Ads by Google X

القائمة الرئيسية

الصفحات

رواية اغصان الزيتون الفصل السابع 7 - بقلم ياسمين عادل

   رواية اغصان الزيتون كاملة بقلم ياسمين عادل عبر مدونة كوكب الروايات


 رواية اغصان الزيتون الفصل السابع 7

 

المحيط من حولها عبارة عن فوضى، تسبب جنونها في تكسير أغلب قطع الديكور الزجاجية، فـ الحال الذي وقع فيه جميعهم لا يُحسدون عليه، خاصة وأن “شاكر” رفض رفضًا قاطعًا محاولتهم للمناقشة معه. أوقعت بلورة قيمة للغاية، كانت قد ابتاعتها من أسبانيا في آخر زيارة لها، فـ التفت إليها “صلاح” وقد بلغ غضبهِ ذروتهِ :

– بـس ياأسـما، كـفاية مش قـادر أفكر بسببك.

اهتاجت هياجًا شديدًا، وهز صوتها كل الأرجاء وهي تصرخ صراخًا مدويًا :

– إبنك متـجوز ومـخـلف من ورايـا!.. أنت مش مستوعب المصيبة ياصلاح!.

زجرها بنظراتٍ مستنكرة، لمحدودية تفكيرها الذي لم يصل لأبعادٍ أكبر من ذلك :

– هو ده اللي بتفكري فيه!.. إنه عمل ده من وراكي!.. فكري في شاكر وبنته وفضيحتنا!!.. شاكر هيقلب الدنيا علينا عشان بنته الوحيدة.

اتقدت رأسه من شدة العصبية وهو يتابع :

– الـ ×××× بنت الـ ×××.. جاية تعمل الشو بتاعها ليلة فرح إبني!.. لو أطولها بس هوديها ورا الشمس.

ما زالت “أسما” لدى نفس النقطة، وهي قيام ابنها بأمرٍ گهذا دون علمها، وتطور الأمر حتى وصل إلى وجود طفل أيضًا :

– أمتى حصل وإزاي ؟.. والبت دي كانت فين طول الشهور دي؟.

– يـــــــــوه.!

قذف “صلاح” سترته على الفراش، والتفت متوجهًا صوب الباب، خرج منه وهو يسبّ ويلعن بألفاظٍ خرجت عن نطاق المسموح به، بعدما فقد التحكم في أعصابهِ التالفة. حينئذٍ كانت “أسما” تعيد محاولتها للإتصال بـ “حمزة”، علها تتوصل لأي معلومة حول مستجدات الأمر، لكنه ما زال مغلقًا ولا تستطيع الوصول إليه، فـ ألقت به على الطاولة، وفركت أصابعها بتوترٍ وهي تغمغم ساخطة على وضعهم :

– ياترى انت فين ياحمزة؟!.

**************************************

كان ينتظر رفيقه خارج المعمل المتخصص لجميع أنواع التحاليل، بعد أن وردهُ إتصال منه يُفيد بإيجاز ما تعرض له من موقف خطير لم يتعرض لمثيلهُ من قبل. نظر “راغب” في ساعة يده قبل أن ينفخ بإنزعاج، ثم نظر مرة أخرى لبوابة المعمل بقنوط، ليرى “حمزة” يخرج منها، فـ ترجل عن سيارته بعجالةٍ وأشار له مناديًا:

– حــمزة.

انتبه “حمزة” لمكانه، فـ تقدم منه حتى وصل إليه، فـ سأله “راغب” مشدوهًا :

– إيه اللي قولتهولي ده!!.. البت فعلًا مسنودة ووراها ناس؟.

كان “حمزة” گالقدر الذي يغلي على موقدٍ هادئ، بداخله حُمم بركانية تتلظّى من فرط غليانها، رغم الهدوء المزيف الذي يحاول أن يظهرهُ. دسّ إيصال إستلام النقدية في جيبه، ثم قال :

– الحكاية دي وراها لعبة كبيرة أوي ياراغب، بس أنا لسه مجمعتش التفاصيل كلها.. أنا بيتلعب عليا دور محبوك أوي أوي.

مطّ “راغب” شفتيه بقلة حيلة :

– طب وبعدين ياحمزة!.. هتعمل إيه بعد ما البت دي اختفت؟.

– هجيبها ولو في بـطن أمـها.

صدح صوته حتى وصل لكثير ممن حوله، فـ نظر “راغب” بشمولٍ و :

– أهدا ياحمزة الناس بتتفرج علينا.

صرّ على أسنانه بغيظٍ كتمه طويلًا، وهتف بـ :

– أنا عملت التحاليل وأخدوا مني عينة يطابقوها، قالي الإستلام بعد أسبوع بس أنا رشيت عليهم (رشوة) كلهم لحد ما بقوا ٣ أيام.. آخد التحاليل بس وهيكون في كلام تاني.

دنى “حمزة” منه خطوة، ثم همس من بين أسنانهِ الملتصقة :

– أتصرف وهاتلي البت دي من تحت الأرض ياراغب، أنا مش هستنى رحمتها عليا لما تتكرم وتظهر تاني قدامي.

أومأ “راغب” رأسه متفهمًا :

– من الصبح هقلب عليها الدنيا.. بس قولي إسمها إيه.

قطب “حمزة” جبينه مدهوشًا من نفسه، حتى إنه لم يعرف إسمها؛ لكنه تذكر أمر وثيقة الزواج، فـ أخرجها من جيبه ونظر لإسمها بشئ من الإشمئزاز :

– إسمها سُلاف.. سُلاف محفوظ السُني.

– أعتبرني لقيتها، من الصبح هجيبلك سجلات كل اللي أسمهم سُلاف.

تحرك “حمزة” نحو سيارته المصفوفة على الجانب الآخر و :

– أنا ماشي، لازم أشوف ميان.

*************************************

كانت بمفردها في تلك الغرفة التي تختلي فيها بنفسها أغلب الوقت، تتفقد مواقع التواصل الإجتماعي، والتي انتشر عليها الخبر بسرعة البرق، وأصبح الحديث عن الأمر مُحتل أحد المراتب الأولى للأخبار الهامة، أي ما يُسمى في عصر التكنولوچيا العصرية (Trend). جلجل صوت ضحكتها، وهي ترى الصور ومقاطع الڤيديو التصويرية متفشية بكل مكان ، اعتدلت في جلستها، تناولت السيجارة المشتعلة لتسحب منها جرعة إلى صدرها، ثم أعادتها مكانها بالمنفضة، و التقطت بعدها كأس الماء بشرائح الليمون ترتشف منه. تنفست بأريحية بعد إتمام أهم خطوة بالأمر كله، كان ظهورها الأول أمامه هو الإنتفاضة الأولى لمسيرتها الطويلة، وها هي تجاوزته، وما بقى يحتاج منها فقط كثير من الحرص و الدهاء. أغلقت هاتفها وهمّت بالخروج من هنا، لترى “مصطفى” أمامها منتويًا زيارتها، وعلى وجهه تعابير السعادة جليّة، فـ تبسمت في وجهه وهي تنحني عليه، ولامست بأصابعها ذقنهِ التي خالطها الشيب :

– مش بشوف الضحكة دي كتير على وشك ياعمي، أنا فرحانة إني فرحتك.

ربت “مصطفى” على يدها داعمًا ومشجعًا لها، متمنيًا لو إنه يتشفّى برؤية هزيمتهم الساحقة بنفسهِ، حتى يُرضي روحه الجائعة للإنتقام :

– فرحان من كل قلبي، وزمان إسماعيل حاسس بينا وشايفنا وفرحان هو كمان.. حق الغايبين خلاص هييجي.

أومأت “سُلاف” برأسها مؤيدة، بينما كان هو يتابع :

– ياما كان نفسي أشوف صلاح بعيني وأشفي غليلي.

ضغط بأصابع يده على ساقهِ – المبتورة – ، ليتذكر عجزهِ المستديم والذي تسبب فيه “صلاح القرشي” :

– كان نفسي أبقى واقف قدامه على رجلي.

وامتلأ صوته بالغيظ الحاقد وهو يتابع :

– وآخد قلبه من بين ضلوعه بأيدي.

هزت رأسها بتفهم، وهي تُقدّر مشاعرهِ المُتقدة :

– أنا حاسه بيك، متقلقش ياعمي هعملك كل اللي انت عايزه.

ضبط إنفعالاته المضطربة، وتحكم فيها شيئًا فـ شيئًا، ثم سألها بجدية :

– الرجالة اللي بعتهم ليكي كانوا كفاية؟.

انتصبت في وقفتها، وأجابته بثباتٍ :

– كفاية أوي.

– كويس إننا كنا عاملين حسابنا، أنا عارف إنهم و×××× ما هيصدقوا يستفردوا بيكي.. بس أنا عمري ما هسمحلهم بحاجه زي دي أبدًا.

صوت بكاء الرضيع “زين” انتشلها من أوج تركيزها، فـ أشارت نحو الجانب الآخر قبل أن تهمّ بالإنصراف :

– زين صحي، أنا هروح أشوفه.

و انصرفت من أمامه، حينما كان هو يستعيد أمام ناظريهِ مشاهد من الماضي، مشاهد لم ينساها أبدًا، يراها كل يوم، في صحوهِ ونومهِ. تلك الليلة المشؤومة التي خسر فيها خسرانًا مبينًا، والتي أقسم مُنذها إنه لن ينسى، إلى أن يواريـه الثـرى.

***************************************

كل المبررات لم تكفي، كي يصدّ عنه استجواب “أسما” – الصارم – والمُتشدد، بشأن ما حدث الليلة من أمرٍ مُشين. أطبق “حمزة” جفونهِ بـ اختناقٍ وضيق، وطرد ثقلًا من على صدرهِ بزفيرٍ عميق :

– أنا هكذب عليكي ليه ياماما!.. بقولك أول مرة أشوفها في حياتي، ولا هي مراتي ولا ده إبني، أفهمي.. في حد بيلعب عليا لعبة رخيصة جدًا.

لم تقتنع “أسما” بحديثهِ، وشعرت بـ شائبةٍ تطول الأمر :

– والصورة اللي كانت معاها! برضو هتنكرها؟.

نفخ “حمزة” بإنزعاجٍ شديد، ولم يتحمل ضغط لأكثر من ذلك، فـ هو أيضًا عايش يومًا صعبًا وأحداث مرعبة :

– ماما أرجوكي، أنا مش متحمل أي كلام، لسه جاي من عند ميان ورفضت حتى تشوفني أو تسمع مني ومزاجي زي الزفت.. سيبني أفكر وأشوف هعمل إيه في العك ده.

نزع “حمزة” رابطة العنق وألقاها جانبًا، وغمغم بضيقٍ شديد :

– البت دي مسنودة جامد أوي، في حاجات كتير حصلت وأنا غافل عنها.. ده مش موقف عابر ولا طبيعي أبدًا!.. بس مين؟؟ مين وراها!.

**************************************

من المساء للصباح.. كل شئ قادر على التغيير بين ليلةٍ وضُحاها. بضع ساعات كانت قادرة على نشر الأخبار بسرعة مهولة، فـ الفضيحة في مجتمعاتنا لا تحتاج سوى للشرارة الأولى، وبعدها ستندلع النيران دون أدنى مجهود. استيقظ الجميع على الكارثة الإجتماعية التي حدثت أمس، بعد أن تداولت الصفحات الإلكترونية والمواقع الإخبارية شائعات حول زواج “حمزة القرشي” السري، وحقيقة طفلهِ الغير شرعي، الذي نسبتهُ إليه المُدعية “سُلاف”، اهتمام الجميع بالأمر كان شيئًا غير طبيعي بالمرة، وكأنها حملة مُمنهجة ومقننة تم شنّها على عائلة “القُرشي”. لم يتذوق “حمزة” طعم النوم، بقى هاجدًا الليل كله، مختليًا بنفسهِ، كأنه يُعيد حسابات السنوات الماضية كلها، كل من تزوج بهن بذكرياتهن ، كل ما يخصهن ، لكن عقلهِ أبى أن يتذكر “سُلاف” نهائيًا، كأن تلك الليلة مُسحت من ذاكرتهِ بتاتًا. انتشلهُ صوتٍ ما بالخارج، فـ تشتت ذهنهِ ونهض من مكانه متعجلًا، فتح الباب ليرى “راغب” أمامه، فـ سأله مرتابًا :

– في إيه ياراغب؟؟.

كان وجههِ حاملًا حُمرة غاضبة، وهو يصيح فيه :

– إنت نايم في العسل ولا إيه؟؟.. تليفوناتك مقفولة ومش عارف أوصلك.. مشوفتش الفضيحة اللي حصلت؟

قطب “حمزة” جبينه، ودلف للداخل مسرعًا يبحث عن هاتفه :

– فضيحة إيه؟!.

– نهار أبوها مش فايت!!

تجهم وجه “حمزة” صائحًا بتلك العبارة الممتعضة، وقد انغمست تعابيرهِ بالصدمة، فتح هاتفه ومنه تفقد مواقع التواصل الإجتماعي، لتظهر أمامه صور من حفل زفافه، والذي تحول لحدث كارثي بكل المقاييس، وتحولت آراء الجميع لمساندة “سُلاف” ضده، كونها إحدى النساء اللاتي يعانينّ من جحود أشباه الرجال وخداعهم، وبقى هو الذئب البشري الذي انتهك قُدسية فتاة سلمتّهُ مفاتيحها، فـ اغتال روحها بلا شفقة، وتركها نافيًا عن نفسهِ أي علاقة بها، ليبقى طفلهِ – الغير شرعي – منها، منتظرًا حُكم بأبوتهِ له، كي يعيش ويحيى بعالمٍ لن يعترف به، إلا بشهادة ميلاد مذكور في خانة الأب “حمـزة صـلاح القُرشي”.

reaction:

تعليقات