Ads by Google X

القائمة الرئيسية

الصفحات

رواية نيران الهوي الفصل السادس 6 - رانيا صلاح

رواية نيران الهوي البارت السادس 6 بقلم رانيا صلاح

رواية نيران الهوي كاملة

رواية نيران الهوي الفصل السادس 6

اعتراف..
"ما بين الحقيقة والخيال، أنت!.. لا تتعجب كثيراً فكلاهُما أنت سيدُه؛ ولكن الفصلُ بينهُم اعتراف بما تخشي ظهوره، ويأكُل قلبُك كالنيران.."
مرت الأيام سريعاً وانتصف فصلُ الشتاء، ولأن الشتاء يُعرف بتساقُط الأمطار؛ ولأن هذا الشهر يُنافي الايام السابقة، كانت الحقائق تبدأ في التساقُط كدموع السماء وهي تُعلن عن امتلاء صدرها بالغيوم، ولكن ليست الحقائق فقط ما يُمكن إظهارُه؛ بل تلك الخفقات من مسلوبة الإرادة الطامع في حقٌ يظنهُ العقل المُستحيل بعينه ...
الأعمال على قدم وساق منذُ افتتاح المحل، وهي لم تترُك المحل سوي على موعد النوم، دائماً تُريد إنهاك جسدها؛ من أجل أن تسقُط في النوم فور وصولها، ولكن هيهات لقلبها الأحمق مازال يأبى الانصياع،... صياح حاد في القابعة على كتفيها، جعلها تسقُط في بئر الذكري لينتشلها من ذاك البئر؛ تلامُس أصابعُها مع سن الابرة، فتُصدر تأوه خافت:
-اااه.... وزفرت أنفاسها بسخط، والعبوس يحتل وجهها الخمري....
كانت "فريدة" شبة مُقيمة بالمحل، وقد بدأت بالعمل كبائع، فهذا ليس بالغريب عنها، ومع شعورها بالضجر أصبحت تُجيد تطريز بعض الرسوم على الطارات،.... تحركت بسعادة وقد انتهت لتو من تطريز طاره تحمل رسمه للبومة، وبصياح :
-"ياسمينا" "ياسمينا"...
بوجه خالٍ من التعبير:
-هااا.. بتقولي حاجة يا "فري"؟...
تلاحم حاجبيها في تساؤل، لتجلس بجوار أختها :
-سرحانه في أيه؟..
بسمة فاترة، اغتصبت وجودها لتظهر كسراب على وجنتيها :
-مفيش، وريني عملتي إيه؟..
ابتهجت أوداجها، وتسربت الابتسامة من حنايا وجهها، فعكست صفاء روحها :
-خلصت البومة بسرعة صح...
هزت رأسها بفرح :
-أيوه..
لتُسارع بالقول:
-أيه رأيك أدخل شغل الهاند ميد في الخشب؟... وتوقفت لتُراقب تعبير وجها أختها، ولكنها رأت البلاهة.... دا نظام شغل هاند ميد بس مختلف شوية، أحنا بنستخدم الخشب في صنع مُجسمات من أشكال مُختلفة "حيوانات، طيور، الاكسسوار" ونضيف ليهم تطريز خفيف جداً جداً، وهتبقي فكرة لطيفة في بداية السنة الجديدة....
ظهر التفكير جلياً على "ياسمين"، وبتساؤل:
-بس هنقص الخشب ازاي؟.. والامكانيات حالياً شبه واقفة، أنتِ شايفه أننا لسه في البداية...
لاحظت تخبُط وجهها، فخشيت أن تشعُر بالضيق، فقرنت هذا :

-ممكن أدخل شريك، دا لو مفيش مانع....
ابتسمت لها بالمُقابل، فقد رأت اهتزاز حدقتيها لتُكمل :
-أنا موافقة، بس لازم رأي "رقية"...
_*_*_*
أنهت "رقية" دوامها، وقاربت على الخروج من بوابة الجامعة، لتتوقف....
وثب قلب "رامي" في مخدعهُ، وشقت البسمة وجهُه؛ عندما لمح مرورها صباحاً، ليُقرر انتظارها؛ لتقديم الهدية لها، تلك الهدية التي يحملها في جيبه، منذُ افتتاح المحل، وعلى وجه الدقة عندما رأي ابتسامتها يوم الافتتاح وهي تتهادي في ثوبها الأرجواني، و وخُصلات ديجورها تتطاير حولها دون قيود ، ويدُها تُعانق يد أخيها، ولا تنفكُ عن الثرثرة والهمس لهُ، كان بمثابة رفيقًا لها وليس بأخ، حينها خفق قلبهُ بقوة وتمني لو يُصبح مكانهُ لثوان، ويداها تستوطن يداهُ بتملُك وكأن الكون بين أصابعهُ، ولكن تبقى الأُمنيات حبيسة جُدران غُرفتُه..... زفر ببطء ويداهُ تلمس ما في جيبه، ليفق من شروده مع مرورها بجواره، وديجورها يُلامس وجهه دون قصد، ليُصيح:
-"رقية"...
زفرت بضيق، وببسمة مُتصنعة :
-نعم يا "رامي"..
ليُكمل بتوتر من احراجها إيهُ :
-مبروك المحل.
بنفاذ صبر:
-الله يبارك فيك، عن إذنك..
انفرجت شفتاهُ بتردُد
-مكن أتكلم معاكي شوية؟.
وبنبرة شبه مُعتذرة، يشوبها الضيق، من هذا الموقف :
-معلش متأخرة.. وهمت بالانصراف لتتوقف مع...
حاول إيقافها وبعفوية مد يدهُ لها ولكن....
انفعال وغضب اعتري وجهها وبنبرة هادرة :
-ايدك..
رفع يدهُ مُسرعاً، وباعتذار:
-اسف أنا بس...
-"رامي"... وانقطعت الكلِمات مع...
ظهر الصدق جلياً في حديثُه:
-كُل الحكاية أني عاوز أقدملك هدية؛ بمناسبة المحل، وأنتِ مستعجلة...
زفرت بهدوء:
-طيب...
اخرج "رامي" عُلبه سوداء من جيبه واعطاها لها، وحينما مدت يدها لالتقاطها، خفق قلبهُ كالطبول، وباتت عيناهُ تنتظر رد فعلها على رؤية ما جلبهُ....
ابتسمت له بمجاملة وأخذت الهدية، وكادت أن ترحل....
تنحنح بإحراج :
مش هتقولي رأيك؟.
حركت رأسها وفتحت العلبة، وسُرعان ما اضأت عينها بسعادة، وتجلت اللمعة بهم، وأخذت يدها تلمس الهلال الأرجواني بسعادة :- شكراً يا "رامي"، بجد شكراً أوي....
كمضخة رجت بهدير قلبه، جعلت الدماء تعدوا بداخله من السعادة، ووميض واهج أطل من زُرقتُه، فبات كبحرٍ رائق، لتلتقط عيناهُ صورتها ككنزٌ ثمين، وبسعادة :
-المهم أنها عجبتك...
_
وضعت "بدرية" كوب الشاي برفق على طاولة الشُرفة، وعينها مُسافرة في غيوم الايام المُنصرمة بوجل، وقلبها يشعُر بوجود خطبٍ ما لا تعرف ما هو، ولكن خوف يجثم على قلبها، فيُفقدُها النوم كُل ليلة، ربما لتلك البرودة المُنبعثة من الجانب الأخر، فتُصيب روحها بمقتل، أو تلك الدقائق من كُل ليلة التي تتدعي بها النوم خوفً من..... زفرت بهدوء يُنافي تخبُطها، لتحاول القيام ولكن صوت "مريم" جعلها تُجيب بصياح :
-تعالي يا "مريم" أنا في البلكونة..
تحركت مُسرعة، وكانت قد فكت جبيرتها منذُ أيام، فتخذُلها قدمها من آن لأخر :
-ماما...
استقبلتها "بدرية" ببشاشة، رغم خيوط عينها الذابلة :
-ايوه..
جلست بجوارها، وبتساؤل :
-هو "سيد" بيشتغل ليه عند بابا مش معاه؟...
فقدت القُدرة على النُطق لثوان ، ولا تعرف كيف ستُخبرُهاعن طمع والدها؟....لتُقلب دفة الحديث :
-بتسئلي عنو لية؟...
شعرت "مريم" بالارتباك :
-ول حاجة بتسلي بدل الملل، أنا هدخل أذاكر،.... وتحركت مُسرعة لداخل...
رقابة اختفاء ابنتها بقلق، وعقلها يؤنبُها على عدم اخبارها ولكن قلبها يأبى خوفً من معرفة ما يضمرهُ والدها،... زفرت بتمهُل شديد، وعقلها يضع المزيد من التساؤلات لماذا فعل زوجها هذا بابن أخيه؟.. لماذا يتخذ" سيد" الصمت دائماً اتجاه حقهُ؟.. تعلم جيداً طمع زوجها ولكن... ليُكمل قلبها.. ولكن ماذا أنتِ قبلتِ أن يأخُذ زوجك حقاً غير حقة وجعلتيّ من صمتك الدائم دليلاً على القبول ....نفضت تلك الصِرعات لتتحرك من مكانها عازمة على أمر ما....
" مُقيدين بأيدينا لا بأفعال الغير... أنت مُخير في القرار"
__
بدأت "وداد" بتوزيع الحلوى على التلاميذ، وابتسامة تُزين ثغرها، وانفرجت شفتها عن الحديث والحماس يملأُها :
-كدة كلوا معاه شكولاتة بس.... لتنقطع شفتها عن الاسترسال وهي تمعُن النظر في وجوه الجالسين، وهم ينظرون لها بترقُب، لتتسع ابتسامتها وتتحرك لمُقدمة الفصل وعلى وجه الدقة بحوار مكتبها وهي تُكمل استرسال:
-كُلكم شاطرين وبتسمعوا الكلام، وكمان بتخلصوا " بس في واحد منكم هياخد.... home work"
لتُسرع يدها بإخراج قلماً وردياً من حقيبتها، لترى التماع أعيُن الصِغار ، فتُكمل :- والقلم دا "لريتا"... وقبل أن تُكمل....
صفقت "ريتا" بفرح وعندما سمعت اسمها ركضت من مقعدها لتحتضن "وداد" وفي خلال ثوان كانت تتمسك بقدمها، وكأنها غريق وجد طوق النجاة...
امتنع قلبها عن الخفقان لجزء من الثانية وحُبست الأنفاس بداخلها، ورجفة قوية مرت بسائر جسدها، لتنحني ودمع عينها يتلألأ كحبات الندى فوق الأغصان، ويدها تعرف الطريق جيداً لصغيرة،... ثوان قادرة على إعادة قلبها للحياة، تلك الحياة التي حُرمت عليها دون مُبرر سوي أنها فقدت ملاذها الأول، انفرجت رئتيها مُطالبة بإحدى حقوقها في الحياة، لتضمها بقوة مُماثله، ولا تعلم حقاً من منهم يُريد الأخر...
ابتسمت من مُبادلتها العِناق وبسعادة :
-أنا بحبك أوى يا مامي.... ليسقُط جفنيها في إطباق واجب، وترتخي ذراعيها....
وثب قلبها من الخوف، وشعرت بارتخاء جسدها بين يديها، لتصرُخ بهلع :
-"ريتا".... وبدأت بضرب وجنتيها بخفوت، وشفها لا تنفكُ عن الهمس بالنداء، لتتجمد عندما رأت احمرار وجهها، وصعوبة تنفُسها، لتحملها مُسرعة وتركُض لخارج الفصل وهي قاصدة المستشفي، ولكن....
كانت "فادية" تتحرك بين رواق المدرسة، لتجحظ عينها بهلع، وتنطلق حنجرتيها بالصياح :
-"ريتا"...
لم تتوقف عن السير، فجسدها أصبح كالجمرة لتركض مُلتهِمه الدرج،... وخلال دقيقة كانت كلاهُما تركبان احدي سيارات النقل "التاكسي" وكلاً منهُما ترتجف خوفاً على الصغيرة...
أخرجت هاتفها بإرتعاش، وباستغاثة :
-"أيمن" الحق "ريتا"....
__
تلك الضحكات والهرج في الفرح هو ما يُبقينا أحياء، ما يُساعدُنا على الصمود عند الانهزام، كان يكتفى بتلك البسمة الباردة، وعيناهُ غائمة بالعواصف لما يفتقدهُ، يشتاق وما أقسي ألم الاشتياق، يفتقدُها بشدة، وما يُزيد الجرح نكاية؛ تلك الأحلام التي تُرافقهُ فيها من آن لأخر وهي تبكي فقد،.... زفر ببطء ليبتسم ببرود جليدي، ويقطع صخبهم :
-"حسن" فين باقي الملفات؟
عقد حاجبيهِ بضيق :
-يا عم افرح شوية، و اعتقني لوجه الله انهاردة...
انطلقت ضحكات "ياسين" :
-أخوك ويعتق، يا بني مينفعش دا هو خلاص استعبدنا...
حرك رأسه بإيماء:
-حصل، بقول أيه ما تقبضوني النهاردة...
بصرامة لا تقبل النِقاش:
-بطلوا "ياسين" بكرة تنزل إعلان عن سكرتير "راجل" مفهوم...
اكتفي بتحريك رأسهُ، ليتحرك واقفاً :
-عن إذنكم بقا....
كاد أن يتحرك خلف "ياسين"، وبدأ في جمع الملفات :
-بكرة هتصرف الشيك ول أروح اصرفوا..
أراح رأسهُ للخلف في إنهاك صريح :
-لا بكرة ول النهاردة...
نظر لهُ بتعجب، وباستفهام:
-أمال؟...
-كدة كدة احنا مش هنحتاج الفلوس الفترة دي، والشغل مع باقي العُملاء هنبدأ نأخُد جُزء منو، لكن فلوس الشيكات هنفتح بيهم حساب بإسم الشركة...
-طيب، بس "ياسين" لازم يعرف...
-متقلقش "ياسين" مش هيرفُض... ليقطع حديثُه رنين هاتفهُ، ليتعجب من اتصالها به :
-ايوه.... ليهب واقفاً ويركُض خارج المكتب بسرعة البرق...
ركض خلفهُ وهو يصيح :
-"أيمن"... وما هي الأ دقائق وكان يلحق بهِ أمام باب سيارتهُ، ليفتح الباب دون سؤال وتنطلق السيارة قاطعة زِحام القاهرة في ذاك الوقت....
لم يعلم كيف وصل إلى سيارتهُ ولكن توقف قلبهُ عن الخفقان عندما سمع صراخ والدته ... ابنتهُ في خطر.... ابنتهُ ستُفارق الحياة....سيفقد ما تبقى لهو من الأنفاس... تلاشي كُل شيء حولهُ، وباتت الشوارع أضيق من سَمّ الخِياط، ليتوقف ويترك مكانهُ بصمت ليدور ليركب في الجهة الأخرى دون أن تنبث شفتاهُ بأدني كلِمة...
عندما توقفت السيارة علِمَ أن أخيهِ فقد القُدرة على القيادة، ليترُك مرضعة بسُرعة البرق ويكُن خلف المقود، دون أن يترجل من السيارة، ليسأل :
-على فين؟... ولم يكُن سؤلاً بقصد المعرفة لما حدث، بقدر ما كان يُريد معرفة أي طريق سيسلُك....
التقط عدة أنفاس، وبنبرة مُرتعشة من الحروب الطاحنة بداخلُه :
-مُستشفي ***.
التزم الصمت، ليدور مقود السيارة باتجاه العنوان، وعقلهُ يظنُ أن هُناك جديد بقضية زوجتهُ، تلك التي اختفت بين ليلة وضحاها وكأنها ذرة ملح،.... مرت الدقائق كلمح البصر ليتوقف أمام بوابة الاستقبال وقبل أن يُخبرهُ أنه سيُركن السيارة ويلحق بهِ ولكن كان قد اختفى....
ركض بين ردهات المُستشفي وقدماهُ بالكاد تحملهُ، ليتوقف أمام والدتهُ، وهي تبكي بجوار احدي الغُرف، وقبل أن تتألف الحروف ليسأل عن ابنتهُ كان باب الغُرفة كان قد فُتِحَ، ليسأل بلهفة :
-طمني يا دكتور..
ابتسم الطبيب بعملية :
-الحمد لله الحالة مُستقرة، مُجرد حساسيه من أكلة غريبه....
عندما سمعت انفتاح باب الغرفة كانت تقف بجوارهم، لتُجيب:
-شكولاتة...
ابتسم الطبيب لها، وبلهجة مُطمئنه :
-احنا عملنا اللازم وهي هتبقى كويسه، وطبعا يُفضل أنها تتمنع عن الشكولاتة.... وأخرج ورقة ودون عليها بعض الأدوية ليمُدها لهم :
-دا أدوية هتقلل الحساسية، ورقم تليفوني لو حصل أي حاجه عن اذنكم....
زفرة ارتياح فارقت الجميع قبل أن تمتلأ ذرات الهواء بالشحنات الكهربية، ليكُن أول من يُرسلها "فادية" :
-من بكرة هتتحولي لتحقيق...
لم تُحاول الجدال ، فشعورها انها المُخطئة يُقيدُها :
-طيب، عن إذنك... وقبل أن تخطو قيد أنملة كان...
انفتح باب الغُرفة، واطلت المُمرضة بتساؤل :
-فين ماما الطفلة؟...
أجاب :
-أنا والدها ممكن أدخل....
لتُجيب "وداد" باعتذار:
-اسفة على تدخُلي، بس هي بتعتبرني زي مامتها.... وانتظرت الجواب بترقُب...
أطلقت عينها سِهام من نار نحوها، وقبل أن تُلقي جِمام غضبها :
-أنتِ ليكي عين.... لتلتزم الصمت مع...
أشار لوالدتهُ بالسكوت:
-اتفضلي ليها، وابتعد مُفسحًا الطريق...
فرت هاربة لداخل الغُرفة، وعينها تبحث عنها، وشعاع من الحنان يتدفق من عينيها، و بابتسامة تشق خوف الساعة الماضية، لتجلس بجوارها، ويدها تربت على شعرها بحنان :
-عاملة اية يا حبيبتي؟...
ابتسمت لها بوهن:
-كويسه..
رفعت يدها الصغيرة، وقبلتها بعُمق :
-اسفة يا "ريتا"، بس احنا مش اتفقنا إننا نعمل الصح ليه كلتي الشكولاته وأنتِ عارفة أنك هتتعبي...
شعرت بالذنب، وأنزلت عينها أرضًا :
-بس أنتِ بقيتي مامي، وأنا مش عاوزه نامي تزعل وتسبني زيهم...
كادت أن تُبلغُها بما يعتلي روحها، ولكن اكتفت بقُبله فوق الجبين أودعت بها كُل مكنون صدرها، وبهمس :
-خلي بالك من نفسك أنا لازم أروح، وبابي هيدخل...
بتساؤل :
-هتسيبيني؟...
ابتسمت لها بود:
-مفيش مامي بتسيب بنتها، بس مامي تعبت وعاوزه ترتاح.... وتحركت لتخرُج من الغُرفة...
بلهجة غاضبة :
-أنت ازاي تسيبها تدخل كده...
بهدوء :
-عشان "ريتا" لو مشافتش منها حُب مكنتش هتسئل عليها...
-لكن يا "أيمن"...
-أرجوكي مش دلوقتي....
فُتِحَ الباب وخرجت، وهي تعتذر بشدة لهُ:
-اسفه على الي حصل، بس والله معرفش أنها بتتعب منها...
حرك رأسهُ بهدوء، وإمتنع عن الكلام ليلج للغُرفة....
وصل "حسن" وكأن قد زفر بارتياح مع رؤية والدتُه:
-طمنيني في أيه؟..
ألقت نظرة غاضبة عليها :
-"ريتا" حصلها حساسية...
وبقلق :
_وهي عاملة ايه دلوقتي؟..
بسمة مُطمئنه كانت الجواب....
__
ترجلت "رقية" من سيارة الأجرة والبسمة تُزين ثغرها بسعادة، فذهابها اليوم إلى الجامعة كان مُختلف؛ فقد حصلت على العديد من الطلبات من صديقتُها، وتلك القلادة التي أحببتها،...كادت أن تُصفق فرِحً في الشارع، لتُخرج هاتفها وهي تهمس بسعادة :
-يارب ترُد بقا.... وما هي الا دقيقة وكان يأتيها الجواب...
كان يحتسي قهوتهُ، و يداهُ تعبث بالهاتف للبحث عن صورتها، ليجفل من اتصالها وكانهُ مُسِكَ بالجُرم المشهود، ليُجيب مُسرعاً :
-ايوه يا "رقية"، في حاجه؟..
لعنة غبائها على اتصالها به، وبتعلثُم :
-أصل...
ارتشف القليل من قهوته، عل هذا يُخفف من خفقان قلبه :
-أصل أيه؟... "رقية" أنا عندي شُغل ومش فاضي...
ترقق الدمع بعينها، وغضة من العلقم استوطنت حلقها، لتُهمس باعتذار :
-اسفة... واغلقت الهاتف دون انتظار الجواب، لتبكي بقهر، وهي تلعن قلبها... لتجلس على أقرب كُرسي أمام الكُورنيش، وتخفي وجهها بيدها، ودموعها تُبلل كفيها.....
كادت أن تموت من خوفها، وتزامن هذا مع تلك الرسالة المُنبعثة من هاتفها بتذكيرها بموعد الفحص الدوري الخاص بها، لتتحامل على نيران قلبها، وتذهب للمستشفى الذي تُتابع به، وتقضي ساعة من التنقُل من غُرفة لأُخري بصمت مُهيب، حتى ابتسامتها الجامدة فقدتها، لتُنهي كُل شيء وتُقرر السير، رُبما ذرات الهواء تُعيد ما حطمهُ اليوم بها، لتقودها قدمها إلى الكُورنيش، لتستند بوهن على السياج الحديدي، وعينها تُراقب خيوط المياه، ليتهادى إليها صوت نشيج مكتوم، فتبحث عن مصدرهُ لتقع عينها عليها، لتلتقط البعض من ذرات الهواء وتتحرك صوبها، وبنبرة قلقة :
-أنتِ كويسه؟...
التقطت أُذنها صوت ما يُحدثُها، لترتفع يدها بسرعة وتُزيل القطرات العالقة بجفنيها، وبابتسامة شاحبة :
-أيوه...
ابتسمت لها بالمُقابل، وجلست بجوارها، وبمشاكسه :
-واضح فعلاً، حتى عيونك مش حمرة خالص، ولا أنفك....
ابتسمت لها :
-كويسه، و بتساؤل.... أنا شوفتك فين؟..
-أنا "وداد" ساكنة معاكي في العمارة....
ابتسمت لها :
-ايوه افتكرتك.... بس مش أنا الي ساكنه معايا، دي "ياسمين"..
نظرت للمياه:
-تفتكري يستاهل!....
تعجبت من سؤالها، وخشيت أن تكُن على علم بما يضمُر بقلبها :
-أنتِ تعرفي؟...
اكتفت بتحريك رأسها بالنفي....
-أمال تعرفي أنا بعيط من ايه أزاي؟...
-معرفش، أنا بسئل عادي هل السبب الي مزعلك يستاهل تبكي في الشارع؟....
تخبطت حدقتيها من تلك الغريبة :
-أكيد..
-بس مهما كان أكيد في حل، والحل أكيد مش في دموعك قدام الناس...
زفرت بهدوء :
-طيب... عن أذنك...
شعرت بخوفها من حديثها:
-اتفضلي، وخليكي فاكره مش كُل حاجه تطرف قلبنا تخلينا نعيط في الشارع....
لم تستطيع الرد وفرت هاربة قاصدة المُحل، فباتت خطواتُها أقرب لركض، وما هي الا خمس دقائق، وكانت تغلق الباب الزُجاجي خلفها وتلهث بقوة......
تعجبت كلاهُما من هيئتها، لتتبرع "ياسمين" بالسؤال :
-"روكا" أنتِ كويسه؟...
اكتفت بتحريك رأسها بنعم، وتحركت لتجلس على أقرب مقعد، ولكن ملامح وجهها كانت تائه في شيء ما...
نظرت "فريدة" لهم بإحراج وتمتمت بالاعتذار :
-عن أذنكم أنا هروح.... ولم تنتظر الرد فسارعت بالخروج....
ولم تكد تمضي ثانيه إلا وتوجهت "ياسمين" بالحديث والقلق كان قد عصف بها؛ فهي تعلم جيداً صديقتها رغم أنها الأصغر ولكن "رقية" دائما هدائه مُبتسمه، والمرح يشع من عينها، ولكن تلك الجالسة أمامها ابعد ما يكون عنها، لتزفر بهدوء ، وتبدأ بوضع يداها فوق يد "رقية" وبتساؤل :
-في ايه؟.. أول مرة أشوفك كده، في حاجه حصلت؟... ولم تمضي ثانيه الا...
كانت كلمات "ياسمين" بمثابة الانذار لانبثاق الدمع، فارتفعت شهقاتُها :
-مفيش حاجه، أنا مرهقة بس... وبدأت عينها بالدوران بعيد عنها، ولكن...
تحركت "ياسمين" من مكانها، لتضمها إليها، وهي تهمس :
-في كُل حاجه، بس الحاجة مش محتاجة غير "روكا" بجنانها، صدقيني أنتِ هتقدرى...
كادت" رقية" أن تغوص في ذراعي "ياسمين"، ودمعها تلاشي مع تلك الكلِمات، لتحرك رأسها، وتشدُ من الاحتضان.... فهذا ما تُريده الآن....
__
أغلقت باب المحل خلفها، فاستقبلتها ذرات الهواء بتحية، فبعثرت القليل من غُرتها الذهبية، لتُكمل طريقها بشرود نحو المنزل، وهي تعض أناملها من الغيظ؛ من حمقتها، وتأكُلها الظنون هل "ياسمين" ستقبل بها أم لا؟... يا الهي ربما ستفهم إني أُريد... لتتوقف الظنون عن العبث بها مع رجفة البرد المارة بجسدها، لتُكمل طريقها وهي عازمة على البداء منعناً من إحراج اختها، لتتوقف أمام الورشة الخاصة به، وهي تبتسم بقوة من رؤيتها لهُ، لا تعلم حقيقةً ما هو شعورها نحوه، ولكن شيء ما بداخلها يُغرد برؤيته، جمعت القليل من ذرات الهواء، وابتسمت بقوة لتُخطي بداخل الورشة، وبصوت لم يُخفي الفرح :
-"منصور"...
هل تلاشي صوت المخرطة أم هكذا يتوهم؟.. منذُ رؤيتها بالحفل وهي تُثير شيء ما بداخلُه، ولكنه يُفسرهُ بالنزعة الرجولية اتجاه من طلبة المُساعدة يوماً، ولكن أن تأتي إليه، وقف الآلة، وتوجه نحوها:
-مساء الخير...
تلألأت عينها أكثر، وبابتهاج :
-مساء النور، ممكن تساعدني؟... وظلت تنظر ردهُ.
وبنبرة رجولية، وعين ثابته :
-أكيد...
وسارعت بالقول :
-أنت أكيد تعرف تعمليّ الشغل الي محتاجه، بحكم شغلك....
ظهرت البلاهة :
-مش فاهمك..
أخرجت هاتفها، وبدأت بالعبث لثوان وتوقفت عند احدي الصور، ووجهت الشاشة نحوه، وبدأت بالشرح:
-دي اكسسوار من الخشب، كُل الي محتاجة أنك تقص الخشب بالشكل الي هقولك عليه...
بهدوء:
-لكن أنا معنديش الالة القص دي، دي في ورش مُعينه...
ظهرت الخيبة على وجهها:
-طيب، وتحركت للخروج ولكنها...
قبضة ما مرت بداخلُه، وبسرعة البرق:
-أعرف الورش، لو تحبي اوديكِ...
عادت غابات الزيتون بالتلألأ من جديد، وبنبرة تحثهُ على الذهاب:
-يلا....
تنحنح في احراج:
-معلش يا أستاذة، خليها يوم تاني أنا عندي شغل، ولم ينتظر ردها، بل تحرك صوب المخرطة، وهو يلعن تسرُعه.....
_
زفرت "بدرية" بضيق، فهي قاربت على النصف ساعة تطرق الباب من آن لأخر، و لكنهُ لم يُجيب، لتعود إلى الشرفة؛ لتنظر إلى المحل من جديد، ولكن تجمدت قدمها من...
فق كان "فرج" يصعد الدرج، وهو يُدندن كعادتُه، ولكن خُصلات الشيب برأسه كانت تحولت لأُخري سوداء، و جلبابهُ تحول لقطعتين من ملابس أبنها،.... خفق قلبها بسرعة البرق، و تجمدت أطرافها من الصدمة، وعقلها يؤكد تلك الشكوك التي تُراودها....
لم يخفى عليهِ صدمتها، ولكنهُ فسرها بالانبهار، وبتفاخر :
-إيه رأيك....
لم تقوى على الرد، ولكن صوت ابنتها كان كفيله بوصف خيبة أملها...
تحركت لتسال والدتها عن احدي الكشاكيل الخاصة بها، لتجد باب البيت على أخره، لتذهب لترى من بالخارج، و الصدمة كانت من نصيبها، وبنبرة مُتعلثه، بل خائبة :
-أيه دا يا بابا، فين شعرك؟... وايه الي غير هدومك كده، أنت تعبان!...
ارتفع صوته بضجر:
-في أيه، وتحرك من جانبهم، غير مبالي بالصدمة التي وقعوا فريسة لها...
يتبع الفصل التالي اضغط هنا
reaction:

تعليقات