Ads by Google X

القائمة الرئيسية

الصفحات

رواية عشق الادم الثلاثون 30- ياسمين

رواية عشق الادم الثلاثون- ياسمين

رواية عشق الادم الثلاثون

أطعمة معززة للمناعة تساعد على منع العدوى

بللت رنا شفتيها اللتين جفتا فجأة ثم رمشت عدة مرات بتوتر فهي لم تتوقع أن يسألها زاهر سؤالا كهذا، منذ زواجهما هو فقد من كان يطرب سمعها بمختلف كلمات الحب و العشق و الغزل... أما هي فقد كانت تكتفي بالاستماع...

طال صمتها لتشعر بارتخاء يدي زاهر حول وجهها، رفعت عينيها لتنظر الي قسمات وجهه التي كساها الألم فجأة ليهتف بمرارة:"انا عارف انك مبتحبنيش بس أعمل إيه...كان عندي أمل صغير انك تحسي بيا...يعني بعد كل اللي عشناه سوى انا قلت يمكن... يمكن تتغير مشاعرك تجاهي.. انا....".

وضعت رنا يدها على فمه لتقاطع كلماته التي لامست أوتار قلبها لتشعر و لأول مرة بانكساره الذي لا طالما تجاهلته بكل أنانية و قسوة، لتهمس بصوت خافت

:" انا آسفة مكانش قصدي أجرحك بس انا دلوقتي بعترفلك اني كنت غبية و أنانية عشان محستش بيك... انا مستاهلش حبك يا زاهر... عارف كلهم كانوا شايفين اني اكتر بنت محظوظة في العالم عشان كانوا متأكدين من حبك و اهتمامك بيا الا انا كنت عنيدة و مش راضية...مكنتش حاسة بقيمة النعمة اللي في إيديا.... انا ندمانة اوي على كل لحظة ضيعتها و انا ببعد نفسي عنك... ندمانة عشان افتكرت نفسي بكرهك و كنت بضايقك بتصرفاتي... انا مش عارفة ازاي و امتى حصل داه بس كل اللي اعرفه اني بقيت بحبك اوي و عاوزاك دايما جنبي.... و دلوقتي سبني عشان اكمل ترتيب الشنط و الهدايا اللي احنا اشتريناهم.. ".

وضعت يداها لتبعد يديه اللتين اشتدتا حول وجهها من جديد و هي تلاحظ ملامح وجهه المنصدمة من كلامها... ضحكت في داخلها و هي تستغرب بشدة من أين اتتها الشجاعة حتى تتفوه بمثل هذا الكلام...لكنها تشعر بالسعادة تغمر قلبها فهي لأول مرة تعترف له بأنها تحبه و يبدو أنه هو متعجب اكثر منها...

آفاق زاهر من صدمته بكلامها الغير متوقع ليشعر بها تفك يديه ليصرخ فجأة:"إيه.... انت قلتي ايه من شوية.. اصل انا مكنتش سامع كويس... انت قلتي انك بتحبيني صح؟؟".

أومأت بإيجاب ليكمل:"و عاوزاني ابعد و اسيبك ترتبي الشنط".

حركت رأسها مرة أخرى بإيجاب و هي تكتم ضحكاتها على ردة فعله الغريبة ثم قالت :"ايوا عشان معاد السفر بكرة...... انت بتعمل إيه يا مجنون نزلي".

صرخت عندما حملها زاهر بخفة و يدور بها في أنحاء الغرفة و هو يصرخ فرحا كطفل صغير.... توقف فجأة ثم أوقفها أمامه و انحنى لمستواها ليهمس أمام وجهها بأنفاس متقطعة:"رنا.. هو انت متأكدة... انك بتحبيني؟ ".

حدقت رنا بعينيه الزرقاوتين اللتين تلمعان بشدة و وجهه المحمر من شدة انفعاله.

لتبتسم قائلة:"بحبك اوي اوي... بس خلي بالك انت زي ماحتتقبل حبي ليك لازم تتقبل جناني..... آه و كمان عندي شرط...".

قطب جبينه بعدم فهم لتكمل:"تبطل قلة أدبك شوية".

قهقه زاهر بصخب ثم انحنى ليمسك خصرها بكلتا يديه و يرفعها قليلا حتى باتت قدميها تتأرجحان في الهواء...عض وجنتيها بخفة لتتعالى ضحكتها السعيدة ليقول :" اطلبي أي حاجة إلا دي.. خصوصا انك بقيتي بتحبيني...غمزها و هو يكمل بنبرة خبيثة

:" دلوقتي بس حتبتدي قلة الأدب اللي بجد".

ضربته على صدره و هي تمط شفتيها بغيض من وقاحته التي لاتنتهي،ليتنهد زاهر بارتياح ليشعر و كان حملا ثقيلا انزاح من على قلبه ليهمس و قد طغت الجدية علي ملامح وجهه:"عارفة يا رنا بكلماتك دي انت خليتيني اسعد راجل في الدنيا... انا مافيش حاجة غلبتني في حياتي قدك.. دراستي و شغلي بالرغم من صعوبتهم بس حسيت انك انت التحدي الأصعب.. انا جربت كل حاجة معاكي هدايا و خروجات و فسح و دلع بس انت فضلت عنيدة و متمردة كنت يوم بعد يوم بفقد الأمل انك تبادليني نفس المشاعر، مالقيتش اي حل معاكي غير اني اغصبك على الجواز مني... كنت اناني و مفكرتش غير انك تكوني معايا و ليا بأي شكل...بس عذري الوحيد هو اني بحبك و بعشقك لدرجة الجنون و الهوس و مستعد اعمل اي حاجة في الدنيا عشان تفضلي جنبي...انت حياتي يا رنا....

ختم كلماته ثم مد يديه ليمسح دموعها التي نزلت على وجنتيها دون أن تشعر... الان فقط أحست رنا بمدى استعدادها لتخليها عن عنادها و تمردها لتبدأ حياة جديدة هادئة.

.......................................

رفعت ياسمين اناملها الرقيقة لتمررها على ملامح وجه آدم الذي كان يغط في نوم عميق بجانبها، لامس كفها خصلات شعره الفاحمة المبعثرة على جبينه، مرورا بأنفه الارستقراطي الشامخ وصولا الى شفتيه الغليضتين لتقترب بهدوء و تطبع قبلة رقيقة عليهما،ارجعت رأسها الى الخلف لتتفاجئ بعينيه الفيروزيتين تطالعانها بشغف لتحمر وجنتيها بخجل ثم تهمس :"انت صاحي؟".

قربها آدم منه و هو يضع رأسها على صدره العاري ليشتم شعرها بعمق كمدمن يبحث عن علاجه لبجيبها بصوت أجش:"مقدرتش انام... خفت ليطلع حلم و لما أصحى الاقي نفسي لوحدي".

رفعت وجهها لتنظر الى ملامحه التي اشتاقت إليها بشدة رغم تألمها منه و تقول:"مش حتحكيلي

بقى؟".

طال صمته و هو يبادلها نظراتها الحائرة المنتظرة بأخرى مترددة...مال الى وجهها ليطبع عليه عدة قبلات طويلة و متفرقة تحت دهشتها و خوفها... ليبتعد عنها و يبدأ في ارتداء بنطاله و هو يقول:"انا حدخل آخذ شاور و بعدين حنده لكريمة تجيبلنا الفطار المتأخر داه عشان حنروح المزرعة و هناك ححكيلك كل حاجة... مال إليها مرة ليسرق قبلة من ثغرها ثم يكمل بنبرة ماكرة:" و بالمرة نكمل شهر العسل بتاعنا".

اتجه الى الحمام بهدوء ليترك ياسمين تتمتم باستغراب:" هو عنده مزرعة؟ اقصد انا....ان انا و اخيرا حخرج من القصر؟ طب هي فيها احصنة واو انا نفسي في حياتي اشوف حصان بجد... طب هو حيحكيلي و الا بيتهرب مني كالعادة... يوووه انا باين اني تهبلت انا أحسن حاجة استنى و بعدين اشوف حيحصل إيه.... يا لهوي نسيت... ماما حتقول عليا إيه زمانها بتدور عليا انا حلبس هدومي و اروح حمام الأوضة الثانية آخذ شاور عشان افوق كدة.... ".

ارتدت قميصه مرة أخرى و رتبت السرير ثم التقطت ملابس آدم التي رماها البارحة باهمال على الاريكة.. قربت الجاكيت لتشتم رائحته الرجوليه المميزة التي مازالت تغمر جسدها

لتتفاجئ بيدين قويتين تحاوطان خصرها :" بتعملي إيه؟ همس آدم قرب أذنها و هو يقبل كل ماتصل اليه شفتيه من عنقها و كتفها و فكها....

ضحكت ياسمين بقوة و هي تستشعر برودة قطرات الماء المنهمرة من خصلات شعره على بشرتها.

لتقول من بين ضحكاتها:" انا كنت بوظب الأوضة و بعدين كنت حطلع آخر شاور في الاوضة اللي جنب و بعدين اروح لماما عشان اقلها اننا...".


آدم من بين قبلاته:"أولا دي آخر مرة اشوفك بتعملي حاجة خلي كريمة تبعث اي واحدة من اللي بيشتغلوا هنا عشان تنظف الأوضة.. ثانيا انا كنت عاوز ادخلك معايا عشان نعمل شاور سوى زي أيام شهر العسل فاكرة.... ثالثا انا اللي حنزل علشان اتكلم مع مامتك عشان عارف انك مكسوفة منها..ابعدها عنه بصعوبه ثم دفعها برفق ناحية الحمام قائلا بغيض:" و دلوقتي يلا امشي من قدامي احسن اغير رأيي و احجزك معايا في الاوضة اسبوع بس هانت احنا نوصل المزرعة الاولو بعد كده حتصرف".

أسرعت ياسمين الى الحمام تتمتم بكلمات ساخطة و هي تعلم في قرارة نفسها انه يستطيع تنفيذ تهديده و لن يردعه شيئ".

بعد دقائق عديدة ينزل آدم الدرج بخطوات واثقة و رائحة عطره النفاذة تسبقه معلنة على وجوده... اتجه الى مكتبه بعد أن أخبر كريمة مدبرة القصر ان تستدعي له والدة ياسمين للتحدث معها.

جلس وراء مكتبه الفخم يدقق النظر في بعض الملفات المستعجلة التي تحتاج لاامضائه...نفخ بضيق و هو يرتب أفكاره و خططه التي يتوجب عليه تنفيذها لانجاز اعماله المستعجلة قبل التوجه إلى المزرعه.. اخذ هاتفه ثم عبث ببعض الازرار قبل أن يرفعه الى اذنه... بعد لحظات اتاه صوت رئيس حرسه الوفي ناجي ليتحدث آدم بنبرة جدية آمرة

:"ناجي حضرلي العربيات عشان نروح المزرعة انا حقضي كام يوم هناك...أمن القصر كويس و ابعثلي حد ياخذ ملفات للشركة و سلوى هانم تخلي السواق يوصلها للمكان اللي هي عاوزاه.. فتح عينيك كويس الايام دي مش عاوز أخطاء... سلام".

رمى الهاتف جانبا بعد أن انهى مكالمته ثم التفت الى الباب الذي كان يدق...أذن للطارق بالدخول لتدلف السيدة سلوى و هي ترمقه بنظرات غير مرتاحة...

ابتسم آدم قليلا و هو يشير اليهابالجلوس قائلا:" سلوى هانم انا عارف انك لسه زعلانه من اللي حصل و انا مش بلومك او بعاتبك بالعكس داه حقك.. كام انك تخافي على بنتك... بس انا و ياسمين تصالحنا و كنا عاوزين نقضي كام يوم في المزرعة بتاعتي عشان في كلام مهم لازم نقوله لبعض... طبعا حضرتك لو عاوزة تيجي معانا انت و رامي اهلا و سهلا... بس انا بطلب منك انك متزعليش من ياسمين او تعاتبيها... و انت اكيد مش عاوزة تخربي بيت بنتك و كمان عارفة و متأكدة اني بحبها و مستحيل اتخلى عنها...المهم انا أديت خبر للسواق انه يوصلك لأي مكان انت عاوزاه بالرغم من إني طلبت من حضرتك لو تيجي تسكني معانا انا و ياسمين في القصر... اكمل بنبرة هادئة :"انت عارفة ان انا معنديش عيلة... الاب دايما مسافر و الام ملهاش غير في الجمعيات و النوادي و الشوبينغ...فلو حضرتك تقبلي انك تيجي تعيشي معانا انت و رامي اهو نبقى عيلة و انت كمان تبقى جنب بنتك... حضرتك فكري و انا ححترم اي قرار انت عاوزاه".

سلوى بنبرة جادة:"انا طبعا بشكرك على كرمك معانا بس انا مقدرش اسيب بيتي اللي في الحارة...

اما بالنسبة لبنتي فأنا اكيد زي ما قلت مش عاوزة اكون السبب في خراب بيتها بالعكس انا نصحتها و طلبت منها انكوا تتكلموا مع بعض عشان تلاقوا حل لمشاكلهم...بس كمان ميرضينيش ان بنتي الوحيدة تعاني بالشكل داه و هي لسه عروسه... انا مش راضيه على اللي حصل و مقدرش اديك اي عذر للي انت عملته.. و تأكد انه لو اتكرر ثاني فأنا حاخذ بنتي و متحلمش انها ترجعلك تاني...

صمتت لتكمل بنبرة حزينة تدل على ندمها:"

انا منكرش ان انا كمان مذنبة في حقها انت اللي خليتها توافق عليك لما تقدمتلها....بس انا و الله مكنتش طمعانة لا في فلوس و لا حاجة انا مكنتش عاوزاها تعيش متمرمطة في الفقر زي... كنت فاكره انها حتكون مرتاحة لو اتجوزت واحد غني بس طلعت غلطانه... المفروض كنت اصريت عليها انها تطول فترة الخطوبة عشان تتعرفوا على بعض اكثر...ياسمين بنتي طيبة و على نيتها و بتثق في آراء اللي حواليها بسرعة.. اول ما قلنالها توافق عليك قبلت على طول علشان كده اي قرار هي حتاخذة انا حدعمها على طول حتى لو عاوزة تتطلق منك و دلوقتي عن اذنك ".

شعر آدم بالغضب يتصاعد الى رأسه من كلماتها المتحدية له...تراجع بظهره على المقعد الجلدي و هو يراقب خروجها ليزم فمه متمتما باستخفاف:" تتطلق ؟؟ دا يبقى آخر يوم في عمرها... قال تتطلق قال".

.....................................

في شقه اوس

جلس صفوان على الاريكة يترشف كأسه ببطء و هو يشاهد غادة التي كانت ترقص أمامه و تحرك جسدها باغراء... متعمدة تمرير يدها على مفاتنها بغية إثارته....

زمت شفتيها بعدم رضا و هي ترتمي على الاريكة بتعب غير غافلة على نظرات صفوان الشاردة و كأنه في عالم آخر... مدت يدها لتوقف الموسيقى الصادرة من جهاز الابتوب أمامها ثم اقتربت منه متسائلة:"إيه يا حبيبي مالك...من ساعة ماجيت و انت مركز معايا خالص".

أشار لها لتملئ كاسه الفارغ من جديد قائلا بعدم اهتمام:"مفيش يا غادة...كنت بفكر في المشاكل اللي حصلت مؤخرا و بس".

وضعت الزجاجة على المنضدة و هي تهتف بخبث مخفي:"اااه فهمت بس انت اكيد قادر تتصرف و ترجع كل اللي راح منك و تنتقم من اللي عمل فيك كدة".

صفوان بانزعاج:"صعب جدا... الخسارة المادية للمجموعة كانت كبيرة جدا... ابن الحديدي الكلب خلى كل شركائنا يسحبوا اسهمهم في شركاتنا و كمان عطل جميع الصفقات و داه خلانا نلجأ نتدين مبالغ كبيرة من البنك و طبعا بعض البنوك ابتدت تحجز على الأملاك و مش فاضل تقريبا غير الشقة دي و الفيلا الكبيرة و شويه عربيات و محلات صغيرة قديمة كانت ملك جدي الله يرحمه....دا عامل زي الجن بيعرف كل حاجة بيحسب حساب اي خطوة قبل ما يعملها... انا اعرفه من زمان دماغه سم و مبيأمنش لحد...

طب انت عارفة انه عامل كاميرات في كل انحاء القصر و الفيلا و اي مكان على ملكه حتى لو كان خرابة... دي طبيعته من زمان بيحب يعرف كل حاجة حواليه ".

انتفضت غادة بفزع من مكانها و هي تردد بخوف:" نعم كاميرات في كل القصر..... انت قصدك انه عارف ان انا رحت لياسمين و قلتلها على الحكاية المتلفقة اللي قالتهالي سهى ".

ابتسم الاخر باستهزاء:" اكيد عارف و اكيد هو سايبك انت و سهى على مزاجه بس احذري منه.... آدم مبيسبش حقه ابدا".

غادة بقلق:"طب و لما هو كده انت بتحاربه ليه... داه في خلال يومين دمرك انت و عيلتك.... ".

صفوان بصراخ:" اخرسي... انت نسيتي نفسك و الا ايه مين دا اللي دمرني... انت فاكراني عيل و الا حخاف منه اذا كان هو آدم الحديدي فانا صفوان الجندي.... يمكن انت لسه متعرفنيش كويس بس حتشوفي... و ديني لدفعه ثمن كل حاجة عملها حتى لو اضطريت اني اقتله".

ابتلعت ريقها بخوف و هي تنظر إلى هيأته المرعبة خاصة مع وجود تلك الوشوم الغريبة التي تغطي ذراعيه و بعضا من رقبته.. استجمعت شجاعتها لتقترب منه و تتمسح على صدره باغراء هامسة بصوت انثوي رقيق:" طب اهدى يا حبيبي... روق كدة عشان تقدر تفكر براحتك و انا حدخل اجيبلك قزازة جديدة بدل اللي فرغت دي...و الا اقلك تعالى ندخل جوا و انا حبسطك و حخليك تنسى الدنيا كلها".

أبعد صفوان يديها عنه بعنف ثم تحدث بلهجة حادة:"مليش مزاج دلوقتي... تقدري تروحي و انا لما اعوزك حكلمك".


نظرت اليه للحظات تحاول ابتلاع اهانته لها التي لم تكن بجديدة عليه فهذه طبيعة صفوان الجندي...يمل بسرعة و يغير نسائه كما يغير أحذيته و خاصة اللواتي يقعن بسهولة مثل غادة...

انحنت لتأخذ حقيبتها اليدوية ثم غادرت بهدوء عكس النيران المشتعلة داخل قلبها... ركبت سيارتها ثم أغلقت الباب بعنف لتطلق العنان للسانها بالشتم و السباب بكلمات بذيئة موجهة ذالك المتعجرف الذي تركته في الأعلى...لكنها سرعان ما هدأت و هي تتذكر افلاسه لتحدث نفسها بخبث:"دا انا اللي ارتحت منك يا صفوان الكلب فاكرني حفضل اجري وراك او ابصلك بعد ما فلست... انا لازم ادور على حد ثاني اغنى منه... دا كارت و اتحرق معادش منه أي فايدة...فكري يا غادة كده و شوفي واحد راسي كده و عاقل قادر يحافظ على فلوسه مش زي المجنون داه...انا لازم الاقي حد يمول المشروع بتاعي اللي بحلم بيه طول عمري.. مركز تجميل يكون افخم حاجة و خاص بس بالناس الاغنياء... يا سلام يا بت يا غادة دا انت كده تقولي للفقر باي باي forever ..".

حركت سيارتها متجهة الى إحدى النوادي الراقية التي اشتركت بها مؤخرا بحثا عن فريسة جديدة من الطبقة الغنيه....

...................................


الساعة الرابعة عصرا

دخلت سيارة آدم إحدى المزارع الشاسعة متبوعة بأربعة سيارات حراسة....صاحت ياسمين بتحمس و هي تشاهد البساط العشبي الأخضر الممتد على مئات الكيلومترات و الأنواع الغريبة من الأشجار و النباتات التي تراها لأول مرة :"آدم هي المزرعة دي بتاعتك؟؟

ضحك آدم بخفة على منظرها الطفولي قائلا:" لا دي المزرعة بتاعتنا... انا و انت يا روحي ".

ابتسمت ياسمين باتساع و هي تضم كفيها بسعادة بالغة هاتفة بتحمس:"طيب هو في احصنة... انا نفسي اشوف حصان حقيقي ".

امسك آدم يديها يقبلهما بشغف قائلا بحنو:" أوامركmy princesse انت بس احلمي و انا أنفذ يلا ننزل نتغدى و نغير هدومنا و نرتاح و المساء افرجك على المزرعة و حاخذك للاسطبل تختاري الحصان اللي انت عاوزاه... المزرعة حلوة اوي حتتبسطي جدا".

اومأت ياسمين ثم قالت بخيبة أمل :"كان نفسي ماما و رامي يشوفوا مكان زي داه... ".

قاطعها آدم مطمئنا:" متقلقيش انا متفق مع زاهر انه حيجيب مراته و ييجوا هنا و انا قلتله انه حيجيب اخوكي و مامتك معاه.. انا بس كنت عاوزة الليلة ابقى انا و انت لوحدنا ".

نزلا من السيارة ثم اتجها الى الفيلا الفخمة لتجدا في انتظارهما سيدة في الخمسين من عمرها بشوشة الملامح ترتسم على وجهها ابتسامة عريضة، ترتدي ملابس بسيطة، بالإضافة إلى سيدتين تبدوان أصغر سنا منها بقليل

آدم بنبرة فخر:" اعرفكم دي ياسمين هانم مراتي... ياسمين دي ام هاني المسؤولة عن المزرعة في غيابنا هي و جوزها و دول حياة و هنية بيساعدوها.

ياسمين بابتسامة بريئة:" اهلا و سهلا.. تشرفنا".

ام هاني :"خطوة عزيزة يا باشا... اهلا بيكي يا هانم المزرعة نورت ".

آدم بصوت واثق :" ميرسي يا ام هاني...حضري الغداء بسرعة و احنا حنطلع نرتاح شوية و لما يجهز الغداء اندهيلنا".

ام هاني بطاعة:"الغداء جاهز يا باشا عشرة دقايق و السفرة تكون جاهزة انا حضرت كل الأكلات اللي بتحبها ".

إحتضن آدم ياسمين بذراعة ليصعد بها الدرج باتجاه غرفتهما.... فتح الباب لتدلف ياسمين و هي تطالع الغرفة باعجاب

" واو دي الأوضة حلوة اوي ". صرخت ياسمين بحماس و هي تتجه الى الحائط الزجاجي الذي يطل على المزرعة

عانقها آدم من الخلف و هو يقبل راسها قائلا:"انا غيرتها علشانك... ألوانها كانت غامقة بس انا اخترت الألوان الفاتحة و الهادية اللي انت بتحبيها".


وضعت يدها على يده الموضوع على خصرها لتهتف بسعادة:"ذوقك حلو اوي.. كل حاجة هنا حلوة و مريحة و الهواء نقي انا حبيت المكان جدا.... انت ليه مجبتناش هنا قبل كده... هو ينفع نقعد هنا على طول".

قهقه آدم بصخب و هو يشاهد حماسها المفرط ليقول بمرح:" اهدي يا قلبي بالراحة انا حعمل اللي انت عاوزاه.. احنا انشاء الله حنبقى نيجي هنا دايما لكن منقدرش نقعد على طول علشان شغلي... ".

زمت شفتيها بضيق:" مليش دعوة.. المكان هنا يجنن و انا... ".

قاطعهما طرق خفيف على الباب و صوت انثوي يقول :"الغداء جاهز يا باشا".

آدم بصوت عال :" دقايق و نازلين". التفت لياسمين ثم أشار الى احد الأبواب متحدثا بنبرة هادئة:حبيبتي الحمام هناك... البسي اي حاجة مريحة بدل الفستان الحلو داه عشان مش حينفع نركب بيه الحصان".


اتجهت ياسمين الى الخزانة الكبيرة لتتفاجئ بوجود ملابس كثيرة متنوعة اختارت قميصا طويلا باللون الأزرق السماوي و بنطال قماشي مريح باللون الاسود ثم اتجهت الي الحمام.

بعد تناول الغداء المكون من عدة اكلات فلاحي و الذي أعجب ياسمين بشدة، قاما بالتجول لعدة ساعات في أنحاء المزرعة، حيث استمتعا كثيرا بمشاهدة المناظر الطبيعية الخلابة و الحيوانات و الطيور المتنوعة... بالإضافة إلى العديد من الأشجار و النباتات النادرة التي تتميز يها المزرعة...و أيضا اصرار ياسمين على ركوب احد الاحصنة رغم خوفها

تمددت ياسمين بتعب على البساط العشبي الأخضر قائلة:"انا مش مصدقة اني في مكان زي دا... دي قطعة من الجنة بس على الأرض..".

ا

بتسم آدم في داخله و هو يتذكر جلوسه وحيدا ليلة البارحة في نفس المكان... لم يكن يتوقع انه سيعود الى هنا بهذه السرعة لكن برفقة صغيرته... اقترب ليتمدد بجانبها ثم يجذبها لتتوسد ذراعه قائلا بحنو:"مبسوط اوي عشان عجبتك يا روحي".

قبل رأسها ثم اكمل:"انت من وقت الغداء مكلتيش حاجة....ايه رأيك ندخل الفيلا عشان تتعشى؟".

نفت برأسها مهمهمة:"لا مش عاوزة احنا تغدينا متأخر و انا أكلت كثير... بس لو انت عاوز نروح معنديش مانع".

آدم مغمغما:"انا مش عاوز حاجة غيرك ... عاوزك على طول جنبي و في حضني".

التفت ياسمين بجسدها لترتكز بذراعيها على الأرض لتصبح مقابلة لآدم هاتفة بصوت متردد :" آدم هو انت ينفع تحكيلي... انت وعدتني نيجي هنا عشان تقلي كل حاجة و نهدم الجدار اللي مابينا... انا عارفة انه صعب عليك بس حاول عشان خاطري و علشانك كمان... صدقني حترتاح جدا لما تفضفض بكل اللي جواك".

تأمل لثوان ملامح وجهها البريئة ثم مد يده ليمسك بكفها و كأنه يستمد منها قوته لتقابله هي بنظرات مشجعه على البوح بمكنونات قلبه، تنهد بصوت مسموع قبل أن يبدأ حديثه بنبرة حزينة :" عاوزة تعرفي إيه؟ عاوزة تتأكدي ان اللي قالتهولك البنت اللي اسمها غادة صح و الا كذب؟ عاوزة تعرفي ليه انا طباعي صعبة و بتقلب لشخص عصبي في ثواني؟ عاوزة تعرفي انا ليه انسان مهوس بيكي و متملك من ناحيتك و مش عاوز حد يشاركني فيكي حتى مامتك و اخوكي و بتجنن لما بتنطقي بكلمة بعد أو أنك تسيبيني ؟ عاوزة تعرفي ليه انا اخترتك انت من كل البنات اللي انا قابلتهم في حياتي رغم انهم كلهم كانوا يتمنوا إشارة مني؟ و أسئلة ثانيه كثير بتدور في دماغك الحلو داه....

طبعت ياسمين قبلة رقيقة على وجنته ثم همست بتأكيد:"انا عاوزة اعرف كل حاجة و مهما كانت إجاباتك انا عمري ما حفكر اني اسيبك او ابعد عنك... اصلا انت مستحيل تخليني اعمل كده".

ابتسم بمرارة و طوفان من الذكريات المريرة يجتاح مخيلته بعنف ليجيبها بصوت مرتعش:"طبعا مستحيل اسيبك انت الحاجة الوحيدة اللي حفضل متمسك بيها لآخر نفس فيا...

انا كنت صغير جدا لما فقدت عيلتي حادثة كان عمري وقتها خمس سنين، كنت عيل معرفش اي حاجة و لا فاهم اللي بيحصل حواليا... حتى اهلي، أعمامي و اخوالي رفضوا انهم يقبلوني.... فأخذوني لدار أيتام و هناك بدأت معاناتي أشكال و الوان...شخط و ضرب و اهانة و حرمان من الاكل و كمان كانوا بيحطوني في اوضة ظلمة لوحدي.... كل داه عشان كنت بصرخ و بنادي اني عاوز ماما و بابا...و كنت رافض اني اعيش في الملجأ.. انا كنت طفل صغير مكنتش فاهم اصلا انا ليه فجأة بقيت هناك....انا كنت كل ليلة بنام و عندي امل اني اصحى الاقي نفسي في كابوس و ان انا رجعت لبيت و لحضن عيلتي... انا فاكر شوية من ملامح امي... كانت حنينة اوي و بابا كمان هي كان اسمها سمية و بابا اسمه مدحت... كان بيدلعها بيقولها يا سمسم كان عندنا بيت صغير بس فيه جنينة كبيرة كنت بلعب فيها و كان مرجيحة كانت أمي بتقعد فيها و بتبصلي و انا بلعب...

المهم انا لما عملت الحادثة حصلي شوية تشوهات في ظهري فالاطفال كانوا بيتنمروا عليا و بيعايروني بالمشوة و كنت بتشاجر معاهم و بضربهم...

صمت قليلا ليضحك بتألم ثم يكمل:"رغم اني كنت صغير بس ما كنتش بسيب حقي... و كنت بتعاقب... و كنت بضربهم اكثر و بردوا مديرة الدار بتعاقبني اكثر.... و فضلت كده سبع سنين و بقى عندي اثناشر سنه.بقيت بنقم على كل الناس... اهلي اللي سلموا فيا و اللي بيشتغلوا في الدار و الأطفال اللي معايا... كانوا كلهم بالنسبة ليا وحوش معندهمش رحمة و لا ضمير.بقيت طفل عصبي جدا و مش بتقبل اتكلم او اتناقش مع أي حد بقيت بستعمل ايدي قبل لساني... عشان كده انا بقيت لحد دلوقتي بكره ان اي حد يعلي صوته قدامي او يناقشني في حاجة انا بقولها".

تأملت ياسمين ملامحه المتعبة و المنكسرة بحزن لتقرر بصعوبة ان تتغلب على فضولها و تأجل بقية الحديث الى يوم آخر لتهمس بشفقة:" حبيبي كفاية لحد كدة خلينا نطلع اوضتنا نرتاح و بكره نكمل ".

لمعت عينا آدم بسعادة انبثقت فجأة من بين أطياف الحزن المحيطة به ليجذبها بقوة اليه و يدفن رأسه بصدرها كطفل صغير قائلا :" عارفة دي اول مرة تقوليلي يا حبيبي... المهم يا ستي لما بقى عمري اثناشر سنة قابلت ماجد الحديدي اللي قرر يتبناني هو و مراته دولت هانم... اختاروني انا عشان كنت ذكي جدا... تقريبا كنت بحصل على الدرجات النهائية في أغلب المواد في المدرسة و هو كمان كان عاوز ولد عمره يكون فوق العشر سنين عشان، انا وقتها كنت مبسوط جدا قلت ياااه و اخيرا حتبقى عندي عيلة تهتم بيا و تخاف عليا.... ام حنينة تعوضني العذاب اللي شفته في طفولتي و اب يكون سندي و اماني بس بعد كده انصدمت...

زاد من احتضانه لها لتشعر ياسمين بارتجاف جسده و كأنه يحتمي بها من تلك الذكريات التي لازالت تألمه بشدة رغم مرور سنوات طويلة...ليصلها صوته المختنق :"انا عشت معاهم اقل من شهر و بعد كده سفروني أمريكا عشان اكمل دراستي... هما مكانوش عاوزيني انا... كانوا بس عاوزين طفل ذكي عشان لما يكبر يقدر يدير املاكهم حتى اسمي غيروه...مكانش همهم مشاعري او رأيي خلوني اقطع آخر امل اني اكون طفل عادي زي بقية الأطفال... قسوا قلبي بزياده و خلوه زي الحجر و زودوا غربتي بقيت لوحدي في بلد ثانيه، على الاقل لما كنت في الملجأ كان عندي امل و لو صغير ان حد من عيلتي يفتكرني او قلبه يحن و ييجي ياخذني او حتى يزورني....

عارفة ايه احساس طفل صغير منبوذ الكل بيكرهه و مش عاوزه و بينظروله و كأنه مرض او حاجة زيادة عاوزين يخلصوا منها في أقرب وقت.... عارفة ايه احساس طفل لما مفيش حد يهتم بيه او يطبطب عليه حتى بكلمة حلوه أو بحضن دافي، مفيش حد يستناه لما يرجع من المدرسه


يتبع الفصل الحادي والثلاثون اضغط هنا  

 

reaction:

تعليقات