هو انتي لما بتتخضي على حد…بتقوليلوا كده؟…”
“اه عادي الناس القريبة مني بس….”ردها البسيط أشعره بالاحباط لذا ترك كفها وطمئنها برحابة
صدر يحسد عليها…..
“كويس اني من الناس القريبة !… انا تمام
محصلش حاجة……اطمني… ”
سألته بقلق بالغ….. “بجد يا عاصم ؟!…”
رد عاصم بخشونة…..
“بجد ياست الحُسن…وإلا مكنتش جيت وفضلت قاعد معاكي لحد دلوقتي……….”
أسبلت اهدابها وأخذت انفاسها ببعضٍ من الراحة…
لكن قلبها مزال يخفق بجنون واعصابها كلها منهارة
من الخجل بعد تلك الكلمة ؟!….
اكنت فعلاً تلقائية على لسانها حينها….ام انها الملكية
الحصرية التي رغب بها قلبها !….
ساد الصمت بينهما قليلاً وكان كل شخصٍ
منهما يرتب أفكاره ويقاوم مشاعر ناهمة….
حتى سألها عاصم وهو ينظر الى وجهها الصافي
تحت أشعة الغروب الساحرة…..
“ينفع اسألك سؤال وتجوبيني بصراحة…..”
خفق قلبها مع نبرة الصوت الملامة في كلامه
متوقعة السؤال دون الطرح على الملأ….
لذا قالت بصراحة مطلقة….
“كنت مضطرة اعمل كده…..”
سالها بصوتٍ غريب…..
“ليه ياشـهـد…. فهميني يمكن اعذرك…..”
اظلمت عينيها للحظات بوجع ورذاذ البحر يصفعة
بخفة حتى تتشجع وتقاوم خزيها……وبالفعل
قالت بصوتٍ ميت وقلب كالثلج…..
“بسبب بابا……عثمان الدسوقي طمعان فيك… شايف
ارتباطي بيك وسيلة يحقق بيها اهدافه… واكتشفت
ده قبل ما تيجي بدقايق…. فمحبتش اورطك معايا
فرفضتك قدامه…. منها أثبت ليه اني مش سلعة يتاجر فيها….وان ارتباطي بيك مش لعبة ماريونيت يحركها زي ماهو عايز…..”
استرسلت بغصة كالجمر في جوفها….
“كان لازم اخد موقف ومسبهوش يتحكم فيا..عارفه
اني جرحتك وكسرت الثقة بينا….بس انا عملت دا
كله عشان مضحكش عليك…..مانا طالما عرفت حاجه
زي دي وكملت…..مش هفرق عنه كتير…..”
نظر لها عاصم بتمعن قائلاً بصوتٍ
أجوف…
“مش مهم ابوكي طمعان فيا ولا لا…في كتير
حواليا زي ابوكي وألعن….وبعرف اتعامل معاهم
كويس أوي…..مش حاجة جديدة عليا….المهم
عندي انتي شيفاني إزاي عريس لقطه وغني
فوافقتي عليا في الأول عشان كده….”
هزت شهد رأسها بنفسٍ قنوعة…..
“أكيد لا….الماديات آخر حاجة ممكن تفرق معايا…”
إلا ان عاصم اردف بفضول…
“واي اللي يفراق معاكي…..”
لمعة عيناها وهي تقول بإبتسامة خاصة
المعاني…….
“اني أحس بالأمان…..أحس براحة…وبسعادة مع الشخص اللي أتمناه قلبي…”
بنبرة حارة رغم رزانة
مقامها….
“وانا الشخص دا ياشـهـد ؟!…..”
نظرت اليه بعتاب.. وكان ما بينهما تخطى مرحلة الشك فيما تخصه به من كلام نابع من قلبها
المولع في حبه…”أيوا….عندك شك…..”
وكانها القت ألعاب نارية في حدقتاه المظلمة
فتلألأت بجاذبية…بينما عاتبها بالكلمات
قائلاً….
“وليه العذاب من الاول يابنت الناس….كان ممكن تخلي الزيارة تعدي على خير وبعدين تحكيلي
على كل حاجة ساعتها أختار أكمل ولا لا…..”
أسبلت شهد عيناها بحرج تعلم انها تسرعت
وقتها لكن غضبها وكرهها لابيها سيطر عليها ولم
تجد لهما ردعٍ………فاضاف عاصم بصوتٍ دافئا
يشع حبٍ أحتوى به قلبها فجأة…..
“وبعدين اللي ابوكي يطلبوا هعمله وبزيادة كمان
انا اتقلك بالماس ياشـهـد……انتي غالية اوي
عندي….وبكرة اثبتلك ده مع الأيام….. ”
رغم مشاعرها المتوهجة في حضور سيدها
وكلماته الساحرة إلا انها قالت بضيق…..
“انت كده هتخليه يستغلك…. أوعى تعمل كده…”
مسك كفها وحجزة بين قبضته مشدد عليه وعيناه تلقي الوثاق حول قلبها…..فقال بمرح…..
“انا هعمل اي حاجة عشان تبقي معايا… وبعدين
بصراحه هو عنده حق لو عندي بنت زي القمر كده
زيك مش هفرط فيها بساهل….”
إبتسمت شهد بسخرية مريرة قائلة…
“عثمان مش بيفكر كده…..هو مش بيحبني أصلا
عشان يمسك فيا ويتبت…….احنا مش زي اي عيلة
ولا ابويا زي كل الابهات…… ”
لم يترك كفها بل اتكأ عليه وهو
يسألها..
“في بينكم مشاكل……”
كان سؤال أشبه بحجر ثقيل وقع فوق صدرها
فتلونت نظراتها بغلالة من الحزن….وقالت بمرارة
كالعلقم تموج في حلقها……..
“في بينا كره…… في بينا ألف سور….. في بينا ايام
وحشة وسنين مُرة……. في بينا كل حاجة وحشه محدش يتمنى يعشها مع أبوه…..”
اتكأ على كفها مجدداً وكانه يدعمها بتلك
الحركة “هتحكيلي؟…..”
كان سؤال يحمل رجاءاً بأن تشاركه اوجاعها
واحزانها قبل فرحها…..فقالت وهي تحرك اصبعها
بين قبضته متجاوبة معه بمشاعر لا تحيا الا في حضوره…..فكيف ترد له طلب وهو إمتلك أغلى
شيءٍ لديها……قلبها !….
لذا قالت بخفوت……
“يمكن مع الوقت…. يمكن…..”
طلب ميثاق منها…… “وعد؟!…”
رفضت بملامح بائسه وهي تنظر للبحر وقت
الغروب……
“بلاش وعود…..محدش عارف بكرة مخبي إيه…”
قال عاصم بحسم…… “انا هتقدملك تاني…..”
إدارت وجهها اليه بسرعة مشدوهة….
“عاصم….”
قال عاصم بتملك وعيناه تأسر عسليتاها
وكلماته تلقي على قلبها سحرٍ لم تفلح في
الفكاك منه أبداً….
“هكلم ابوكي بنفسي… واخد منه معاد….. بس مش هاجي لوحدي المرادي….. هحطك قدام الأمر الواقع
وهجيب اهلي معايا…..قولتي إيه… ”
بلعت شهد ريقها بصعوبة ولجمتها الكلمات
والاصرار بهم…..هل مزال يريدها فعلاً ؟!..
هل سيتقدم لطلب يدها من جديد بعد
ما حدث منها….انتبهت كل حواسها اليه
عندما بدأ يتحدث من جديد في محاولة
لاقنعها……
“اسمعي ياشـهـد….. اللي هقوله ده مش تهديد.. بس انا مقدرش اكون معاكي غير في النور…..انا تاجر
ياشهد والحياة علمتني اكون دغري….وان عوزت
حاجة أروح لحد عندها واطلبها…. وانا عايزك يابنت الحلال….. عايزك كده زي ما انتي …. عايزك وناوي أنفذ شروط ابوكي كلها بس تكوني معايا…..قولتي إيه… ”
مجدداً الصمت كان حليفها…لذا تحسس
عاصم ظهر كفها بابهامه بحب…
“قولي انك موافقة…. وفرحي قلبي….”
ضاعت في جمال نظراته العاشقة نحوها بل ضاعت
في تفاصيله الرجولية الجذابة….ضاعت ضياع
مقبول في حضرة حضوره….يالهي هل هذا الرجل
مكافاة بعد صبر سنوات مضنية من العمر ان كان
كذلك علي ان أسجد شاكرة لله من الآن…..
سألته شهد بتردد….
“متأكد إنك عايزني بعد اللي قولتهولك…..”
ذأب قلبه وعيناه وهو يخبرها بشوق…
“عايزك معايا اكتر من الأول.. عايزك في بيتي…
في اوضتي على سريري وفي حضني….”
اتسعت عيناها وسحبت يدها وقد امتزج خجلها
مع حنقها….”عاااصم….. احترم نفسك…..”
تأوه دون خجل منها مصرحًا بوقاحة…..
“آه ياشـهـد واضح اني هعاني على ما وصل
للمرحلة دي…. ”
تخضبة وجنتيها بحمرة الخجل وذابت اعصابها عقب كلماته…..فاطرقت برأسها ولم تقوِ على ادعاء التبلد
الان….فقد فاز فوزاً عظيماً……..
فشاكسها بمكر…..
“يسلملي الخجلان…..”
صاحت منزعجة……. “بس بقا…..”
اراد ان يثير غيرتها قليلاً فقال بمناكفة…
“مردتيش يعني اي رأيك اجي ولا أروح أشوف العروسة اللي جيبهالي حكيم……بيقول انها صاروخ…….”
ازداد احمرار وجهها بالغضب وتشدقت
تدعي الا مبالاة…..
“يسلام واي اللي معطل جنابك…اتفضل روحلها.. ”
ضاقت عينا عاصم سائلا بغلاظة…
“أروحلها ؟!……”
اومات براسها ببرود وهي تنظر
للبحر…. “روح مع السلامة….”
لم يتحرك من مكانه بل أبتسم منتشياً وهو
يقول بمرح…..
“اخر الأسبوع كويس….اجيب الشربات معايا ولا عندكم……”
مطت شفتيها بغيرة…. “وبنسبة للصاروخ ؟!……”
غازلها بنبرة شقية….
“مفيش صاروخ غيرك ياجميل……”
ضحكة افتتن بها قلبه ، كانت جميلة تشع بالحياة كجمال عينيها وروحها…..
فلم يقاوم نفسه وهو يقول دون
وعي…..
“وبعدين في الضحكة دي…….”
بدأت تخفف ضحكاتها بتدريج ومسحت عينيها
بطرف اصابعها من دموع انسابت عندما ضحكت
بهذا الصخب…..”انت مش طبيعي النهاردة…….. ”
لم يرد بل ظل مبتسما بحب وعيناه تلقي السحر والقصائد عليها كعادته دوماً…… فقالت بخجل
توثق موافقتها أخيراً…….
“هستناك اخر الاسبوع…….”
رد بهدوء مدلل قلبها
بالكلمات….
“وانا هاعد الأيام من دلوقتي…..”
أرحم قلبي ياسيدي كفاك دلال وغزل فانا وقلبي
لم نعتاد بعد…..
- يتبع الفصل التالي اضغط على ( رواية الحب أولا) اسم الرواية
تعليقات
إرسال تعليق